دوللي بشعلاني-االديار
بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الى لبنان والرسائل التي وجّهها خلالها، وكلامه عن أنّ الإنتخابات النيابية المقبلة يجب أن تتمّ في موعدها، رغم أنّ الوقت لا يزال مبكراً لهذه الإنتخابات، إذ من المفترض أن تحصل في أيّار من العام المقبل، ظهرت المشكلة الفعلية في البلد بين الأطراف الداخلية المتنازعة، وهي «من سيحكم أو سيُدير البلد في الفترة المقبلة»؟!
مصادر وزارية مطّلعة أكّدت أنّ فرنسا على لسان وزير خارجيتها لودريان أعلنت فشل أو موت المبادرة الفرنسية بشكل نهائي كونها بدت غير قادرة على الضغط على المسؤولين بما فيه الكفاية لدفعهم الى تشكيل الحكومة سريعاً. غير أنّ فشل هذه الأخيرة أظهر بالتالي الفشل الذريع للمسؤولين اللبنانيين كونهم لم يتمكّنوا من التوافق على تشكيل حكومة بعد نحو سبعة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري (في 22/10/2020). أمّا العقوبات أو القيود التي لوّحت فرنسا بتطبيقها فهي لا تعني جميع السياسيين في لبنان، بل عدداً محدّداً منهم. كما أنّ ليس جميعهم يملكون الجنسية الفرنسية أو منازل ومشاريع إستثمارية في فرنسا لكي يتأثّروا بعقوبات مماثلة. علماً بأنّ فرنسا هدّدت بمواصلة الإتصالات مع شركائها الأوروبيين والدوليين لفرض عقوبات مشدّدة أكثر على الفاسدين والمعطّلين للحياة السياسية في البلد ولا سيما تشكيل الحكومة، قد تطال تجميد أرصدتهم المالية في دول الخارج. رغم ذلك لا يبدو أنّ المسؤولين المعنيين في لبنان، وعددهم على لائحة العقوبات أو الإجراءات الفرنسية نحو 40 شخصية، مهتمون بهذه القيود كونهم قد جهّزوا أنفسهم لكيلا يتأثّروا بها بشكل مباشر سيما وأنّ التلويح بها قد بدأ منذ فترة. كما أنّه سبق لبعضهم أن طالته العقوبات الأميركية ولم يهزّ ساكناً أو يغيّر أي شيء في أدائه السياسي الداخلي، رغم أنّها تؤثّر سلباً في مساره السياسي المستقبلي..
وتقول ان حديث لودريان «المُبكر» عن الإنتخابات النيابية وضرورة أن تكون في موعدها أي بعد عام من الآن، يؤكّد على نفض فرنسا يدها من تشكيل الحكومة، وقد يعني بالتالي أنّه في حال لم يتوافق المعنيون في الداخل على تأليف الحكومة خلال السنة المقبلة، فإنّه على الحكومة المستقيلة إجراء هذه الإنتخابات بالتي هي أحسن. فبحسب الفرنسيين إنّ الإنتخابات النيابية هي الإستحقاق الفعلي القادر على إحداث تغيير في الداخل اللبناني خصوصاً بعد انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 التي أكّد فيها الحَراك الشعبي رفضه للطبقة السياسية القائمة وفق شعار «كلّن يعني كلّن». ولهذا فإنّ الإنتخابات النيابية، بحسب فرنسا، ستكون فرصة وامتحاناً في الوقت نفسه، فرصة للتغيير، وامتحاناً للشعب اللبناني أو بالأحرى للحراك المدني الذي نادى بالتغيير، وصناديق الإقتراع ستكون التجربة الأولى أمامه لإحداث هذا التغيير الذي طالب به، وسعت الدول الخارجية لمساعدته في إحداثه غير أنّها فشلت وتتكل اليوم على استمرار تحرّكه وتثبيت موقفه هذا في ألا تصبّ أصواته الإنتخابية لصالح الطبقة السياسية نفسها.
وذكرت بأنّه في ظلّ الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان والتي تنعكس بشكل كبير وسيىء على الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية، وفي ظلّ انهيار الوضع الداخلي على مختلف الأصعدة، وعدم اكتراث المسؤولين للإنقاذ أو التفتيش عن حلول إنقاذية أوّلها التوافق على تشكيل الحكومة، يقوم البعض بالترويج لعودة الوصاية الخارجية الى لبنان… ويُحكى عن عودة الوصاية السورية برعاية سعودية، أو وصاية روسية ما سيما أنّ لروسيا قواعد عسكرية في المنطقة، وغير ذلك. ولكن أي من هذه الوصايات رغم كلّ مشاكل البلد، والإهتراء الذي يُعاني منه، على ما أكّدت، لن تكون الحلّ الفعلي له. فلبنان يتمتّع بخصوصية معيّنة في منطقة الشرق الأوسط ولا يفهم هذه الخصوصية سوى اللبنانيين أنفسهم.
من هنا، فإنّ الخيار الأسلم والأسهل والأفضل للبلد اليوم، على ما شدّدت المصادر نفسها، هو انكباب الطرفين المعنيين بتشكيل الحكومة أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري على إنجاز تفاهم داخلي واضح وصريح حول الحقائب والأسماء وصيغة الحكومة المقبلة بهدف إنقاذ البلد. وبعد تأليف الحكومة يُمكن عندها التوافق على الخطط الإنقاذية والإصلاحات الفعلية المطلوبة لكي يتمكّن لبنان من الإستفادة من مساعدة صندوق النقد الدولي ومن أموال «سيدر»، كما من الدعم الدولي له.
وتقول المصادر ذاتها صحيح أنّ فرنسا نفضت يدها من مسألة تشكيل الحكومة بعد أن تدخّلت خلال الأشهر الماضية في التفاصيل الدقيقة لتأليفها، وسعت الى حلحلة العقد الداخلية من دون التوصّل الى نتيجة إيجابية، غير أنّ هذا لا يعني بنّها تخلّت عن لبنان. ففرنسا حاضرة من خلال الجمعيات والمساعدات التي تقدّمها للشعب اللبناني لتخطّي الأزمة الإقتصادية التي يُعاني منها، كما هي جاهزة للوقوف الى جانب لبنان واستجلاب الدعم الدولي له بعد أن يُشكّل المسؤولون فيه الحكومة، على ما فُهم من كلام لودريان، كون المجتمع الدولي يريد «شريكاً رسمياً» يتعاطى معه في مختلف الأمور. وشدّدت على أنّ فرنسا ستبقى صديقة دائمة للبنان، حتى ولو فرضت «عقوبات» على بعض السياسيين فيه وستُترجم ذلك لاحقاً من خلال منعهم دخول الأراضي الفرنسية، كما تُواصل إتصالاتها مع الإتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات عقابية متشدّدة أكثر مع أشخاص متورّطين بالفساد وبتعطيل تشكيل الحكومة، إذ يهمّها الشعب اللبناني بالدرجة الأولى، فضلاً عن المحافظة على الهدوء والإستقرار في لبنان الذي ينعكس بالتالي على سائر دول المنطقة.
وإذا ما قام لودريان بالكشف عن هذه الأسماء خلال لقاءاته، أوضحت أنّ الغموض يحيط بالأسماء المدرجة على لائحة العقوبات الفرنسية، وهذا الأمر متعمّد من قبل فرنسا لإبقاء نوع من الضبابية حوله، ولعلّه أسلوب فرنسي أخير للضغط على المسؤولين اللبنانيين لتحمّل مسؤولياتهم وتأليف الحكومة. ففرنسا تعلم بأنّ تشكيل الحكومة هو شأن داخلي دستوري يتعلّق بصلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة، ولهذا كرّرت مرّات عدّة أنّها مستعدة لمساعدة اللبنانيين ولكن عليهم مساعدة أنفسهم أولاً.
أمّا الشعب اللبناني الذي يُطالب بالكشف عن المسؤولين الذين سرقوا الأموال العامّة ويسأل أين ذهبت الأموال المنهوبة، فبإمكان فرنسا، على ما يقول العارفون، من خلال مواصلة عملها الجدّي في الكشف عن الفاسدين، حثّ الأوروبيين أيضاً على مساعدتها لمعرفة هؤلاء. فثمة مسؤولون لبنانيون لديهم مشاريع إستثمارية ضخمة بمليارات الدولارات في الدول الأوروبية، وعلى هذه الأخيرة إسداء خدمة للشعب اللبناني من خلال الكشف عن أسمائهم، وعن أسماء الذين هرّبوا أموالهم الى المصارف الخارجية والأوروبية عندما علموا بتدهور قيمة الليرة اللبنانية مقابل الارتفاع الجنوني للدولار والعملات الصعبة.