البناء
ليست المرة الأولى التي يجري فيها كيان الاحتلال مناورة لجيشه، لكنها من بين أضخم المناورات هذه المرة وأكثرها امتداداً في الزمن ومحاولة لمحاكاة حرب على كل الجبهات، والمقاومة التي ترصد كل تفصيل في حركة جيش الاحتلال هي المعني الأول بهذه المناورات.
اليقين بعجز كيان الاحتلال عن خوض حرب يزداد كل يوم، فقدرات الردع تتكفّل بجعل خيار الحرب انتحاراً كاملاً للكيان، وجاء صاروخ ديمونا ليظهر أكذوبة القبة الحديديّة وحجم انكشاف منشآت الكيان أمام صواريخ المقاومة عندما تقع الحرب.
جيش الاحتلال الذي يباهي متفاخراً ببيانات تتحدّث عن نصر مؤكد في أي حرب مقبلة، يدرك عجزه عن خوض حرب، لكنه يحاول ابتكار بدائل عن الحرب الشاملة يراهن على اختبارها ضمن حدّي، فرض معادلات جديدة، وعدم التورط في حرب.
جرّب الكيان نظرية معركة بين حربين، وكانت غاراته على سورية تحت هذا العنوان، وهو يعترف بمحدودية نتائجها في الحدّ من قدرات المقاومة التي بنت شبكة صواريخها الدقيقة في ظل هذا الوهم العسكري لقادة الكيان، بينما بدت هذه النظرية مقيّدة بحدين آخرين، الأول التنامي المضطرد لقدرات الدفاع الجوي السوري الذي رفع سقفه الى حدّ منع طيران الاحتلال من انتهاك الأجواء السورية، وبدأ مرحلة مطاردتها خارج هذه الأجواء خلال تنفيذ غاراتها، والثاني عجز جيش الاحتلال عن نقل هذه المخاطرة الى لبنان لإدراكه بأن ردّ المقاومة سيكون جاهزاً وقاسياً ومكلفاً.
رئيس الأركان الجديد لجيش الاحتلال يتحدّث عن ابتكار نظرية جديدة أسماها بالأيام القتالية، وهي تقوم على فرضية يرجّح تزامنها مع مناورات، يتم عبرها شن عمليات استهداف متعددة الأنواع براً وبحراً وجواً، تصل الى حافة حرب لكنها تتفاداها بالتوقف عند حد تحقيق مجموعة من الأهداف التكتيكيّة، ومراكمة المكاسب ضمن السعي لاسترداد ميزان الدرع.
شرح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تفاصيل هذه الخطة، مراراً وحذّر قيادة الكيان من المخاطرة، لأن الأيام القتاليّة تعني للمقاومة إعلان حرب، ووقف الحرب لن يكون عندما يقرّر جيش الاحتلال ذلك، ولو استحصل على قرار من مجلس الأمن الدولي بذلك، فهو إن بدأ الحرب مهما كان اسمها، عليه أن يعرف أن المقاومة هي من ستنهيها.
المناورات التي بدأت بالأمس تعني للمقاومة أول اختبار لنظرية الأيام التقالية، ومخاطر الانزلاق خلال المناورات لعمليات استهداف، ورغم ضآلة هذا الاحتمال في ظل معادلات الردع وقواعد الاشتباك القائمة، فإن جهوزية المقاومة التي باتت أمراً ثابتاً لجيش الاحتلال بالتفاصيل، هي الضمانة لعدم الانزلاق لحرب تبدأ بطيش رئيس أركان جيش الاحتلال وحماقته.
لبنان معنيّ بالوقوف وراء مقاومته منعاً لوقوع الحرب، وفي هذه الأيام الخطرة، التي تتزامن مع ما يجري في القدس من عدوان موصوف ومقاومة بطوليّة، مثلما يتعطّش الكيان للهروب إلى الأمام إن كانت المخاطر محسوبة وتحت السيطرة، يتشوّق المقاومون لاستغلال هذه الفرصة إذا لاحت بوادرها ليقولوا للقدس وعبرها لكل فلسطين، إنهما ليستا وحدهما.