“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني
في ظلّ المساعي الخارجية الهادفة إلى تشكيل أرضية لبنانية ثابتة تُمكّن من بناء حكومة توافقية تُبعد شبح التسويات الخارجية الزاحفة نحو المنطقة، يخرج بعض اللبنانيين بعبارات من قبيل أن الوضع الداخلي والإقليمي، غير ملائم بعد لإنضاج تسوية “لبنانية” بذريعة أن أي حكومة جديدة اليوم لا تأخذ بعين الإعتبار هواجس السُنّة والموارنة، ستكون على قاعدة الإنقسام الوطني وستؤسّس إلى تعميقه، خصوصاً إذا حصل هذا التأليف بضغوطات دول تسعى لتركيب “مُجسّم” دولة، لتمرير مشاريعها في المنطقة من البوّابة اللبنانية.
في ظل التطورات الإقليمية الحاصلة، ولعلّ أبرزها عودة الأميركي والإيراني إلى طاولة المفاوضات حول الملف النووي، بالإضافة إلى الإنفتاح المُفاجئ بين المملكة العربية السعودية والنظام السوري برعاية عراقية، وما سبقها من تطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وصولاً إلى استكمال التفاوض اللبناني ـ الإسرائيلي حول الحدود البحرية، ثمّة تأكيدات أن المنطقة كلّها ذاهبة نحو عقد جديد أو “صفقة” جديدة بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تقوم على الحوار المُباشر بين الدول، بحيث لن يكون فيها مكاناً للمليشيات والأحزاب، بدءً من اليمن، ومروراً بكل من العراق سوريا، وصولاً إلى لبنان.
السؤال الأبرز الذي يُطرح اليوم، يتعلّق بوضع “حزب الله” والدور الذي سيلعبه في حال اتُخذ القرار الدولي للبدء بتنفيذ الصفقة، ومدى استعداد إيران للتخلّي عن أهم ذراع لها في المنطقة، خصوصاً في ظل وجود معلومات تتحدث عن لقاء موسّع خلال اليومين المُقبلين في دمشق لمحور “الممانعة”، سيتم خلاله البحث في مستقبل المنطقة ومواكبة التطورات السياسية فيها، وتحديداً في مُستقبل العلاقة السعودية ـ السورية، وتقاسم النفوذ الإيراني ـ الروسي في سوريا، حيث من المتوقّع احتدام التنافس بين كل هذه الدول، لكن من دون أن يُفضي إلى مواجهات عسكرية.
مصادر سياسية بارزة، ترى أن الوضع في المنطقة، ذاهب في الفترة المُقبلة نحو متغيّرات ستكون لها آثار واضحة على الوضع اللبناني لجهة التركيبة اللبنانية بشكل عام، والطائفية بشكل خاص حيث سيكون “حزب الله” أبرز المتضرّرين من المتغيّرات هذه نتيجة كفّ يده السياسية، وربما العسكرية، بحيث سيُصبح التعاطي بين الدول وعبر القنوات الرسمية وليس الحزبية كما يحصل اليوم.
وتُضيف المصادر: “مع كل هذا، لا يجب أن ننسى بأن الرغبة الإيرانية في تأسيس جبهة ممانعة على أساس مذهبي في المنطقة، هو أمر لا يزال قائماً، وذلك وسط سعي واضح للعيان بفرض واقع ديموغرافي جديد، و تظهر بوادره في سوريا، وتحديداً من خلال مُسمّى سوريا المُفيدة. لكن هذه الرغبة قد تصطدم بـجدارالمعادلة القائلة أن مصلحة الدول تغلب مصلحة الأفراد أو الجماعات، وبالتالي، سوف تعتبر إيران أن “حزب الله” جماعة، وستُضحّي به وبأي جماعة أخرى، في حال تحقّقت تطلّعاتها في الموضوع النووي”.
وبحسب المصادر نفسها، فإن المرحلة المُقبلة ستحكمها علاقات جديدة بين إيران ودول المنطقة تقوم على أُسس التعامل من دولة إلى دولة، ولن يكون هناك مكان للمليشيات لا المدعومة سعودياً، ولا إيرانياً، وذلك في ظل مسعى يقوم به الرئيس الأميركي لإنهاء التوتر في منطقة الشرق الأوسط من خلال الديبلوماسية وليس العقوبات خصوصاً، وأن سياسة خلفه الرئيس الأسبق دونالد ترامب، لم تصل إلى النتائج المرجوّة، بل على العكس، فإن الولايات المتحدة دفعت ثمناً من اقتصادها وأمنها وعلاقاتها، نتيجة سياسات ترامب.
وتعود المصادر، إلى ملف الداخل اللبناني، حيث ترى أن “المليشيات” وتحديداً “حزب الله”، سوف تشملها عملية “التحجيم” وتقليص النفوذ والصلاحيات، لكن المشكلة اليوم تنطوي على عامل الوقت الذي يفصل بين الرغبة الدولية أو الصفقة التي تسير بها الولايات المُتحدة الأميركية، وبين موعد الإنهيار الذي ينتظر لبنان خلال الأسبوعين المُقبلين، نتيجة رفع الدعم عن العديد من المواد الأساسية. ولذلك، لا بد من القول، بأن الشهر المُقبل سيكون فاصلاً بين الواقع الصعب الذي نمرّ فيه، وبين توقيت مدّ يد الخارج لإنقاذنا.