|
نديم قطيش -أساس ميديا- الأحد 09 أيار 2021 |
هل هو الهدوء ما قبل العاصفة؟
هذا ما يرجّحه المسؤول السابق في إدارة جورج دبليو بوش، جون هانا، الذي عمل مستشاراً للأمن القومي لنائب الرئيس ديك تشيني. ترجيحات هانا، التي نشرها في مقال كتبه لمجلّة “فورين بوليسي” الأميركية، مبنيّة على ما سمعه من حصيلة النقاشات التي أجراها في واشنطن وفد إسرائيلي رفيع المستوى ضمّ كلّاً من مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو مئير بن شبات، رئيس الموساد يوسي كوهين كبير ضباط الاستخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي، الجنرال تامير هايمان، والجنرال في سلاح الجوّ المسؤول عن استراتيجية إسرائيل تجاه إيران، تال كيلمان.
أمّا الفريق المقابل في المباحثات عن الجانب الأميركي فضمّ مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، ووزير الخارجية أنطوني بلينكين، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، وعدداً آخر من المسؤولين الأميركيين. وقد تعمّد الرئيس الأميركي جو بايدن أن يحضر الاجتماع مع رئيس الموساد، وأن يشارك في مناقشات امتدّت لنحو ساعة.
على الرغم من كشف معلومات عن تقديرات إدارة بايدن، التي أُبلغت للإسرائيليين، والتي تفيد أنّ المباحثات النووية مع إيران لا تزال بعيدة عن الوصول إلى خلاصات نهائية، وعلى الرغم من تصريحات علنية تدعم هذا الاتجاه، تأكّدت شكوك الإسرائيليين ومخاوفهم، بحسب هانا، وباتت تل أبيب على قناعة تامّة بأنّ بايدن عازم على إحياء الاتفاق النووي من دون تعديلات ذات مغزى.
يستنتج هانا أنّه من شبه المؤكّد، وعلى الرغم من كل النوايا الحسنة لإدارة بايدن، أنّ خطر اندلاع حرب في الشرق الأوسط يتزايد الآن، داعياً بايدن ومستشاريه إلى التحلّي بالحكمة والتنبّه لهذا المسار. ويجزم هانا أنّه إذا ما تعزّزت قناعة إسرائيل بأنّها تواجه خياراً بين مواجهة إيران الضعيفة الآن، أو إيران أقوى بكثير وعلى الطريق لحيازة سلاح نووي بعد بضع سنوات من الآن، فلا ينبغي لأحد أن يُفاجأ إذا أخذت إسرائيل الخيار الأول.
تقويم الحكومة والاستخبارات والجيش في إسرائيل، لرغبة بايدن في الوصول إلى اتفاق مع إيران، لا يختلف كثيراً عن تقويم عدد من حكومات المنطقة. بيد أنّ الحديث عن الحرب يبدو، بحسب مصدريْن ديبلوماسيّيْن أوروبي وعربي تحدّثا لـ”أساس”، أمراً مشوباً بالكثير من المبالغة.
يتّفق المصدران أنّ المنطقة تعاني “إرهاقاً حربيّاً” تضاف إليه الأولويات الاقتصادية الضاغطة في مرحلة التعافي من جائحة “كوفيد-19”. على الرغم من تفهّمه الاستياء الإسرائيلي، يشير المصدر الأوروبي إلى أنّ قدرة إسرائيل على شنّ حرب، بالمعنى التقليدي، ضدّ إيران، أمر “خارج منطق توازن القوى في الشرق الأوسط”، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ إيران تمتلك فائض قوة غير تقليدي عبر الميليشيات التابعة لها في لبنان وغزّة والعراق واليمن، يوازن فائض القوة التقليدي الذي تمتلكه إسرائيل. ويستبعد أن تقدم إسرائيل منفردةً على خيارات تتعارض مع اتفاق ترعاه أوروبا وأميركا وروسيا والصين.
ويضيف المصدر العربي ساخراً أنّ “الشرق الأوسط ليس مكاناً تُربح فيه الحروب.. آخر الحروب التي رُبحت هي حرب عام 1973 بين مصر وإسرائيل. حتّى هذه لستُ أكيداً منها”.
زد على ذلك أنّه على الرغم من الحاجة الإيرانية الماسّة إلى الوصول إلى اتفاق يفكّ عنها الخناق الاقتصادي، وعلى الرغم من الرغبة الأميركية الأكيدة في إعادة إحياء اتفاق عام 2015، فقد لا يحصل الاتفاق. وإن حصل فليس، بالضرورة، وفق الإطار نفسه للاتفاق السابق.
ففي كلٍّ من واشنطن وطهران، تُخاض معارك سياسية شديدة الشراسة، تتمحور في إيران حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتتمحور في واشنطن حول الحرب بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وفي داخل الحزب الديموقراطي نفسه، الذي لا يخلو من أصوات مؤثّرة تعارض الاتفاق، من بينها رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الديموقراطي بوب مينينديز (ديموقراطي من نيوجيرسي)، الذي سبق أن عارض اتفاق 2015 مع إيران.
الحقيقة أنّ الجميع يتحدّث إلى الجميع في المنطقة.
التقارير الإعلامية عن لقاءات سعودية إيرانية في العراق تأكّدت على لسان مصادر سعودية رسمية تحدّثت لـ”رويترز”، ووضعها حديث وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في سياقها، عبر تصريحات حملت نبرة جديدة اتجاه إيران من دون تغيير الكثير في المضمون. وفيما أكّد الأمير السعودي أنّ بلاده راغبة في علاقة إيجابية مع طهران، عدّد بوضوح الملفّات الخلافية معها، التي تتطلّب حلولاً حقيقية، بدءاً من الدعم الإيراني لميليشيات على حدود السعودية في كلٍّ من اليمن والعراق، والبرنامج الصاروخي، والمشروع النووي والضوابط التي ترى الرياض فرضها عليه ضرورياً، وصولاً إلى التدخّل السياسي والإعلامي الإيراني في الملفّات الداخلية لعدد من دول المنطقة.
وأشار الاجتماع بين وليّ العهد السعودي ووليّ عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في جدّة إلى دقّة اللحظة التي تمرّ بها المنطقة، والتي تستوجب أعلى درجات التنسيق، ولا سيّما أنّ الزيارة سبقتها جولة قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وشملت الإمارات وعمان وقطر، وجلسة إحاطة بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي عبر الاتصال المرئي. وقد سبق اللقاء بين “المُحمّدين” اتصالٌ مهمّ تلقّاه بن زايد من الرئيس بايدن طال عدداً من الملفّات، بينها إيران. أمّا تركيا، كواحدة من دول “محور الإرهاق الحربي”، فتسعى جادّةً لفتح قنوات التسوية مع مصر، والسعودية والإمارات.
يوم الأحد الفائت، اشتعلت حملة تضليل وتعبئة إعلامية وسياسية مرعيّة من إيران وحلفائها حاولت أن تضع هذه الاتصالات في سياق استسلام عربي أمام انتصار إيراني. وكان لبنان إحدى الساحات الأكثر خصوبة لهذه التفاهات بعد التقارير عن لقاءات سورية سعودية. الأرجح أنّها حملة تندرج في سياق “البلف والتهويل”، تماماً كما التهويل الإسرائيلي بالحروب الوشيكة. وقد جمّد بيانٌ قاسٍ صدر من البيت الأبيض عن سوريا كلَّ السيناريوهات المتعلّقة باحتمالات تعويم نظام الأسد، وتوظيفه في لعبة التوازنات في المنطقة.
المفارقة أنّه في حال الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران أو في حال انهيار المفاوضات، كما حذّر بايدن، فإنّ ما ترجّحه مصادر عربية وأوروبية أن تصل المنطقة إلى “سلسلة من أنصاف الحلول”، لا أكثر ولا أقلّ، تترافق من جهة مع استمرار الشغب الإيراني، ولو بوتائر مختلفة عن السابق، ومن جهة ثانية مع ثبات إسرائيلي في عمليات “الاغتيال والأعمال التخريبية” التي لا تتعارض بالضرورة لا مع الاستراتيجية الأميركية، ولا مع الحسابات العميقة الصينية والروسية التي لا تريد أن ترى إيران نووية.
الشاعر الروماني “أوفيد” يقول ما معناه: “كلّ شيء يتغيّر، ولا شيء يتغيّر”. ليس أكثر من هذه العبارة انطباقاً على أحوال الشرق الأوسط. قد تربح وجهة نظر هانا، وهو سياسي بارز وباحث محترم، وقد تنتصر عليه حقائق الشرق الأوسط.
في الحالتين الكلام ضروري بين جميع الأطراف، وهذا ما تشهده المنطقة.