«أسمَعَ لودريان كلاً من الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري رسالة بلاده، ولم يستَمِع منهم».صحيح أن النبرة اختلفت، لكن الخلاصة واحدة «قدمنا لكم مبادرة، وأنتم لم تتلقفوها. فشلتم في تحمّل المسؤولية، ولم نعُد معنيين بتأليف الحكومة. ألفوا حكومة وسنرى إن كنا نساعدكم أم لا، هناك إجراءات أخذنا قراراً بها وسنبدأ بتطبيقها».
ساعات قضاها لودريان في بيروت، توزعت بين بعبدا وعين التينة وقصر الصنوبر حيث التقى الحريري ومجموعات الحراك الشعبي وممن يطلقون على أنفسهم لقب معارضين، من بينهم رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، «بيروت مدينتي»، «تحالف وطني»، مجموعة «منتشرين»، «عامية 17 تشرين»، «تيار مسيرة وطن»، حزب «تقدم»، «الكتلة الوطنية»، رئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوض، والنائب المستقيل نعمة أفرام.
لم تبقَ «عنتريات» الوزير الفرنسي سراً أمام من اعتبرهم «القوى البديلة»، طالباً منهم التحضر للانتخابات المقبلة، متّهماً السياسيين في لبنان بأنهم لا يحترمون تعهداتهم ولا وعودهم، ولهذا اقتصرت لقاءاته على رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي، مكرراً الدعوة إلى تأليف حكومة أخصائيين ومستقلين، وهو ما يتعارض مع توجّه رئيس بلاده الذي طالب سابقاً بحكومة وحدة وطنية.
تقريباً، لم يقُل لودريان في الكواليس أكثر مما أعلنه، فهو لم يحمِل مبادرة جديدة، ولم يناقش مبادرة بلاده السابقة، ولم يدخل في تفاصيل المخاض الحكومي. بلّغ الرسالة – التهديد، ومضى. وقبل مغادرته، اكتفى بحديث مقتضب مع بعض وسائل الإعلام، بدلاً من عقد مؤتمر صحافي، فاعتبر أنه «حتى اليوم، لم يرتقِ اللاعبون السياسيون إلى مستوى مسؤولياتهم ولم يبدأوا العمل جديّاً لتعافي البلاد بسرعة»، مُحذراً من أنه «ما لم يتحركوا الآن بمسؤولية، فعليهم أن يتحملوا عواقب هذا الفشل».
أينَ يُصرف هذا الكلام؟ وأينَ تُصرف الزيارة؟ مِن لحظة الإعلان عنها حتى الآن، ليسَ هناك من تفسير واقعي لأسبابها ولا أهدافها. يُمكن القول، ببساطة، إن زيارة لودريان إلى بيروت هي زيارة «إبلاغ موقف»، وحسب. أما ضمنياً، فهي اعتراف بفشل فرنسا في إدارة الملف اللبناني مع استخدام ورقة أخيرة، هي ورقة العقوبات علّها تكون آخر «نقطة» أوكسجين لإحياء المبادرة التي لا ترى فيها باريس خلاصاً للبنان، بقدر ما تعتبرها عنوان انتصار خارجي يُستثمر في الانتخابات الفرنسية المقبلة.
مصادِر على اتصال بالفرنسيين، سبَق أن تحدثت قبل مجيء لودريان عن «مشاكل بينَ أعضاء خلية الإليزيه المعنية بالملف اللبناني، وتبادل اتهامات بضرب المبادرة الفرنسية وضعف التنسيق وعدم القدرة على تحقيق أي تقدم أو فرض ما تريده فرنسا». وفي هذا الإطار، أفرغت المصادر الزيارة من مضمونها، معتبرة أن «وزير خارجية يأتي ويفشل في جمع شخصيتين لبنانيتين، خير دليل على ضعف الدور الفرنسي في لبنان، إذ أن هذه مهمة كانَ ينجحَ بها وسيط برتبة ضابط»!
تبدو فرنسا دولة بلا أظافر. لعلّ ذلِك أكثر ما يزعجها، ويدفعها إلى التهديد، رداً على عدم تجاوب القوى السياسية مع مشروعها، وإلى التسرّع في اتخاذ خطوات لها انعكاسات سلبية على مبادرتها ودورها.
أوساط سياسية بارزة اعتبرت أن «العصا التي رفعها لودريان، هي تعبير عن غضب من الفشل الذاتي في إنجاح المبادرة الفرنسية قبل إفشالها من الداخل، بعدَ أن شكل انفجار المرفأ في آب الماضي لحظة فريدة لتعزيز نفوذ فرنسا المتراجع في شرق البحر الأبيض المتوسط». واعتبرت الأوساط أن من المهم الالتفات إلى توقيت الزيارة، الذي دفع بغالبية القوى السياسية إلى عدم التعويل عليها أو الأخذ بالتهويل على اعتبار أن «أنا الغريق فما خوفي من البلل». فلبنان الذي يتعرّض للحصار من الدول العربية ومن الولايات المتحدة الأميركية، عينه ليست على باريس، بل «على طاولات فيينا وبغداد»، وهذه الغالبية تنتظر ما سينتج عن المفاوضات والحوارات بين الدول الأساسية، ومدى انعكاسها على الداخل اللبناني، وبالتالي تعتبر أن دور فرنسا صارَ هامشياً أكثر من أي وقت مضى.