في الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2018، أعلن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، سعيَ بلاده إلى تشكيل ما قال إنه «تحالف إقليمي استراتيجي» من شأنه أن يساعد بلدان الشرق الأوسط على «تحقيق الازدهار والاستقرار والأمن في المنطقة»، وهو ما عُرف لاحقاً بـ«تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» (اختصاراً «ميسا»). لكن التسمية الأكثر شيوعاً صارت تعرّفه بـ«الناتو العربي».
بدأ العمل على التحالف الأمني – السياسي – الاقتصادي قبل سنوات من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وتحديداً عام 2011 إبّان موجة «الربيع العربي»، وأُعيد طرحه مجدّداً عام 2015، حين كانت إدارة باراك أوباما تضع اللمسات الأخيرة على ما سيُعرف لاحقاً بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي)، لكن ما فتئ يتعثّر منذ إعلان ولادته ولغاية تلاشي الحديث عنه والترويج لـ«منافعه»، ومنها «بناء درع قوي وصلب في وجه التهديدات» التي تتصدّر إيران قائمتها.
كان من المفترض أن يجمع «التحالف» دول الخليج الستّ، إلى جانب مصر والأردن، وهدفه العمل على «التصدّي للعدوان الإيراني والإرهاب والتطرّف، وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط»، على ما أعلن مسؤولون أميركيون في حينه. وتعود فكرة إحيائه إلى زيارة ترامب الخارجية الأولى إلى السعودية في أيار/ مايو 2017، حين انعقدت القِمم الثلاث الخليجية والعربية والإسلامية بحضوره، ودعا خلالها الدول العربية والإسلامية إلى «مواجهة الحركات الإسلامية المتطرّفة والنفوذ الإيراني».
وعلى رغم الجدّية التي حاولت الولايات المتحدة تظهيرها خلال مساعيها وراء المشروع، ظلّ التقليل من أهميّة ما يجري التسويق له طاغياً، باعتبار الفكرة وُلدت ميتة أصلاً، وذلك استناداً إلى عوامل كثيرة حالت دون بزوغ فجر «ناتو عربي». فبينما مثّلت الأزمة مع قطر أحد أكبر العراقيل، لم تُبدِ الكويت استعداداً لمغادرة مربّع الحياد، وعلى غرارها فعلت سلطنة عُمان التي سبق أن رفضت المشاركة في «التحالف العربي» ضدّ اليمن. وهو ما يُضاف إليه اختلاف دول «مجلس التعاون الخليجي» على تحديد عدوّ مشترك. وفيما سوّقت السعودية والإمارات والبحرين – ابتداءً – لإيران بوصفها العدوّ الأوّل، لم تفارق الكويت وسلطنة عُمان وقطر دائرة الدبلوماسية، إذ اعتبرت تلك الدول أن إيران قوّة إقليمية يجب احترامها والتحاور معها. وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن أبو ظبي سرعان ما عدّلت لهجتها إزاء «التحالف»، متحدّثة على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية (في حينه) أنور قرقاش، عن أنه «لا يمكن معالجة التوتُّر في الخليج إلّا سياسياً».
إقليمياً، بدت الخلافات أعمق بين السعودية والأردن ومصر، بما يمنع انضواء الدول الثلاث في تحالف عسكري جادّ. إذ رأت القاهرة وعمّان أن الانخراط في عملية خلق عداوة مع إيران ليس ضمن أولوياتهما، بل أساساً ليس هناك ما يدعوهما إلى سلوك هذا المسلك إزاء قوّة إقليمية في محيطهما، وتبنّي مواقف تتوافق وأجندة الرياض أو أبو ظبي. والمفارقة، أن القاهرة وعمّان، اللتين أبرمتا منذ وقت طويل «معاهدات سلام» مع الاحتلال، بدتا أقل تحمّساً لفكرة تحالف عربي عسكري تقوده الرياض، وهو ما بدا في موقفهما المتذبذب من الدعوة الأميركية؛ إذ التزمت مصر، في العلن، الصمت (لم تشارك قطّ في أحلاف أميركية عسكرية) إلى حين تأكّد انسحابها من المشروع، فيما اعتبر الأردن، في موقفه الرسمي المعلَن، أن «ميسا» لا يعدو كونه «تصوّراً في مراحله الأولى» و«يخضع للنقاش»، في ظلّ معارضة داخلية قوية في المملكة اعتبرت أن المشاركة في التحالف المنشود «تتناقض مع المصلحة الوطنية العليا للبلاد». ولعلّ موقف مصر والأردن نابع، في جزء منه، من طموحهما إلى القيادة، فهما سبقتا السعودية في الدعوة إلى تشكيل تحالف عسكري مماثل. وكانت آخر تلك الدعوات عام 2015، حينما دعا ملك الأردن عبد الله الثاني إلى تشكيل «تحالف عربي إسلامي للتصدي للإرهاب»، ليلحقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد شهر بالدعوة إلى تشكيل «قوة عسكرية عربية لِمواجهة الإرهاب». لكن السعودية قرّرت ضرب المشروعين معاً، بإعلان تشكيل «التحالف الإسلامي» في 15 كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه، والذي سرعان ما انكشفت هشاشته، إلى درجة أن اجتماعه الأوّل عُقد بعد عامين من الإعلان عن تأسيسه، بغياب قطر والعديد من الدول التي انسحبت منه كتركيا والجزائر وماليزيا وإندونيسيا وباكستان.
منذ إعلان إمكانية تشكيل «ناتو عربي» لمواجهة إيران، كان موقف طهران واضحاً باعتبار تلك التهديدات «مجرّد شعارات… تُثار بصوت أعلى». وفي ظلّ الخلافات والأزمات بين الدول المدعوّة إلى الانضمام إليه، لم يخرج «الناتو العربي» من إطار الحرب الكلامية، بل إن ما جرى، من وجهة النظر الإيرانية، يمكن وضعه في إطار «حرب نفسيّة» قادتها واشنطن، في محاولة منها للقول إن ثمة خطة ممنهجة تسير بثبات لتشكيل «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» (ميسا).
بدأ العمل على التحالف الأمني – السياسي – الاقتصادي قبل سنوات من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وتحديداً عام 2011 إبّان موجة «الربيع العربي»، وأُعيد طرحه مجدّداً عام 2015، حين كانت إدارة باراك أوباما تضع اللمسات الأخيرة على ما سيُعرف لاحقاً بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي)، لكن ما فتئ يتعثّر منذ إعلان ولادته ولغاية تلاشي الحديث عنه والترويج لـ«منافعه»، ومنها «بناء درع قوي وصلب في وجه التهديدات» التي تتصدّر إيران قائمتها.
كان من المفترض أن يجمع «التحالف» دول الخليج الستّ، إلى جانب مصر والأردن، وهدفه العمل على «التصدّي للعدوان الإيراني والإرهاب والتطرّف، وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط»، على ما أعلن مسؤولون أميركيون في حينه. وتعود فكرة إحيائه إلى زيارة ترامب الخارجية الأولى إلى السعودية في أيار/ مايو 2017، حين انعقدت القِمم الثلاث الخليجية والعربية والإسلامية بحضوره، ودعا خلالها الدول العربية والإسلامية إلى «مواجهة الحركات الإسلامية المتطرّفة والنفوذ الإيراني».
وعلى رغم الجدّية التي حاولت الولايات المتحدة تظهيرها خلال مساعيها وراء المشروع، ظلّ التقليل من أهميّة ما يجري التسويق له طاغياً، باعتبار الفكرة وُلدت ميتة أصلاً، وذلك استناداً إلى عوامل كثيرة حالت دون بزوغ فجر «ناتو عربي». فبينما مثّلت الأزمة مع قطر أحد أكبر العراقيل، لم تُبدِ الكويت استعداداً لمغادرة مربّع الحياد، وعلى غرارها فعلت سلطنة عُمان التي سبق أن رفضت المشاركة في «التحالف العربي» ضدّ اليمن. وهو ما يُضاف إليه اختلاف دول «مجلس التعاون الخليجي» على تحديد عدوّ مشترك. وفيما سوّقت السعودية والإمارات والبحرين – ابتداءً – لإيران بوصفها العدوّ الأوّل، لم تفارق الكويت وسلطنة عُمان وقطر دائرة الدبلوماسية، إذ اعتبرت تلك الدول أن إيران قوّة إقليمية يجب احترامها والتحاور معها. وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن أبو ظبي سرعان ما عدّلت لهجتها إزاء «التحالف»، متحدّثة على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية (في حينه) أنور قرقاش، عن أنه «لا يمكن معالجة التوتُّر في الخليج إلّا سياسياً».
إقليمياً، بدت الخلافات أعمق بين السعودية والأردن ومصر، بما يمنع انضواء الدول الثلاث في تحالف عسكري جادّ. إذ رأت القاهرة وعمّان أن الانخراط في عملية خلق عداوة مع إيران ليس ضمن أولوياتهما، بل أساساً ليس هناك ما يدعوهما إلى سلوك هذا المسلك إزاء قوّة إقليمية في محيطهما، وتبنّي مواقف تتوافق وأجندة الرياض أو أبو ظبي. والمفارقة، أن القاهرة وعمّان، اللتين أبرمتا منذ وقت طويل «معاهدات سلام» مع الاحتلال، بدتا أقل تحمّساً لفكرة تحالف عربي عسكري تقوده الرياض، وهو ما بدا في موقفهما المتذبذب من الدعوة الأميركية؛ إذ التزمت مصر، في العلن، الصمت (لم تشارك قطّ في أحلاف أميركية عسكرية) إلى حين تأكّد انسحابها من المشروع، فيما اعتبر الأردن، في موقفه الرسمي المعلَن، أن «ميسا» لا يعدو كونه «تصوّراً في مراحله الأولى» و«يخضع للنقاش»، في ظلّ معارضة داخلية قوية في المملكة اعتبرت أن المشاركة في التحالف المنشود «تتناقض مع المصلحة الوطنية العليا للبلاد». ولعلّ موقف مصر والأردن نابع، في جزء منه، من طموحهما إلى القيادة، فهما سبقتا السعودية في الدعوة إلى تشكيل تحالف عسكري مماثل. وكانت آخر تلك الدعوات عام 2015، حينما دعا ملك الأردن عبد الله الثاني إلى تشكيل «تحالف عربي إسلامي للتصدي للإرهاب»، ليلحقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد شهر بالدعوة إلى تشكيل «قوة عسكرية عربية لِمواجهة الإرهاب». لكن السعودية قرّرت ضرب المشروعين معاً، بإعلان تشكيل «التحالف الإسلامي» في 15 كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه، والذي سرعان ما انكشفت هشاشته، إلى درجة أن اجتماعه الأوّل عُقد بعد عامين من الإعلان عن تأسيسه، بغياب قطر والعديد من الدول التي انسحبت منه كتركيا والجزائر وماليزيا وإندونيسيا وباكستان.
منذ إعلان إمكانية تشكيل «ناتو عربي» لمواجهة إيران، كان موقف طهران واضحاً باعتبار تلك التهديدات «مجرّد شعارات… تُثار بصوت أعلى». وفي ظلّ الخلافات والأزمات بين الدول المدعوّة إلى الانضمام إليه، لم يخرج «الناتو العربي» من إطار الحرب الكلامية، بل إن ما جرى، من وجهة النظر الإيرانية، يمكن وضعه في إطار «حرب نفسيّة» قادتها واشنطن، في محاولة منها للقول إن ثمة خطة ممنهجة تسير بثبات لتشكيل «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» (ميسا).