لا يبدو أن الوضع سيكون هادئاً في الضفة الغربية عموماً والقدس خصوصاً اليوم، وذلك مع تنظيم مستوطنين يهود مسيرة “رقصة الأعلام” بمناسبة ما يطلقون عليه يوم “توحيد القدس”، الأمر الذي دفع بالشرطة الإسرائيلية إلى تعزيز قوّاتها في القدس ومحيط المسجد الأقصى بآلاف العناصر، هذا فضلاً عن درسها احتمال تغيير اتجاه المسيرة لتفادي صدامات مع المقدسيين الذين يتهيّأون لإنتفاضة جديدة بعد إصابة العشرات منهم خلال المواجهات العنيفة مع القوّات الإسرائيلية في محيط المسجد الأقصى ليل السبت – الأحد.
وتنطلق مسيرة المستوطنين عصر اليوم من أمام مقبرة مأمن الله غرب البلدة القديمة للسير في اتجاه باب العامود، حيث من المتوقع أن تحدث مواجهات مع المحتجّين الفلسطينيين، فيما تشهد المنطقة إجراءات أمنية مشدّدة في كلّ من البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى، إذ دفعت السلطات الإسرائيلية بتعزيزات عسكرية وأمنية عند أبواب المسجد، كما انتشرت القوّات الأمنية في مختلف أزقة القدس الشرقية ونصبت الحواجز الحديدية.
ولتخفيف الإحتقان على الأرض موَقتاً، أعلنت المحكمة الإسرائيلية العليا تأجيل جلسة كانت مقرّرة اليوم في شأن طرد عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح، وهو ملف في صلب التظاهرات التي أدّت إلى سقوط أكثر من 300 جريح في الأيام الأخيرة، موضحةً أن موعداً جديداً سيُعلن “في الأيام الثلاثين المقبلة”.
وكانت المحكمة المركزية في القدس قد قضت بإخلاء عدد من العقارات الفلسطينية في الحي الذي أقامه الأردن لإيواء الفلسطينيين الذين تهجّروا في العام 1948 ولديهم عقود إيجار تُثبت ذلك. لكن قرار المحكمة بالأمس يعني تجميد قرار الإخلاء إلى حين تحديد جلسة جديدة.
تزامناً، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مستهلّ جلسة الحكومة الإسرائيلية إنّ الدولة العبرية “تستمرّ في ضمان حرّية المعتقد، لكنّها لن تسمح بأعمال شغب عنيفة”، مضيفاً: “سنُطبّق القانون ونفرض النظام بحزم ومسؤولية”، مدافعاً كذلك عن توسيع المستوطنات اليهودية في القدس الشرقية.
كما وجّه نتنياهو رسالة تهديد إلى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بعد إطلاق قذيفة من القطاع في اتجاه جنوب إسرائيل فجر الأحد، قائلاً لمن وصفها بـ”المنظّمات الإرهابية” في غزة: “سنردّ بقوّة على أي عمل عدواني”، فيما أقرّ رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية أفيف كوخافي نشر 3 كتائب إضافية في الضفة الغربية، بهدف مضاعفة حال التأهّب الأمنية.
وفي غزة، ردّ الجيش الإسرائيلي على إطلاق صاروخ من القطاع بقصف ما وصفه بأنّه “هدف عسكري” في جنوب القطاع. كذلك أطلق الغاز المسيّل للدموع تجاه المتظاهرين الفلسطينيين قرب السياج الحدودي شرق القطاع، حيث أشعل المتظاهرون إطارات سيارات وأطلقوا بالونات حارقة نحو الجانب الآخر تسبّبت باندلاع حرائق كثيرة في مناطق غلاف غزة.
وفي وقت متأخّر من ليل أمس، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن قذائف عدّة أُطلقت من قطاع غزة في اتجاه مدينة أشكلون في جنوب إسرائيل، حيث تمّ تشغيل منظومة “القبة الحديدية” التي تصدّت لهذه القذائف، في وقت دخل الإسرائيليون إلى الملاجئ بعد سماع صفارات الإنذار في المدينة وبلدات في غلاف غزة.
وبينما توالت ردود الفعل الإقليمية والدولية المندّدة بالإجراءات الإسرائيلية، استدعت الخارجية الأردنية القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في عمّان للإحتجاج على “الإنتهاكات الإسرائيلية المتواصلة” في القدس الشرقية، والمطالبة بـ”وقف إجراءات تهجير أهالي حي الشيخ جراح من منازلهم التي يملكونها”، فيما تظاهر مئات الأردنيين في عمّان للمطالبة بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل وإغلاق سفارتها في عمّان.
وفي السياق، ذكرت الخارجية التونسية أنها تقدّمت بطلب لعقد جلسة لمجلس الأمن اليوم للتداول في شأن التصعيد الخطر، و”ممارسات الإحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، خصوصاً في القدس، وانتهاكاتِها لحرمة المسجد الأقصى”، في حين أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أنه تقرّر عقد دورة غير عادية لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب غداً الثلثاء، كما دعت منظمة التعاون الإسلامي إلى عقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين الدائمين الثلثاء أيضاً لبحث التطوّرات الأخيرة في مدينة القدس، وذلك بناءً على طلب من دولة فلسطين.
من جهته، دعا البابا فرنسيس إلى إنهاء المواجهات في مدينة القدس، وقال الحبر الأعظم في رسالة بعد صلاة الأحد: “أُتابع بقلق خاص الأحداث التي تجري في القدس”، مضيفاً: “أُصلّي لكي تكون (القدس) مكان لقاء لا مكان اشتباكات عنيفة، مكاناً للصلاة والسلام”. وتابع: “أدعو الجميع لكي يبحثوا عن حلول مشتركة، لكي يتمّ احترام الهوية المتعدّدة الأديان والثقافات للمدينة المقدّسة ولكي تسود الأخوَّة”، معتبراً أنَّ “العنف لا يولّد إلّا العنف. كفى اشتباكات!”.