عيسى بو عيسى – الديار
بعد تسعة أشهر من الكورونا السياسية التي قطعت الأنفاس عن المبادرة الفرنسية ما أدى الى وفاتها ودفنها، أدركت أخيرا أنها خيرا تعمل شرا تلقى، خصوصا بعد «الكراهية» التي تعاطى بها الاطراف اللبنانيون فيما بينهم حيث الرئيس عون يرفض توقيع مرسوم الحكومة التي قدمها الرئيس المكلف لعدم حصول تياره السياسي على الثلث المعطل، وأيضا ما مارسه الحريري برفضه لقاء جبران باسيل في الأليزيه برعاية ماكرون الذي أيقن أن زعيم المستقبل يتعاطى في الأزمة الحكومية من منطلق شخصي، وهو أمر لا تقبله فرنسا أمام «شرفية» مهمتها في إنقاذ شعب لبنان الذي يعني للمجتمع الفرنسي الشيء الكثير، وكان يسعى ماكرون الى مصالحة شعبه بتقديم هدية الانقاذ اللبناني إليه، لكنه أخفق في تحقيق ما يصبو إليه.
وتلفت أوساط وزارية حالية الى أن هذا الواقع يشير الى أن لبنان ساهم في إهتزاز صورة فرنسا ليس في الداخل الفرنسي فحسب إنما أمام المراهنين الدوليين على عدم إمكانية دخول فرنسا الى الساحة اللبنانية دون مشورة دولية وإقليمية حتى أصابها الارباك الكبير، وقد ترجم ذلك بزيارة وزير خارجيتها جان إيف لودريان التي لم يفهم كثيرون مضامينها وأهدافها، خصوصا أنه لم يبحث مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري في الشأن الحكومي، بل ردد على مسامعهما بأن فرنسا تنتظر الالتزام بالتعهدات التي قطعها المسؤولون اللبنانيون للرئيس ماكرون، فيما شمل لودريان الحريري مع جوقة المعطلين الأمر الذي أزعج الرئيس المكلف الذي حضر الى قصر الصنوبر على غير إقتناع، لكنه لبى الدعوة عله يُصلح ما كان أفسده برفضه لقاء باسيل، لكن يبدو أن الغضب الفرنسي عليه كان أكبر.
وتضيف الاوساط نفسها أن مغادرة لودريان لبنان خلق فيه صمت سياسي رهيب خيّم على معظم الاحزاب والتيارات والرسميين مع ضياع شامل ليس مما يتم تحضيره من العقوبات الفرنسية أو الاوروبية فحسب، إنما من مسار البلد القادم على إنفجار إجتماعي لتلحق به تداعيات أمنية بشكل حتمي، خصوصا بعد أن دعم لودريان الحراك المدني وهذا ما سيشجعه بالنزول الى الساحات وسط غطاء أوروبي ودولي، مما سيخلق تأليب القوى التغييرية والمعارضة على السلطة محاولا شد أزرها وتوحيدها، ما أوحى بأن فرنسا بدّلت خطتها من إعادة إحياء القوى السياسية بعد ثورة 17 تشرين بتشكيل حكومة برعايتها، الى دعم القوى التغييرية في الانقلاب على السلطة والاطاحة بها دستوريا وديمقراطيا من خلال الانتخابات النيابية المقبلة والتي ما تزال في علم الغيب.
وفي إشارة لافتة الى خلو زيارة وزير الخارجية الفرنسي من أية نتائج يمكن ذكرها غادر لودريان لبنان من دون أن يعقد مؤتمرا صحافي موسعا يتحدث فيه عن نتائج مباحثاته، ما يعني أنه لم يعد لديه ما يقوله سوى توجيه الإهانات للطبقة السياسية!! ليبقى لبنان برمته على رصيف إنتظار أي تسوية إقليمية تشمله، بعدما أثبتت كل الوقائع أن السلطة القائمة غير جديرة بحكم أو بقيادة بلد، ومع أن العقوبات لن تؤثر في مسار الذين سيعاقبون يبدو أن الادارة الفرنسية لن تعود الى لبنان بعد اليوم سوى في اليوم الذي يأتي اليها المسؤولون خاضعون لإرادة شعبهم ولمبادرتها، لكن هذه الاوساط وفي نظرة تشاؤمية تعتقد أن فرنسا يمكن أن تعود الى لبنان في حالة وحيدة لكن وسط ركام كبير وحرائق متنوعة وشبه إستسلام الطبقة الحاكمة، وغير ذلك لا شيء في الافق ما يشير الى إمكانية تدخل دول أخرى في الازمة اللبنانية، حيث يتذكر اللبنانيون قول وزير خارجية أميركا في العام 1985 جورج شولتز من المطار: هذا البلد مسكون بالطاعون…. وبعدها دارت حروب ضروس بين مختلف المكونات في لبنان حتى داخل المذاهب الواحدة!!