صقر أبو فخر
يُعتبر ناصر القدوة من أبرز شخصيات الجيل الثاني في حركة فتح، أي جيل ما بعد المؤسّسين الأوائل. وهو الذي يسمّونه “جيل الاستمرار”. وهؤلاء كانوا عماد المؤسسات التي ظهرت في معمعان النضال الوطني الفلسطيني. وقد اكتسب ناصر القدوة احتراماً وتقديراً لتاريخه الطويل في حركة فتح، وربّما لقربه من خاله ياسر عرفات، مع أنّه لم يتوسّل ذلك القرب قطّ للوصول إلى المواقع التي وصل إليها.
سيرة الحياة
اسمه “محمد ناصر”، وهو اسم مركّب على طريقة ياسر عرفات. فاسم أبي عمّار الأصلي مركّب أيضاً، وهو “محمد عبد الرحمن”. والجدّ الأعلى لآل القدوة يدعى عرفات بن يوسف القدوة، وهو من أشراف حلب، وقد استقرّ مع شقيقه محمد في خان يونس منذ القرن السابع عشر الميلادي. ووالد ناصر يدعى جرير بن نعمان القدوة، وهو ابن العم المباشر لياسر عرفات وزوج أخته يسرى. وقد وُلد ناصر في خان يونس في 16/4/1953، وعاش شوطاً من حياته في ليبيا حيث كان والده يعمل في تلك الديار.
يُعتبر ناصر القدوة من أبرز شخصيات الجيل الثاني في حركة فتح، أي جيل ما بعد المؤسّسين الأوائل
درس ناصر في مصر، ونال شهادة في طب الأسنان من جامعة القاهرة سنة 1979. وكان التحق بحركة فتح سنة 1969، واختير عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني عن قطاع الطلبة سنة 1975، ثمّ أصبح عضواً في المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1981. وفي تلك الأثناء رأس الاتّحاد العامّ لطلبة فلسطين خلفاً لصخر بسيسو من 1978 حتّى 1982، وعاش في بيروت في ذروة الصراعات التي شهدها لبنان إبّان الحرب الأهلية. وقد انتخب عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح، في مؤتمرها العامّ السادس المنعقد في بيت لحم سنة 2009، أي بعد رحيل ياسر عرفات. وكان المؤتمر العامّ الخامس المنعقد في تونس سنة 1989 قد انتخبه عضواً في المجلس الثوري للحركة.
سيرة النضال والتعب
انتقل ناصر القدوة من النضال الطالبي والسياسي المباشر إلى النضال الدبلوماسي، فعُيّن مساعداً للممثّل الدائم لفلسطين في الأمم المتّحدة، زهدي الطرزي، سنة 1986. وسنة 1991 حلّ في محلّه، واستمرّ في موقعه مندوباً لفلسطين حتى سنة 2003، حين عُيّن وزيراً للخارجية في حكومة أحمد قريع (أبو علاء)، وترك موقعه الحكومي سنة 2005. وفي تلك الحقبة كان له شأن مهمّ في تحريك الاحتجاج الدولي ضد جدار الفصل العنصري، وتُوّج جهده، وجهود آخرين بالتأكيد، باتّخاذ محكمة العدل الدولية في لاهاي قراراً يعتبر الجدار غير شرعيّ.
مع إنشاء مؤسسة ياسر عرفات سنة 2007، تولّى ناصر القدوة رئاسة مجلس الإدارة، الذي ضمّ شخصيات رفيعة من أقطار العالم العربي المختلفة، واقتصر نشاطه على حركة فتح وعلى مؤسسة ياسر عرفات. وسنة 2012 اختير مبعوثاً مشتركاً للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية، لكنه قدّم استقالته من تلك المهمّة سنة 2014 لعدم الجدوى. وفي السنة نفسها اختاره الأمين العام لجامعة الدول العربية مبعوثاً له إلى ليبيا التي أنهى مهمّته فيها سنة 2015.
الشوط الختاميّ
في ميدان بناء مؤسّسات الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، وفي سياق فشل المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية التي طالت إلى أكثر من عشرين سنة بلا نتيجة، ظهرت آراء وأفكار متعدّدة ومختلفة في آن، وهذا أمر طبيعي تماماً. وقد نشب خلاف مكشوف بين ناصر القدوة وفريق الرئيس محمود عباس في شأن أمور كثيرة، منها طرائق إدارة السلطة الوطنية، وإدارة السياسة الخارجية، واتّخاذ القرار في داخل حركة فتح.
درس ناصر في مصر، ونال شهادة في طب الأسنان من جامعة القاهرة سنة 1979. وكان التحق بحركة فتح سنة 1969، واختير عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني عن قطاع الطلبة سنة 1975، ثمّ أصبح عضواً في المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1981
لم يتورّع ناصر القدوة عن الاعتراض على أنّ مكان اتّخاذ القرار في حركة فتح صار يتركّز في مكتب الرئيس وليس في المؤسسات الحركيّة، وراح يطالب بتغيير أو تعديل البرنامج السياسي للحركة كي يتلاءم مع المتغيّرات التي عصفت بالأوضاع الفلسطينية والعربية المحيطة. وفي هذه الأجواء المتعاكسة والمتفارقة، عمد ناصر القدوة إلى تقديم استقالته في أيّار 2018، إلا أنّه تراجع عنها بعد تدخّل عدد من رفاقه. ثم تلاسن مع الرئيس محمود عباس في اجتماع اللجنة المركزية في 24/2/2021 على خلفيّة الاستعداد للانتخابات التشريعية في قطاع غزّة، ففُصل من الحركة في 11/3/2021.
وكان قد انثنى إلى تأليف “الملتقى الوطني الديموقراطي”، منبراً إعلاميّاً وسياسيّاً، قبل أن يتعرّض للفصل من حركة فتح. وهو ما أثار حفيظة الرئيس محمود عباس وبعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، مع أنّ حركة فتح تسمح بمثل هذه المنابر اللصيقة بها، والتي ليست في صلب مؤسّساتها في الوقت نفسه.
جرّاء تلك الخلافات أقال الرئيس أبو مازن ناصر القدوة من رئاسة مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات في 18/3/2021 عشيّة الانتخابات التشريعية، الأمر الذي جعل ناصر القدوة يرخي لحيته ويشرع في تأليف لائحة مشتركة مع مروان البرغوثي أسمياها “قائمة الحرية”. لكن الانتخابات خضعت للتأجيل، وبقيت جميع قضايا الخلاف معلّقة إلى أمد لا يمكن تحديده. فيما خرج ناصر القدوة من هذه المعركة وقد احتفظ بلباقته واحترامه، وحافظ على مكانته المعنوية الرفيعة.