هل انتهى زمن التخادم بين “الوهابية”و”ال سعود ” و”الغرب”؟

محمود الهاشمي

 

خلال حوار مطول بثه التلفزيون السعودي الشهر الماضي ،مع ولي العهد السعودي ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الاقتصاد لشؤون التنمية محمد بن سلمان ،يكون ولي العهد قد تجاوز الخطوط الحمراء التي كانت والى حد قريب غير قابلة للاجتياز بعد ان مهد لها في  سلسلة اجراءات في مقدمتها اعتقال رجال دين وناشطين وتجار كبار .

مايهمنا من هذا الحوار ما اورده بشأن الفكر الوهابي الذي هيمن على المملكة على مدى ثلاثة قرون والذي قال فيه (ان الشيخ محمد بن عبد الوهاب لو خرج من قبره ووجدنا نلتزم بنصوصه ونغلق عقولنا للاجتهاد ونؤلهه او نضخمه لعارض هذا الشيء)!

ظهر الفكر الوهابي بارض نجد في منتصف القرن السادس الهجري يوم كانت الامة تعيش في سبات وقهر واستلاب ،وخاصة الدول العربية حيث تعاقب عليها الاستعمار فعاشت الفقر والذل والهوان ،لذا فان ظهور الفكر الوهابي جاء ليلامس بعضا من روح “الاحباط” الذي عاشته الامة في “جلد الذات ،”عبر سلسة من الافتاءات التي تدعو الى تكفير الاخر والى الهدم والسلب والحروب الداخلية والخارجية .

لم يكن محمد بن عبد الوهاب اول من دعا الى هذه الافتاءات وخاصة في هدم القبور والمشاهد الاسلامية والاثار انما سبقه ابن تيمية وتلميذه اين القيم .

لم يستطع ابن عبد الوهاب ان يرسخ افكاره  بالعراق في محافظة البصرة ،فانتقل الى الشام وكاد ان يقتل بسببها فعاد الى موطن سكناه في نجد منطقة “العيينة “بوادي حنيفة (المعقل التاريخي لمسيلمة الكذاب) ،وكان والده قاضيا وعارفا بشؤون الدين فاستنكر عليه افكاره ثم استنكرها عليه اخوه سليمان الذي الّف فيه كتابا بعنوان (الصواعق الالهية بالرد على الوهابية) ،لكنه استثمر وفاة والده والتقى بشخصية محاربة في نجد هو محمد بن سعود

وعقد بينهم (عقد نجد ) عام (1744) الذي يمنح محمد بن سعود وورثته السلطة الحاكمة ويمنح محمد بن عبد الوهاب السلطة الدينية ومازالا يتوارثناها الى يومنا هذا ،وتسمى ورثة بن عبد الوهاب ب(ال الشيخ).

استفاد محمد بن سعود من الفكر الوهابي المتطرف بالدعوة باسم (التوحيد ) واعتبار من امن بالفكر الوهابي هم (الفئة الناجية ) واعتبار  ماسواهم(الى النارِ ) ،فالتحق به عدد كبير من اعراب نجد وخاض معارك داخلية اخضع ارض نجد لحكمه ثم اقتحم الحجاز والمدينة وعاثوا بها وهدموا القبور وما انشيء عليها وسرقوا جميع المقتنيات التي بالكعبة ومسجد الرسول وهدموا البقيع وكادوا ان يهدموا القبة الخضراء على قبر الرسول لكن ابن عبد الوهاب منعهم (خشية الفتنة) وتأجيل ذلك !

حكم ال سعود ارض الحجاز على مدى ثلاثة قرون باسم الوهابية ،وفيها حالة من التخادم بين الطرفين (ال سعود وال الشيخ ) ،وظل الافتاء بالمملكة بيد ال الشيخ ومن هو على خطهم بشكل غير رسمي لكنه الزامي الى عام 1953 حيث تم تشكيل (دار الافتاء ) والذي هو يؤدي دورا حيويا في تسيير الحياة العامة بالمملكة ربما من اكثر بلد في الشرق الاوسط حيث يتدخل بالشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني والقضاء والقانون، وتشكل فتاواه عاملا مهما في صياغة الاعراف الاجتماعية والثقافية )

استفادت بريطانيا من هذا التخادم بين الوهابية وال سعود ونظمت العلاقة بالشكل الذي لاانفصال فيه في خدمة مخططاتها وخضوع ال سعود للهيمنة والحماية الداخلية والخارجية ،وكان من تجليات ذلك تنازل ال سعود عن فلسطين!

كما استفاد الصهاينة من ذلك ايضا حيث ضمنوا دولة ثرية تقف ضد اي مشروع وطني وقومي وديني ضدهم كما ضمنوا دولة متطرفة حرمت المسلمين من اثارهم الاسلامية ودثرتها

وحولت بيت رسول الله محمد (ص) الى مراحيض ،

عملت الوهابية المؤثرة في فكرها بارض الجزيرة الى قتل الالاف ان لم نقل الملايين من المسلمين وغير المسلمين فقد باتت تغير على من يخالف فكرها ،فهاجموا كربلاء وقتلوا نصف سكانها وكذلك هاجموا النجف الاشرف ،وقتلوا وربطوا خيولهم عند المراقد الشريفة وسرقوا كل ماوقعت عليه عيونهم ،حتى باتت نجد وكأنها سوق للمقتنيات المسروقة من ذهب وفضة وغيرها ،وذلك ماشجع الجيوش الغازية على غزواتها  .

بعد اكتشاف النفط بارض المملكة منذ عام 1923 ، وكيف تحولت  من دولة تعتمد على الزراعة والمواشي والحج الى دولة نفطية كبرى

تعتمد على وارداته بنسبة 90‎%‎ ،فتحولت واردات النفط هذه الى التآمر على الامة وتسخير الاموال الى وأد ثورات التحرر ليس على مستوى الدول العربية بل على العالم اجمع .

ورثت الولايات المتحدة الهيمنة على المملكة من بريطانيا منذ ثمانية عقود تقريبا ،وباتت الحامية الراعية لها ،والناهبة لثرواتها والمسيطرة على ادارتها وفقا لمخططاتها ،حيث دولة غنية تصدر 11مليون برميل نفط يوميا وشعب يقبع تحت سياط فكر متطرف لايترك له محيصا قط .

ساعدت الولايات المتحدة ال سعود في القضاء على اي معارض من المملكة ولايستطيع احد  الفرار حيث يعاد تسليمه الى القضاء السعودي ليقطع رأسه او يلقى في الربع الخالي من الطائرة وسط الرمال الهائجة لتبتلعه بثوانٍ.!

استفادت الولايات المتحدة من الفكر الوهابي كثيرا خلال الصراع مع الاتحاد السوفيتي وفي بعديه الفكري حيث كانت المساجد والمنظمات الخيرية السعودية ترهب الناس من الشيوعية وتصفها بالالحاد والكفر ،وفي البعد العسكري استفادت من هذا التطرف في الحاق الاف  الشباب السعودي والاسلامي لمحاربة جيش الاتحاد السوفيتي الذي دخل افغانستان واحتلها بحجة (تحرير ارض المسلمين ) وقد نجحوا في مهمتهم باخراج القوات السوفيتية انذاك ،لكن كان ذلك سببا في شيوع الارهاب ،والذي طال برجي التجارة في امريكا عام 2011 وماكانت له من تداعيات في الحملة التي قادها الاعلام الغربي على المملكة بانها (عنوان للتطرف والارهاب )حتى كتبوا على جدران سفارات السعودية -بعض المحتجين -(سفارة الارهاب) !

لاشك ان (دار الافتاء) في المملكة حاولت في بعض مراحل التاريخ ان تجري بعض (التخفيف) الاجتماعي وخاصة بعد عام (1971)وحيث الاموال الهائلة التي جنتها المملكة نتيجة صادرات النفط ،وانعكاسه على حياة المواطنين ،لكنها اصطدمت بارادات دينية واجتماعية والزمتها حدودها القديمة !

ان الظروف التي صنعت نوعا من التخادم بين الوهابية وال سعود والغرب ،هي غيرها الان بعد ان انهار الاتحاد السوفيتي ،وصعود قطب جديد متمثلا بالصين ،وبعد ان اصبح العالم (قرية صغيرة ) بسبب تطورات الاتصالات وبات المواطن بالمملكة يعي مايدور حوله من تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية ،ناهيك ان السفر والتواصل مع العالم ترك اثره على مواطني المملكة ،الذين باتوا يطمحون الى التغيير ،في ذات الوقت فان الثورة الاسلامية في ايران ايقظت  في نفوس عدد كبير من من اهالي المنطقة ومنهم المملكة للتعريف بشؤون دينهم وحقيقة الاسلام البعيد عن التطرف والتفرقة .

التحولات الدولية اثرت على الدول الكبرى ،فمثلما انهار الاتحاد السوفيتي الذي ملك من التطور بالاسلحة التدميرية مايستطيع ان يلغي سكان الارض جميعا ،كذلك بدأت الولايات المتحدة بالانهيار التدريجي ،وخاصة بالجانب الاقتصادي والخلاف المجتمعي والسياسي بالداخل ،مما دعاها ان تغير من سياساتها ضمانا لمصالحها وادامة بقائها بالهيمنة .

اقتضت السياسة الاميركية الجديدة في منطقة الشرق الاوسط ان تجري تحولات جديدة ايضاً ،فعمدت اولا الى رفع السيادة والقيادة لدول الخليج من المملكة الى جهة الامارات وضغطت على المملكة لتوريطها بحرب اليمن ثم في قضية مقتل قاشقچي وان تعيد النظر بالفكر الوهابي (المتطرف ) وبالمناهج الدراسية مقابل الرضا في بقاء ال سعود بالحكم ،الى الحد الذي جلبوا لجنة منبثقة عن الكونگرس الاميركي باعادة النظر بمناهج الدراسة لدى المملكة ورفع كل مايدعو ل(الجهاد) ،ثم الدعوة للانفتاح ورفع الغطاء الديني عن المملكة واضعاف حبل التخادم مع الوهابية لحين التحاقها بالمشروع .

تكون عملية (الانفتاح ) تحتاج الى قيادة شابة وجريئة كي تكون مقبولة لدى الاوساط الشبابية على الاقل لذا جاء اختيار شخصية ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان ) ليتولى العملية بعد دراسة لشخصيته اولا وبعد توريطه في قضية مقتل القاشقچي ليكون (تحت اليد ) !

اعلن محمد بن سلمان عن مشروعه لعام (2030) الذي يتضمن استثمارات اقتصادية وتحولات اجتماعية ودينية تجلت في مشروع (نيوم ) الذي يضم عشرات المراقص والملاهي ودور الرقص والغناء والموبقات واخذ مساحة كبيرة من ارض منطقة (جدة) وسبق ذلك باستدعاء كبار المطربين بالعالم للغناء على مسارح المملكة ،وكذلك منح المرأة حرية قيادة السيارة بعد ان منعت منها قبل ذلك

بسبب الافتاء الوهابي الذي يمنع عمل المرأة واختلاطها بالرجال الا في حدود اشبه بعملها بالمنزل فمثلا اذا عملت طبيبة ان تعالج فقط النساء ،وجاء عن دار الافتاء في قيادة السيارة للمرأة (ولايجوز قيادة السيارة من قبل المرأة لانها مضطرة لكشف وجهها ) .

الان المراة السعودية يحق لها قيادة السيارة بل وتجالس الرجال ،وتظهر بالحفلات وتلعب (القمار ) كما اظهرتها وسائل الاعلام !

وفرت المملكة تمهيدا لهذه التحولات الدينية والاجتماعية وسائل اعلام عديدة وفي مقدمتها (ام بي سي) التي تولت تقديم برامج ومسلسلات لهذا الغرض .

يبدو ان رجال دين ايضا انخرطوا في هذا المشروع الجديد للمملكة وباتوا يدعون للاعتدال وهجر التطرف ومن عارض ذلك القي بالسجن والاعتقالات تغص بالكثير منهم .

السؤال الاهم ؛-هل بعد ثلاثة قرون من التخادم بين الوهابية وال سعود والغرب قد انتهى ؟

يبدو ان الامر كذلك ،فالتحولات الجديدة لدى قادة المملكة تؤشر على ذلك ،حيث يقول محمد بن سلمان (ان دستور المملكة القران والسنة ومنهجها الاعتدال ،ولا عقوبة على شان ديني الا بنص قراني واضح )

وقال ايضا  في منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار “(نحن نعود فقط الى ما كنا عليه ،الاسلام الوسطي ولن نضيع 30 سنة من حياتنا بالتعامل مع افكار مدمرة سوف ندمرها اليوم  فورا )وهذا مادفع بالمملكة ان تحول لجنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى (لجنة الترفيه) !

الحق ان المملكة تكتنز تحولات غير التي اشرنا اليها فهناك معارضة شديدة بالداخل والخارج تعمل على بناء دولة متحضرة تحافظ بها على دينها وعلى قيمها الاجتماعية والتاريخية وصناعة تجربة سياسية معاصرة قادرة على مواكبة التطور والحضارة مع الحفاظ على اسس الامة وتاريخها .

 

وكالة انباء براثا

Exit mobile version