سفير الشمال-عبد الكافي الصمد
أقفلت الجهود السّياسية لحلّ مأزق تشكيل الحكومة اللبنانية على فشل متوقع لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي غادر إلى بلاده خالي الوفاض من دون أن يحقق في زيارته إلى بيروت أيّ نجاح يذكر، مبقياً البلاد داخل المربع الأول للأزمة المفتوحة على كلّ الإحتمالات السّلبية.
وفتح فشل الحلول السّياسية لإخراج لبنان من أزمته الخانقة، سياسياً وإقتصادياً، الباب واسعاً أمام سيناريوهات مقلقة وخطيرة إلى أبعد الحدود، إذ توجهت الأنظار بقلق بالغ نحو الجنوب، بعدما أعلن جيش العدو الإسرائيلي بعد ساعات قليلة من مغادرة الوزير الفرنسي بيروت، عن بدئه يوم أمس الأحد إجراء أكبر مناورة عسكرية في تاريخه، والتي تحاكي شهراً من حرب شاملة على جميع الجبهات، من الشّمال باتجاه لبنان وإلى الجنوب نحو قطاع غزة، وهو ما أكدته وسائل إعلام العدو الصهيوني بإشارتها إلى أنّ المناورة العسكرية سوف تحاكي حرباً شاملة ضد حزب الله في لبنان وضد حركة حماس في قطاع غزة، مع إطلاق مكثف لإطلاق الصواريخ من جميع الساحات باتجاه مناطق الصهاينة في الداخل الفلسطيني المحتل.
ولفتت وسائل إعلام العدو الإسرائيلي، في إشارة إلى أهمية هذه المناورة العسكرية غير المسبوقة، أنه مخطط لها مسبقاً وهي ستستمر لمدة شهر واحد، وأنّ مسؤولين في جيش العدو قرّروا عدم إلغاء أو تأجيل هذه المناورة، بالرغم من التوتّرات في القدس والسّاحة الفلسطينية، مشيرة إلى أن حالة اليقظة والتأهّب ستبقى كما هي تجنباً لأي سيناريو.
وما زاد القلق أكبر من احتمال قيام الإسرائيليين باعتداء واسع على أكثر من جبهة، منها لبنان، ما ذكرته وسائل إعلام لبنانية وأجنبية، من أنّ “حزب الله” وضع عناصره بحالة إستنفار وجهوزية تامّة على طول الحدود الجنوبية، تزامناً مع مناورة إسرائيلية ضخمة تحاكي حرباً معه”، وأنّ “هذه الجهوزية لحزب الله هي الأولى من نوعها منذ حرب تموز 2006، وهي بحجم المناورة الإسرائيلية”.
هل يعني ذلك ان خيار الحرب الاسرائيلية على لبنان قد اصبح واقعا، وان الجهود التي بذلها او يبذلها البعض في الداخل والخارج من اجل معالجة الازمة اللبنانية قد جمدت؟ الدلائل الحسّية تشير حتى الان الى ذلك، نظرا لثلاثة معطيات:
الأول: انكشاف لبنان سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا، واستقالة الحكومة والسلطة السياسية في البلاد من مهماتها المحددة، وعجزها الدائم عن مواجهة الاخطار الداخلية والخارجية.
الثاني: إنشغال دول المنطقة بملفاتها وأزماتها الكثيرة، وهي بغنى عن الإهتمام أو الإلتفات إلى الأزمة اللبنانية، كما أنّ التسويات التي يُحكى عنها وأنّها تطبخ على نار هادئة بين الدول المتناحرة في المنطقة لا تشمل، حتى الآن، الأزمة اللبنانية.
الثالث: يدرك المسؤولون العسكريون والسّياسيون في كيان العدو، أنّ الفرصة مناسبة لهم لشنّ عدوان جديد، لأهداف كثيرة، منها تأخير أو عرقلة الإتفاق النووي بين إيران والغرب، والخروج من الأزمات والإنقسامات السّياسية الداخلية التي يعانيها كيان العدو، وتوجيه ضربات قاسية ـ حسب اعتقادهم ـ إلى خصوم هذا العدو، وعلى رأسهم حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وحلفائهم، بما يمنعهم مستقبلاً من تهديد كيان العدو في كل حين.
لكن هل سيحقق العدو الإسرائيلي مراده، وكيف سيكون الردّ عليه، وماذا عن لبنان الرسمي والسّياسي التائه والغارق في بحر أزماته، والتي لا يهم الطبقة السّياسية فيه إلا تحقيق مصالحها الضيقة، برغم أن مصير البلد بات على كفّ عفريت كما لم يكن في أي وقت مضى.