لودريان: “التينور” اليساريّ الذي التحق بماكرون (2)
مارلين خليفة
من هو جان إيف لودريان شاغل اللبنانيين، وخصوصا منذ انفجار مرفأ بيروت، الذي راح يطلق بين الفينة والأخرى تصاريح نارية تجاه الطبقة السياسية اللبنانية؟
أتى لودريان من الحزب الاشتراكي الفرنسي، وانضمّ إلى حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام”، مجسّداً مسيرة جديدة يقودها الرئيس ماكرون، وكأنّه يعلن انهيار اليسار الفرنسي.
يقول عارفوه من دبلوماسيين عملوا تحت إدارته لـ”أساس” إنّه “مؤيّد مخلص للرئيس ماكرون إلى أقصى حدّ”، منبّهين إلى أنّ “ماكرون هو الرأس الحقيقي للدبلوماسية الفرنسية، ولا يلاقي في ذلك أيّ اعتراض من جان-إيف لودريان، الذي لم يكن يوماً على خلاف مع رئيسه، ويمتلك قدرة النقاش معه”.
عُرِف، بحسب مصدريْن دبلوماسيّين فرنسيّين تحدّثا إلى “أساس”، بتكريسه معظم وقته للشرق الأوسط، ويُحكى في الأوساط الدبلوماسية الفرنسية أنّ 70 في المئة من زياراته هي لهذه المنطقة من العالم منذ تولّيه الحقيبة الدبلوماسية عام 2017.
يوصف بأنّه “شخصيّة متواضعة، تحبّ البساطة، ومتعاطفة مع الآخرين. عُرِف بكونه وزير دفاع ناجحاً. وهو أقلّ ارتياحاً في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية. لا يتقن الوزير لودريان لغات أجنبية سوى الفرنسية، لكنّه يهوى العمل في السياسة الخارجية”.
يقول عارفوه من دبلوماسيين عملوا تحت إدارته لـ”أساس” إنّه “مؤيّد مخلص للرئيس ماكرون إلى أقصى حدّ”
كان لودريان معروفاً بإخلاصه الشديد للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، لكنّه قام بانعطافة في انتخابات فرنسا عام 2016، إذ قدّم النصح والمشورة سرّاً لِمَن كان لا يزال مرشّحاً رئاسياً في الظلّ، فوضع شبكة علاقاته في تصرّف المرشّح الشابّ والمغمور إيمانويل ماكرون.
كان مخلصاً لهولاند حتّى النهاية تقريباً، لكنّه واحد من أولئك الذين انضمّوا بسرعة إلى إيمانويل ماكرون الشابّ اللامع. ويعتبر “التينور” الوحيد من حكومة هولاند السابقة، الذي قرّر الانضمام إلى حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام”.
غادر مقر وزارة الدفاع في Hôtel de Brienne، حيث خدم خمسة أعوام متواصلة، منتقلاً إلى وزارة أوروبا والشؤون الخارجية عام 2017، ولمّا يزل فيها إلى اليوم.
وُلِد في منطقة “لوريان” عام 1947، وبدأ حياته المهنية ناشطاً في صفوف المنظمات الشبابية. ونال إجازة في التاريخ المعاصر، وعمل أستاذاً مساعداً في جامعة رين. ثمّ انضم إلى إحدى المنظمات الطالبية المسيحية، مشاركاً في ثورة أيّار من عام 1968.
بعد سماعه خطاباً للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، قرّر الانضمام إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي عام 1974، وأصبح مستشاراً لبلدية لوريان للمرّة الأولى عام 1977.
تولّى منصبيْ نائب موربيهان (1978)، وعمدة لوريان (1981)، قبل أن ينضمّ إلى حكومة إديت كريسون وزيرَ دولةٍ لشؤون البحار عام 1991. عام 1998، عُيِّن مستشاراً إقليمياً لمنطقة بريطانيا الفرنسية، التي لن يغادرها أبداً. عام 2004، أصبح رئيس المجلس الإقليمي، واحتفظ بهذه الوظيفة حتّى أيّار من عام 2012 عندما عُيِّن وزيراً للدفاع.
كان مقرّباً جدّاً من فرانسوا هولاند، ومن أشدّ الأوفياء له. وهو أحد المؤسّسين، مع المحامي جان بيير مينارد وجاك ديلور، لمركز أبحاث ديموقراطية 2000، ثمّ نادي تيموي. واستمرّ مسانداً لفرانسوا هولاند على المستوييْن السياسي والخاصّ.
هو وزير دفاع ناجح، وأبرز المروِّجين لمشروع دفاعي أوروبي مشترك. هو متحفّظ، ولكنّه فعّال، هكذا يصفه عارفوه. نجح في ترسيخ نفسه في بيئة لا تعتبر الاشتراكية “فضيلة”. في خلال فترة ولايته، نال إجماع اليسار واليمين، ولا سيّما لأنّه دافع بشدّة عن ميزانية وزارة الدفاع، ومنح قوات الجيش الفرنسي الفرصة لإظهار خبرتها، وخصوصاً في إفريقيا. بعد 5 أعوام على ولايته، برزت ثمار أدائه الإيجابية: نجاح العمليات الفرنسية في مالي وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، صياغة كتاب جديد أبيض عن الدفاع والأمن القومي، وقرار قانون البرمجة العسكرية الجديد، وتعزيز الروابط مع دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية، وزيادة ملموسة في مبيعات طائرات “رافال” والمعدّات العسكرية.
وُلِد في منطقة “لوريان” عام 1947، وبدأ حياته المهنية ناشطاً في صفوف المنظمات الشبابية. ونال إجازة في التاريخ المعاصر، وعمل أستاذاً مساعداً في جامعة رين. ثمّ انضم إلى إحدى المنظمات الطالبية المسيحية، مشاركاً في ثورة أيّار من عام 1968
بعد هجمات تشرين الثاني الإرهابية، التي طاولت فرنسا عام 2015، كان لودريان المحرّض الرئيس على تفعيل بند التضامن الأوروبي، داعياً الأوروبيين إلى توحيد جهودهم الاستخبارية والسياسية. وله كلمة شهيرة في هذا المضمار، إذ قال: “لا تستطيع فرنسا أن تقوم بالمهمّات كلّها: أن تكون في منطقة الساحل، وأن تكون في جمهورية إفريقيا الوسطى، وأن تكون في لبنان، وأن تتولّى التدخّل والردّ في بلاد الشام، بالإضافة إلى ضمان أمن التراب الوطني من قبل قوّاتها”.
أوروبيّاً، يُعتبر لودريان أبرز المروّجين لمشروع الدفاع الأوروبي المشترك. عام 2016، شجّع فرانسوا هولاند على خوض معركة من أجل ولاية ثانية، وما لبث أن دعم مانويل فالز في الانتخابات التمهيدية لليسار، لكن بعد فشل هاتين المحاولتين لصديقيْه رفض دعم بينوا هامون، مستبدلاً باليسار وزعمائه إيمانويل ماكرون، واثقاً به ثقة استثنائية ليجعل منه بطله في الانتخابات الرئاسية وحصانه الفائز.
خلاصة زيارة لودريان إلى لبنان
أمس، وبعد انتهاء زيارته إلى لبنان، أعلن لودريان ما ضمرته تغريداته ومواقفه أمام الرؤساء الثلاثة. إذ كشف وزير أوروبا والشؤون الخارجية في فرنسا أنه وجّه أمس الأوّل رسالة مباشرة إلى رئيسي الجمهورية ومجلس النواب ميشال عون ونبيه بري والى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.
في الإيجاز الصحافي المحدود الذي وزّعت نصّه السفارة الفرنسية في بيروت، لاحظ أنّ “اللاعبين السياسيين اللبنانيين لم يتحملوا مسؤوليتهم ولم يبدأوا بالعمل بجدية من أجل تصحيح سريع في البلد”. وأضاف: “إذا لم يتصرّفوا منذ اليوم بوعي مسؤول، فعليهم تحمل تبعات هذا الفشل ونتائج إنكار التعهّدات التي اتّخذوها هنا في الأوّل من أيلول الفائت أمام رئيس الجمهورية”.
وختم داعياً “الجميع إلى تحمّل مسؤولياتهم: نحن نتحمل مسؤوليتنا، والأمر متروك للمسؤولين اللبنانيين لتقرير ما إذا كانوا يريدون كسر الحصار الذي نظموه لأكثر من ثمانية أشهر. أنا مقتنع بأنّ ذلك ممكن. من الممكن إذا أرادوا ذلك. يمكنهم التصرف. الأمر متروك لهم للقيام بذلك”.