قاسم قصير -أساس ميديا
لم يعد خبر بدء المفاوضات السعودية – الإيرانية سرّيّاً، على الرغم من عدم الإعلان الرسميّ عنه في عاصمتيْ البلدين، لكنّه أصبح في حكم المؤكّد، خصوصاً بعد تأكيد “مسؤول بارز في وزارة الخارجية السعودية” لـ”رويترز” خبر اللقاء الإيراني السعودي، وأنّ هدفه “خفض التوتر في المنطقة”. ثم كشف “مصدر مقرب من مركز الحكم” في السعودية لـ”فرانس برس” إنّ “توقعات السعودية من حوارها مع إيران محدودة”، واستبعد “حدوث اختراق سريع بين الدولتين بعد سنوات من التنافس الحاد بينهما”.
اليوم بات أكيداً أنّ جولتين عقدتا في العراق، والجميع ينتظر الجولة الثالثة أو الرابعة من هذه المفاوضات في بغداد، وكان آخر من أعلن ذلك الرئيس العراقي برهم صالح خلال لقاء صحافي أخيراً.
وقد أرسلت مواقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأخيرة، المرتبطة بإيران واليمن، إشاراتٍ إيجابيةً. ورحّب المسؤولون الإيرانيون بالمواقف السعودية، وأكّدوا الاستعداد لتطوير العلاقات معها، والتعاون في حلّ مشاكل المنطقة. وجاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى عدد من الدول العربية، ولقاؤه وفداً من حركة أنصار الله اليمنية، لتؤكّد الاستعداد الإيراني لتأدية دور إيجابي في معالجة الأزمة اليمنية.
وحسب العديد من المصادر المطّلعة على أجواء المفاوضات، فإنّ الملفّ اليمني هو الأولوية في هذه المفاوضات، وفي ضوء النتائج العملية يمكن الحديث في كل الملفات الأخرى. وأمّا الملف اللبناني فلم يتطرّق إليه الطرفان بشكل مفصّل، وإن كان البلدان يريدان الوصول إلى حلول عملية.
لكنّ التطوّر المهمّ، الذي رافق هذه المفاوضات، كان خبر زيارة وفد أمني سعودي إلى سوريا، واللقاء مع الرئيس بشار الأسد والمسؤولين السوريين، وبحث العلاقات المشتركة بين البلدين.
لكن ماذا عن حزب الله، وكيف يتعاطى مع هذه التطوّرات الإقليمية في المنطقة؟
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تطرّق إلى ذلك بشكل غير مباشر، في كلمته الأخيرة في اللقاء التضامني مع قضية القدس وفلسطين، وممّا قاله: “من جملة العوامل الإيجابية في المنطقة: سقوط مرحلة ترامب وأعمدة ترامب في المنطقة وفي الإقليم، ومعها صفقة القرن، وتداعي المحاور الأخرى وارتباكها، في الوقت الذي نشهد ثبات محور المقاومة وصلابته، على الرغم من كل المخاطر والصعوبات والحروب العسكرية والأمنية والاقتصادية والتجويع والحصار والتزوير والتحريض والكذب والحروب النفسية ومئات وسائل الإعلام، والفضائيات والجيوش الإلكترونية. مع ذلك كلّه يخرج هذا المحور قويّاً. وفي المقابل، تتداعى المحاور الأخرى، التي كانت تقود تلك الحروب على دول المقاومة، وعلى شعوب المقاومة، وعلى قوى المقاومة في منطقتنا”.
وأضاف نصر الله: “هذه مجموعة من العوامل، إضافة إلى الأوضاع الإقليمية المستجدّة، والأوضاع الدولية المستجدّة، لكن بعض الانفراجات تحصل عملياً في الإقليم، وبعض الرايات البيضاء بدأت ترتفع هنا وهناك، لتعترف، ولو بشكل من الأشكال، بهزيمتها أو بفشلها أو بانسداد الأفق أمامها. كل هذه الأمور تجعلنا نشعر بأنّنا إلى القدس أقرب من أيّ وقت مضى”.
ثم قال في كلمته التالية، أمس الأوّل: “نحن واثقون من أن ما يجري في المنطقة هو لمصلحتنا ولمصلحة هذا المحور بكل دوله وقواه وشعوبه وحركاته المقاومة”.
هذه المواقف العلنية تتلاقى مع حالة الارتياح، التي تسود أجواء حزب الله، إلى ما يجري في المنطقة وعلى صعيد المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى التي قطعت شوطاً مهمّاً بانتظار الوصول الى نتائج نهائية.
ويبدو أنّ الحزب يراهن على كل هذه الأجواء الإيجابية، ويضعها في إطار تخفيف الضغوط عن إيران وحلفائها في المنطقة، الأمر الذي سيساعده في التعاطي بإيجابية مع مختلف الملفات، وتخفيف أجواء الاحتقان المذهبية التي سادت المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وسينعكس إيجاباً على الوضع السياسي والشعبي في لبنان.
أمّا الجانب العملي في كل هذا المشهد فيتعلّق بالوضع المالي. فتخفيف الضغوط الدولية والإقليمية عن إيران وإنهاء العقوبات سيجعلانها أكثر راحة على الصعيد المالي، ومن خلال ذلك ستكون قادرة على دعم حلفائها في المنطقة. ويبدو أنّ حزب الله، الذي بدأ تنفيذ الخطة “ب” على صعيد دعم عناصره وحلفائه، سواء عبر بطاقة السجَّاد أو تعاونيّات النور أو توفير كل الحاجات الضرورية في المرحلة المقبلة، سينتعش دوره وموقعه السياسي والشعبي في المرحلة المقبلة. وهو ينتظر نتائج المفاوضات السعودية – الإيرانية، والتقارب العربي – السوري، والمفاوضات الإيرانية – الدولية حول الملف النووي، وفي ضوء ذلك سيحدّد خياراته المستقبلية في لبنان والمنطقة.
لكن يمكن القول بكل تأكيد إنّ الحزب مرتاح ومطمئن إلى كلّ ما يجري، وهو يشعر أنّ مرحلة الحصار والضيق والضغوطات القاسية قد انتهت إلى غير رجعة.