نبيه البرجي-االديار
أهل الرأي (والرؤية) في لبنان يتساءلون : المبادرة الفرنسية أم الكوميديا الفرنسية؟
على طريقة اللوياجيرغا الأفغانية، ربما مستعيداً هالة الجنرال غورو وهو يعلن من قصر الصنوبر، وفي حضور كبار القوم، قيام «دولة لبنان الكبير»، جمع الرئيس ايمانويل ماكرون ممثلي القبائل (الطوائف)، فضلاً عن ممثلي المافيات، ودعاهم الى تشكيل حكومة اختصاصيين (حكومة مهمة)، كما لو أنها الأزمة الطارئة لا الأزمة البنيوية.
ممن دفعوا بالبلاد الى الخراب طلب اجراء اصلاحات تقتضي تغيير الطبقة السياسية، وحتى تغيير النظام.
حكومة اختصاصيين برئاسة رئيس فريق سياسي فقد مرجعيته الاقليمية، وهذا ما يعلمه الرئيس الفرنسي الذي بذل أكثر من مسعى، دون طائل، لفتح أبواب قصر اليمامة وحتى أبواب مطار الملك خالد أمام الرئيس سعد الحريري.
حكومة هجينة. من الخطوة الأولى بدت العودة الى أدبيات البازار، كما لو أن برنار ايميه، رئيس الاستخبارات الخارجية والسفير السابق في بيروت، وهو من صاغ سيناريو المبادرة، لا يدري أي تعقيدات داخلية، واقليمية (وأميركية) تحكم الأزمة.
لعل السؤال الأهم : أي تأثير لفرنسا في المنطقة ليكون لها تأثير في لبنان؟ منذ انتهاء عهد شارل ديغول، وبعده عهد فرنسوا ميتران، لم تعد فرنسا أكثر من ظل لأميركا. لاحظنا ذلك في سوريا، وفي الخليج، وفي ليبيا. كان لا بد للقائلين بـ «الأم الحنون» أن ينقلوا البارودة من الكتف الفرنسي الى الكتف الأميركي، وان كان من يسند رأسه الى الكتف الأميركي كمن يسند رأسه الى الريح…
حين تحدث ريجيس دوبريه عن المرشح لرئاسة الجمهورية ايمانويل ما كرون، قال «قد يكون علينا أن نبحث طويلاً في شخصيته لنعرف ما اذا كان قد تمكن من تأمين التوازن في تفكيره بين منهجية رينيه ديكارت وجموح البارون دو روتشيلد».
كلبنانيين، ضعنا أيضاً في شخصية الرئيس الفرنسي. حين أطلق مبادرته (المبادرة العرجاء) ألم يكن يعلم ما أعده مهندسو «صفقة القرن» للبنان؟ أوساطه أوحت لنا بأنه حمل معه الضوء الأخضر الأميركي لتسوية الأزمة، لنفاجأ بعد أقل من أسبوع كيف أن مايك بومبيو، بتصريح شهير حول فريق لبناني، أسقط المبادرة بالضربة القاضية.
آنذاك، كان هناك معلقون في باريس ينصحون ماكرون بأن لا «يتلاشى» أمام ضحكات دونالد ترامب لأنها «ضحكات القردة»، وعلى غرار «نغريدات القردة».
متأخراً جداً، وباهتاً جداً، أتانا جان ـ لوي ادريان. هدد بالعقوبات وبالعواقب. يا رجل، أين كنت من شهرين أو ثلاثة. الآن فات الأوان. مفاوضات فيينا هي التي تحدد مسار المعادلات، والعلاقات، في المنطقة.
لا شك أنه، بالتركيبة الكلاسيكية، بعيد عن الشخصية البهلوانية لوزير الخارجية السابق لوران فابيوس، وقد تحوّل من اليهودية الى الكاثوليكية، حالماً بالوصول الى الاليزيه.
فابيوس بدا، في مفاوضات 2015، كما لو أنه ممثل اسرائيل لا ممثل فرنسا، حتى اذا ما ابرم الاتفاق النووي، وبمنتهى الانتهازية، ان لم نقل بمنتهى الزبائنية، كان أول شخصية غربية تزور طهران بحثاً عن الصفقات.
الآن، أيضاً وأيضاً، الاتصالات السعودية ـ الايرانية، والاتصالات السعودية ـ السورية. أين فرنسا في كل ذلك؟ ما يجري الآن في الشرق الأوسط، وحول الشرق الأوسط، لن يدع في اليد الفرنسية أي ورقة للتأثير في الحالة اللبنانية، ولا في أي حالة أخرى. زيارة رفع العتب لا أكثر ولا أقل. في قصر بعبدا يعلمون ذلك، وتصرفوا، بروتوكولياً، مع الزائر الفرنسي.
ثمة جانب آخر للكوميديا. بين قوى التغيير التي دعيت للقاء لودريان حزب الكتلة الوطنية، وحزب الكتائب، وحركة الاستقلال. تغيير ماذا؟
الرئيس الحريري أثار ذهول أكثر من جهة حين ذهب، وهو زعيم طائفة، ورئيس مكلف، الى قصر الصنوبر بحثاً عن خشبة تحميه من الرياح الآتية (والعاتية). لا خشبة هناك…