المشهد السوريالي في لبنان مستمر بكل مضاعفاته على الأوضاع الراهنة، وجدار التعقيدات السياسية والاقتصادية التي يقبع خلفها المعنيون في الحكم اكثر من صلبة. القادة على عروشهم، تارة يسدون النصائح لبعضهم البعض، وتارة أخرى يوجهون الاتهامات، اما الشعب فيصارع للبقاء. فالخراب المعيشي والمالي على قدم وساق وبدأت ترتسم مؤشراته في الأشهر الماضية، مع اشتداد الإعصار المالي ورفع الدعم وغلاء الاسعار، من دون أي حلول جذرية أو انية تضع حدا للانهيار.
تحفل الطرقات اللبنانية ومداخل الكثير من القرى بيافطات وصور لشبان في ربيع العمر كانوا ضحية صراعات قادة الأحزاب في ما بينهم، ومعظم تلك الصور كتب عليها لن تذهب دماؤكم هدرا، لكن الواقع أن دماء هؤلاء الشبان هدرت من قبل سياسيين تصارعوا على مقعد من هنا وكرسي من هناك، ونفذوا اجندات خارجية، نبشوا الماضي، حرضوا طائفيا ومذهبيا، فدفعوا مناصريهم إلى الشوارع للاقتتال لتنتهي حياة شبان، ذنبهم الكبير أنهم قدموا الولاء للزعيم على حساب البلد.
المشهد اليوم أشد فتكا، البلد على صفيح ساكن، كما يقول أحد السياسيين المعارضين لأداء المنظومة الحاكمة، فتيل الاشتباكات والسرقات والقتل والعنف، ينتظر من يشعله، الفقر لم يعد أرقاما أو دراسات، وآثاره تحيط باللبنانيين من كل حدب وصوب، فمن يتابع مشاهد العراك والشجار بين اللبنانيين على مواد مدعومة (علبة حليب، زيت، سكر.. ) داخل المحال التجارية يعي جيدا أن الآتي أعظم، خاصة وأن الشوارع تتأجج بين الحين والأخرى وعند كل فرصة سانحة.ثمة من يرغب من المنظومة الحاكمة تكريس هذا المشهد من العيش على الشعب، ودفعه نحو التركيز على الحصول على سلة غذائية من هنا أو كرتونة إعاشة من هناك، وكأن هؤلاء يريدون ان يضيعوا البوصلة على اللبنانيين بتوجيههم نحو شحد الاعاشة والتفكير فقط بلقمة العيش وسندات الإيجار ، وكل ذلك يهدف الى تخفيف منسوب النقمة عليهم ، ومعالجة الازمة بالمسكنات، لكن ما يجري يثير قلق بعض الاحزاب وبعض شخصيات المجتمع المدني خوفا من محاولة بعض القوى النافذة استغلال الواقع الراهن لخلق واقع جديد لا يشبه لبنان.عندما زار وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان منطقة مار مخايل مساء الخميس، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات ساخرة عما سيحمله لودريان الى بلاده عن المشهد الذي رأه في مار مخايل التي كانت مقاهيها ومطاعمها مكتظة، فهل سيقول لهم ان الشعب اللبناني منهوب ومسروق ام ان الوضع طبيعي حيث هناك من يستطيع شراء الملابس وتناول الطعام في افخر المطاعم، وهناك من لا يستطيع شراء الحليب لأولاده.هذه التعليقات تنذر بالأخطر، لأن مطلقيها يدركون جيدا أن هؤلاء الساهرين ليسوا هم من سرق البلد وفجّر مرفأ بيروت، وبعض هؤلاء لا يستطيع، اسوة بالكثير من اللبنانيين، سحب امواله العالقة في المصارف، ولذلك فإن المشكلة الأساس تكمن في ان ما يجري اليوم ليس الا تعبيرا عن حقيقة ما يحاك لهذا البلد، خاصة وان هناك من يخطط لتغيير نمط حياة اللبنانيين وصورة لبنان الحضارية والسياحية والثقافية والموسيقية التي كانت الدافع الاول ليكون لبنان قبلة الشرق والغرب، والصراع اليوم بين من يطالب بحقه بالحرية الشخصية والحياة التي يطمح اليها على كل المستويات والحلم والمغامرة، وبين ثقافة الرضوخ للامر الواقع و العبودية المختارة.
BEIRUT NEWS