أبو سليمان: شكّلوا حكومة ولا يجوز استخدام الإحتياطي الإلزامي أموال صندوق النقد الحلّ الأمثل للبطاقة التمويلية

 

باولا عطية-نداء الوطن

مع ربط رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ترشيد الدعم بتطبيق “البطاقة التمويلية”، وطلبه من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة برسالة رسمية، الاستمرار بدعم السلع في الوقت الحالي وعدم وقف الدعم في آخر شهر أيار ريثما تنجز آلية عمل البطاقة، بعد أن أنذر المصرف المركزي بأنّ الوضع سيتغيّر بعد شهر رمضان، أسئلة عديدة تطرح حول كيفية تمويل هذه البطاقة وما انعكاساتها على الاقتصاد اللبناني ومدى فعالية هذه الخطوة على المدى الطويل وما الحلول البديلة؟

لا شكّ بأنّ ما يحصل اليوم هو “كباش” على التوظيفات الإلزامية للمصرف المركزي أو ما يعرف بـ “الاحتياطي الالزامي” لمصرف لبنان أي ما تبقى من ودائع اللبنانيين في المصارف، وهو استمرار لسياسة الدعم الخاطئة التي انتهجتها الحكومة منذ بداية العام 2020 (والتي كلّفت 9 مليارات دولار لغاية اليوم) بطريقة غير عادلة سمحت من خلالها للأغنياء والفقراء بالاستفادة من السلع المدعومة على حد سواء.

أتت البطاقة التمويلية متأخرة سنتين، بعد أن شارف الاحتياطي على النفاد وهُربت البضائع المدعومة وخُزن بعضها الآخر ليتم بيعه لاحقا على سعر صرف السوق الموازية أو ما يعرف بالسوق السوداء، من دون ذكر السلع غير الأساسية التي دعمت كمبيضات القهوة والنيسبرسو وشفرات الحلاقة والكريم باري والكاجو، فلو اعتمدت هذه البطاقة منذ بداية الازمة وارتكزت على السلع الأساسية كالحبوب والطحين والحليب والأدوية والمحروقات وحصرت بالعائلات الأكثر فقراً والعائلات المحتاجة فعلاً بناء على دراسات دقيقة تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع المؤسسة العسكرية، لكنا تجنبنا الكثير من الويلات واستطعنا الحفاظ على الاحتياطي والدعم لمدة أطول.

من أين سنموّل البطاقة؟

ما مضى قد مضى أمّا اليوم فالسؤال الأهم هو من أين نأتي بالمال لدعم البطاقة؟ وفق المعطيات الأولية قد تموّل هذه البطاقة من مال قطري أو من احتياطي المركزي، إلا أنّ الاحتمال الأول وبحسب الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان “بعيد المنال حيث لم يصدر حتى الآن أي اعلان قطري رسمي بهذا الخصوص”.

أمّا عن الاحتمال الثاني فيوضح أبو سليمان في حديث لـ”نداء الوطن” أنّ “الأموال القابلة للاستخدام لدى مصرف لبنان شارفت على الانتهاء وهي بضع مئات الملايين التي لا تكفي لبنان لأكثر من شهر، وتتراوح قيمتها بين الـ 200 والـ 300 مليون دولار كحد أقصى، حيث كشف المعنيون أن قيمة المبلغ المتبقي لآخر حزيران هي 400 مليون دولار، ما قد يستدعي استخدام أموال الاحتياطي الالزامي لمصرف لبنان وهي أموال المودعين والتي لا تتجاوز الـ 16 مليار دولار فيما كان يكلفنا دعم السلع 6 مليار دولار في السنة الواحدة وبالتالي في حال استخدام هذه الأموال فإنها لن تكفي لبنان لأكثر من سنتين (مع الأخذ بالاعتبار احتمال ارتفاع سعر صرف الدولار) ونكون بالتالي استنزفنا الاحتياطي حتى الرمق الأخير من دون إيجاد حلول بديلة، سائلاً ما العمل حينها؟”.

وعن عواقب استخدام أموال الاحتياط يجيب أبو سليمان “لا يحق لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة استخدام هذه الأموال فهي توظيفات المصارف الإلزامية لدى المصرف المركزي وتعود ملكيتها للمودعين وفي حال استخدمت هذه الاموال يقول الحاكم إنه من الممكن ان يتم رفع دعاوى قضائية على مصرف لبنان”، لافتا إلى انّ “نقيب المحامين ملحم خلف حذّر من استعمال الاحتياط الالزامي مهدداً برفع دعاوى قضائية”.

البطاقة غير قابلة للتطبيق

واعتبر أبو سليمان أنّ “البطاقة غير قابلة للتطبيق ولن يتم العمل بها فمن أين سيؤمنون المال؟”، لافتاً إلى أنّ الحلّ يبدأ “بتشكيل حكومة وبدء المفاوضات الرسمية مع صندوق النقد لندخل عملات صعبة الى لبنان وهذه الأخيرة مشروطة بالإصلاحات وهي إعادة هيكلة المصارف وكهرباء لبنان والقطاع العام ومصرف لبنان، ما سيؤدي الى تخفيف حجم الدين وتأمين انفاق استثماري في البنى التحتية والدعم، أما ما نعيشه اليوم فهو سياسة الهروب الى الامام حيث ان كل الطرق ستؤدي الى النتيجة نفسها: المزيد من الانهيار وغلاء المعيشة وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي”.

في المحصّلة، يبقى الحل الأمثل هو تمويل البطاقة من أموال صندوق النقد المشروطة بحلول سياسية أولى خطواتها تشكيل حكومة، وبانتظار الفرج يتوجب على المعنيين في الوقت الضائع وضع آلية واضحة لعمل البطاقة التمويلية مع الاخذ بالاعتبار أنّ المبلغ الذي سيخصص لكل عائلة ضمن هذ البطاقة سيترافق مع ارتفاع لسعر صرف الدولار، اذ لا بدّ من ضبط هذا الأخير للحصول على النتيجة المرجوّة والا ستتجه أسعار السلع نحو المزيد من الارتفاع وبالتالي المبلغ المخصص لكل عائلة سيفقد قيمته الشرائية.

من ناحية أخرى، وبحسب إدارة الإحصاء المركزي، فان عدد الأسر التي تحتاج إلى الدعم يقارب الـ 750 ألف عائلة، يعني أنّ نحو 70% من الأسر اللبنانية (عدد الأسر اللبنانية مليون ومئة ألف عائلة) باتت بحاجة إلى مساعدة وستتأثر بنسب متفاوتة بنتائج رفع الدعم، ما يتطلب تكافل الجهود بين جميع الوزارات لضمان وصول هذه البطاقة إلى مستحقيها بعد التأكد من صحّة معلومات الأشخاص الذين يتقدمون بطلب الحصول على البطاقة عبر منصة وزارة الشؤون الاجتماعية.

وتجدر الإشارة الى أن الاستمرار بسياسات الترقيع لن يحدث أي فرق في الوضع الاقتصادي الراهن حيث أن المطلوب وضع خطط ذات رؤية اقتصادية واضحة تفعّل من خلالها القطاعات الإنتاجية (الصناعة، الزراعة، التكنولوجيا…) فاقتصاد لبنان لن ينهض من جديد إلا بخطط عملية تعدّل العجز الحاصل في الميزان التجاري والموازنة العامة وتنقل الاقتصاد من ريعي مدولر الى منتج.

Exit mobile version