لم يلق عدوان الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى في شهر رمضان وعلى سكان حي الشيخ زخما في الخطاب الإعلامي والسياسي المصري، وسط تساؤلات عن سبب ما يمكن أن يسمى “بتبريد القضية الفلسطينية” ولصالح من؟.
وخلا الخطاب الإعلامي المصري من أية دعوات للتضامن مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية على مستوى الشارع، فيما جاء الرد الرسمي متأخرا، فجر يوم السبت، واكتفت وزارة الخارجية المصرية بالإعراب عن بالغ إدانتها واستنكارها لقيام السلطات الإسرائيلية باقتحام المسجد الأقصى المبارك والاعتداء على المقدسيين والمُصلين الفلسطينيين.
وأدان المتحدث الرسمي، السفير أحمد حافظ ، المساعي الحالية لتهجير عائلات فلسطينية من منازلهم في حي “الشيخ جراح” بالقدس، والتي تمثل انتهاكاً لمقررات الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني واستمرارًا لسياسة التهجير القسري للفلسطينيين.
وتعرض المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة والمصلين لعدوان غير مسبوق خلال صلاة التراويح في يوم الجمعة الأخيرة من رمضان، بالتزامن مع قيام سلطات الاحتلال بتنفيذ مخطط يرمي إلى تهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس وتسليم منازلهم للمستوطنين.
ويتهدد خطر التهجير 500 فلسطيني يقطنون في 28 منزلا بحي “الشيخ جراح” بالقدس المحتلة، مع تكثيف مجموعات استيطانية عملها المستمر منذ سنوات لانتزاع المنطقة، بالتواطؤ مع محاكم الاحتلال.
ويقع حي “الشيخ جراح” شمال البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة، ويقطنه أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني، واستقبل 28 عائلة فلسطينية من المهجرين من قراهم خلال النكبة عام 1948.
تبريد القضية الفلسطينية
وصف عضو المنتدى العالمى لمقاطعة الاحتلال، سابقا، أسامة سليمان، “الرد المصري الذي جاء متأخرا وعلى مستوى الخارجية، لا يحمل أي جديد؛ ولم يخرج عن “الإدانة” و”الاستنكار”، وهو لا يعبر عن الحالة المصرية فحسب بل عن الحالة العربية بأسرها التي تتسم بالعجز والشلل وبعيدة عن شعوبها، ما يؤكد أنها أنظمة مغلوبة على أمرها ولا تملك قرارها”.
وانتقد البرلماني المصري السابق، في تصريح لـ”عربي21″ “ما أسماه بسياسة التبريد التي ينتهجها النظام المصري خاصة والعربي عموما تجاه القضية الفلسطينية؛ لأن الأنظمة الحاكمة تعلم أن رفع درجة حرارة الخطاب الإعلامي والسياسي مقدار درجة واحدة سيؤدي إلى هبة شعبية من الخليج للمحيط ضد الاحتلال الإسرائيلي، لن تستطيع تحمل عواقبها؛ لذلك فإن تغاضي الإعلام المصري عن ما يجري ليس فتورا إنما متعمدا ومقصودا”.
وأضاف: “وبالتالي الإعلام المصري هو أداة للقرار السياسي وليس مستقل، وليس سلطة رابعة، ولا يمارس دوره في التعبير عن إرادة الشعوب، للأسف الأنظمة العربية ليس لها أي حظ حتى لو بالشعارات في الدفاع عن المقدسات الإسلامية، وما يجري في القدس يؤكد أنه لا سلام مع الاحتلال، وحالة الرفض الشعبي تزداد ولا تنقص سواء بتغير الأجيال أو بمرور الزمن، وخسر من رهن على نسيانها”.
واعتبر سليمان أن السياسة المصرية الحالية تجاه القضية الفلسطينية، “هي النتيجة الطبيعية لاتفاقيات السلام مع الاحتلال ( كامب ديفيد)؛ مصر خرجت عن دورها المحوري تجاه قضية كبرى لا يختلف عليها أحد، ولا يلومها أحد في الدفاع عنها بكل ما أوتيت من وسائل وأدوات، لكن الجسد العربي عموما في حالة موت سريري وواضح أن شعارات القومية والمقدسات الإسلامية لم يعد لها وجود”.
وأد التضامن
يرى الخبير الإعلامي أحمد الشناف، أن “غياب أو فتور الخطاب الإعلامي المتضامن مع القضية الفلسطينية يدل على أن وسائل الإعلام أسيرة لرؤية عسكرية (رؤية الحاكم)، حيث يغيب مناخ الحرية والتعبير عن الرأي حتى في القضايا الرئيسية”.
ولفت في حديثه لـ”عربي21″: إلى “واقعة اعتقال قوات الأمن الشاب المصري الذي رفع علم فلسطين في أحد مدرجات كرة القدم بالقاهرة للتعبير عن تضامنه وتعاطفة، وتم انزال العلم وسط الجماهير، في تصرف غير مسبوق يؤكد بقوة على رغبة النظام في قتل أي تضامن مع قضية الأمة”.
وأكد أن “هناك ما يبرر رغبة النظام في وأد أي تضامن شعبي مع القضية الفلسطينية إعلاميا وسياسيا، فطبيعة الدولة القمعية في مصر ليس من مصلحتها أن يتعاطف الجمهور مع القضية وأن يخرج إلى الشارع لأنه سيفتح بابا واسعا من الاحتجاجات قد تصب جام غضبها على النظام الذي يعنيه في المقام الأول أن يظل الشارع في سبات وسكون كامل حتى لا تتزعزع الحالة العامة للاستقرار المفروض بيد من حديد”.
الشعوب لا الحكومات
من جهته؛ قال عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان المصري سابقا، الدكتور محمد جابر، إن “الشعوب هي الضمانة الحقيقية للحفاظ على بيت المقدس، وربما ظن المحتلون أن الأجواء مناسبة لهم في ظل موجات التطبيع العاتية التي تجتاح عددا من الحكومات العربية”.
وتابع لـ”عربي21″: “ربما دفع ذلك قوات الاحتلال الإسرائيلي للإقدام على هذه الخطوة الخطيره وهذا التصعيد الخطير غير المسبوق بحق الأقصى والقدس، لكن يقظة الشعوب وإصرارها على الدفاع عن مقدساتها سيكون هو الرادع لغطرسة اليهود”.
وذهب إلى القول بأن “هذه الهجمه الشرسة على الأقصى والقدس ستهدم إجراءات التطبيع التي حاولت إسرائيل بنائها على فترات طويله، وحتي إذا لم تتفاعل إدارات التطبيع العربية بالرفض أو الإدانة فإن إرادة الشعوب غالبة وقاهره للحكام”.