ملاك عقيل
خلاصتان أساسيتان تختصران زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت:
الأولى: باشرت باريس عملياً فرض عقوبات على من تتّهمهم بعرقلة المبادرة الفرنسية وتعطيل تأليف الحكومة والتورّط في أعمال فساد. لكنّ هذه العقوبات، وفق مصادر مطّلعة، ستكون تدريجية وتصاعدية، وطرف خيطها الأوّل إبلاغ المُدرَجين على اللائحة شخصيّاً بمنع دخولهم الأراضي الفرنسية وصولاً إلى قرار بتجميد أرصدة شخصيات لبنانية تطولهم هذه الاتّهامات. وهي خطوة قد تلجأ إليها دول أخرى، على رأسها ألمانيا، وصولاً إلى عقوبات جماعية محتملة من قبل الاتحاد الأوروبي.
وهنا تقول مصادر مطّلعة لـ”أساس” إنّه “على الرغم من السرّية المصرفية المطبّقة في لبنان، فإنّ حصول عمليات التحويل من لبنان وإليه يجعل هذه العمليات مكشوفة بالكامل أمام النظام المالي العالمي القادر على رصد كلّ دولار يجول بين عواصم العالم. أمّا عقارات وممتلكات العديد من المسؤولين اللبنانيين في فرنسا ودول أخرى فتتكلّم عن نفسها”.
الثانية: قفزت الإدارة الفرنسية فوق مطبّ تشكيل الحكومة والمبادرة الفرنسية برمّتها لترسم مساراً واضحاً بالاستغناء عن خدمات رموز الطبقة السياسية الحاكمة والدعوة الصريحة للتغيير وقلب المعادلة من خلال الإصرار، أكثر ممّا فعل الرئيس إيمانويل ماكرون في زيارتيْه للبنان، على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وهي التي دخلت رسمياً مدار العدّ العكسي.
تقول مصادر مطّلعة لـ”أساس” إنّه “على الرغم من السرّية المصرفية المطبّقة في لبنان، فإنّ حصول عمليات التحويل من لبنان وإليه يجعل هذه العمليات مكشوفة بالكامل أمام النظام المالي العالمي القادر على رصد كلّ دولار يجول بين عواصم العالم”
وتفيد المصادر في هذا السياق بأنّ فرنسا “ستسعى إلى أن يكون مطلب الانتخابات النيابية مطلباً دولياً، وليس فقط فرنسياً، وإلى التهديد بفرض عقوبات موجعة في حال التمديد للمجلس الحالي، حيث تتجمّع تقارير لدى الفرنسيين تشير إلى عدم وجود رغبة لدى معظم القوى السياسية “المتشظّية” بإجراء هذه الانتخابات في موعدها”.
وتلفت المصادر إلى أنّ “الانتخابات النيابية المُبكرة كانت بنداً ضمن المبادرة الفرنسية، لكن ما لبث ماكرون أن تنازل عن هذا الشرط حين لَمس وجود عراقيل داخلية حقيقية تعترض هذا المسار. لكنّ التهاون في استحقاق أيار 2022 لن يكون ممكناً”.
ويقول المطّلعون على دائرة القرار الفرنسي: “الانتخابات النيابية العامّة ليست فقط بالنسبة إلى باريس محاولة لتحقيق اختراقات في المنظومة السياسية الحاكمة لتمكين وجوه جديدة تغييرية وإصلاحية من دخول إلى البرلمان، بل باعتبار مجلس النواب المقبل هو المعبر الإلزامي لانتخاب رئيس الجمهورية، وليس المجلس الحالي”.
وفيما تفيد المعلومات أنّ لقاءات لودريان مع عون وبرّي والحريري لم تكن منتجة، وسادها التشنّج، خصوصاً خلال الاجتماع القصير مع رئيس الجمهورية، وكذلك مع الحريري، فإنّ تساؤلات جدّية طرحت حول المهلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية، والأجندة التي ستتعاطى من خلالها باريس مع التكليف العالق والشروط والشروط المضادة من قبل أولياء التأليف، وكيفيّة مقاربة سقوط المبادرة الفرنسية بعد تسليم باريس بفشل من راهنت عليهم لتطبيقها.
في كلّ الأحوال، طغى الشكل في زيارة لودريان على المضمون. وهذا كفيل بالتأكيد أنّ انعكاسات زيارة وزير الخارجية الفرنسي على أزمة تأليف الحكومة، واستطراداً على واقع الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي، تقارب الصفر، خصوصاً في ظلّ الانقلاب الكبير في مشهد المنطقة، الذي تحاول فرنسا المقبلة على استحقاق رئاسي حجز مكان فيه.
وفق المعطيات، تقصّد الفرنسيون إضفاء طابع “الغموض” على لقاء لودريان بالرئيس المكلّف سعد الحريري، في سياق رسالة بالغة السلبية ساوت الرئيس المكلّف بمن تتّهمه الإليزيه بالتعطيل، أي الوزير جبران باسيل. وبدا لافتاً تكرار لودريان لجملة سبق أن أعلنها ماكرون، وهي أنّ “لقاءه عون وبري (والحريري بصفته رئيساً مكلّفاً) أتى على قاعدة وجودهم في مواقع دستورية، وليس انحيازاً لطرف ضد آخر، أو ضمن إطار المسايرة”.
تلفت المصادر إلى أنّ “الانتخابات النيابية المُبكرة كانت بنداً ضمن المبادرة الفرنسية، لكن ما لبث ماكرون أن تنازل عن هذا الشرط حين لَمس وجود عراقيل داخلية حقيقية تعترض هذا المسار. لكنّ التهاون في استحقاق أيار 2022 لن يكون ممكناً”
ومع تأكيد أوساط قريبة من الفرنسيين أنّ “البروتوكول يفرض انتقال الرئيس المكلّف إلى قصر الصنوبر، وليس العكس، كما ردّد البعض”، قالت مصادر قريبة من بيت الوسط أنّ “اللقاء بدّد ما سرّبه الفريق العوني في الأيام الماضية عن رغبة فرنسية بالتخلّي عن خيار سعد الحريري”، مشيرة إلى أنّ “الأجواء، التي عكسها قريبون من الحريري أخيراً عن رغبته بالاعتذار، كانت تعبيراً عن امتعاض من عدم جواز مساواته بالمعطّلين الحقيقيين، وأراد القول إنّه غير متمسّك بالتكليف لغايات شخصية أو مصلحية”.
وفي سياق موازٍ، تؤكّد مصادر مطّلعة لـ”أساس” أنّ جدول لقاءات لودريان أثار حساسية كبيرة تجاوزت اجتماعه مع الحريري “في آخر لحظة”، واستبعاده للقوى السياسية التي سبق لماكرون أن التقاها في قصر الصنوبر، وعدم تحديد موعد مع وزير الخارجية شربل وهبي، كما فعل “زميله” وزير الخارجية الهنغاري.
وسألت أوساط تُعرف بقربها من الفرنسيين: “ما المعيار الذي اعتمدته السفارة الفرنسية في بيروت أو وزارة الخارجية الفرنسية في اختيار مجموعات من الثورة دون غيرها من المجموعات والشخصيات المؤثّرة؟ وهل النواب المستقيلون سامي الجميل ونعمة افرام وميشال معوض هم من خارج الإطار السياسي؟ فالأوّل من بيت سياسي عتيق واكب كلّ مراحل انهيار البلد، والثاني حيثيته السياسية محدودة على المستوى العامّ، والثالث لم يَبرد مقعده بعد على طاولة رئيس تكتّل لبنان القوي المتّهم الأول بنظر الفرنسيين بالتعطيل. وما هو المعيار في اختيار ثلاثة نواب موارنة، تحديداً، مع استبعاد مثلاً النائب المستقيل مروان حمادة؟”.
وتقول الأوساط: “هناك خيط رفيع بين إعلان دعم لبنان وبين التدخّل في شؤونه. وبالتأكيد، ليس لفرنسا مصلحة بالتدخّل مع طرف دون آخر حتّى لو كان هذا الطرف هو قوى منبثقة عن انتفاضة 17 تشرين. فهذا يعني أنّ كلّ القوى السياسية في دائرة الاتّهام، وهذا الأمر ليس صحيحاً. وغياب المعايير المنطقية في استقبالات لودريان بدا نقطة سلبية لا تعكس وضوحاً في رؤية باريس للمشهد اللبناني، باستثناء الإيحاء بأنّها تراهن على مجموعات من خارج الاصطفاف السياسي لتحجز مقاعد لها في مجلس النواب المقبل، لكن المقاربة لم تكن موفقة”.