“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
قبل ساعات من وصول وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، رفع “المستقبليون” من مستوى خطابهم، ربطاً بالضبابية السائدة حول إدراج رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري على جدول زيارات الضيف الفرنسي من عدمه، على الرغم من شيوع أجواء حول تدخلات أدّت إلى ضم الحريري إلى القائمة أخيراً. مع ذلك، تدرّج “الزُرق” في تهديدهم، من إشاعة أنباء حول عزم الحريري على الإعتذار، وصولاً إلى ربط إمكانية اعتذاره باستقالة تأخذ طابعَ الفورية وكرد الفعل من مجلس النواب، ذلك كما استنسبت النائبة رولا الطبش التي تولت إذاعة البيان رقم واحد عبر “تويتر”.
هذا يوحي أن الأمور “مِش ماشيه” على مقلب بيت الوسط الذي بات يفضّل اللعب على حافة الهاوية. وعلى ما يبدو من خلال التصريحات التي ارتقت إلى مصاف رد الفعل على الخطوة الفرنسية، يريد تلبيس لودريان بما يمثله فرنسياً كناطق بإسم الدولة العميقة والفريق الرافض لوجوده على رأس الحكومة، ثوب المسؤولية عن الإطاحة به، حيث يظنّ رئيس تيّار “المستقبل”، أن في مقدوره نقل المواجهة إلى عقر الدار الفرنسي، حين تصبح المواجهة محتدمة في قصر الإيليزيه بين وجهتي نظر متباعدتين طبعتا الفترة الأخيرة، بحيث يصبح الملف اللبناني موضع اشتباك داخلي فرنسي على مقربة من الإنتخابات الرئاسية الفرنسية.
والفرنسيون، كما يبدو حتى الساعة، وصلوا إلى قناعة أخيراً، بأن احتمالات الجمع في سدّة المسؤولية بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري وإمكانية نجاح ذلك معدومة، بشهادة تحوّل الخلاف بينهما إلى شخصي وانتقاله إلى حالة “الكباش”. وعلى هذا النحو، وفيما لو قُدّر للحريري عبور جلجلة التأليف بتشكيلة يوافق عليها عون، فهذا لن ينقله إلى مستوى التعاون مع الرجل، بل سيؤثر على طبيعة وجوده، إذ أن الخلاف سينعكس على يوميات المشهد الحكومي، وهذا يؤثر على مسار الإنقاذ من الإنهيار وخطة الإنعاش الإقتصادي التي تسوّق لها باريس، والتي من المفترض تبنّيها من قبل الحكومة الجديدة، وعليه، ستكون باريس وخططها أسيرة العلاقة غير السويّة بين المرجعيتين ما يحيل خطط الإنقاذ إلى الفشل.
لذا، فرنسا عملت وتعمل على تدارك هذا الأمر، وهي وحين دعت الحريري إلى لقاء النائب جبران باسيل في باريس على نية عقد مصالحة بينهما بما ينعكس إيجاباً على مسار الحكومة حين تأليفها، رفض الأول، ما اعتُبر فرنسياً أنه قرار غير سوي، وعليه، اتخذت القرار بإعادة التفكير في مخارج سياسية عميقة ومختلفة تؤدي إلى إصلاح الوضع اللبناني لا تعقيده، ولا يكون الحريري أو باسيل من ضمنها، وهي خطوة أُعدت بداية التماس التغيرات على مستوى المقاربة الفرنسية للأزمة اللبنانية.
مع ذلك، فإن الحريري، وعلى ما يبدو من خلال ما يرسم، يحاول أن يتبنى الشيء ونقيضه في آن. فبينما يسرح مسؤولو تيار “المستقبل” ويمرحون على وسائل الإعلام مسوّقين لفكرة الإعتذار، يُبادر مقرّبون منه إلى تمرير تسريبات حول عزمه على تأليف الحكومة، وصولاً إلى حد الزعم بأنه يمحّص في الحقائب لإسقاط الأسماء عليها، وهي إشارة اعتبرت على أنها محاولة لدغدغة مشاعر الفرنسيين بعدما تمّ إدراجه “المحتمل” على لائحة مواعيد لو دريان البيروتية، وهي خطوة قُرأت فرنسياً، كما لبنانياً، في إطار التوتر والتخبط الذي يُعاني منه بيت الوسط.
عملياً، كما بات الحريري يفتقد إلى الحضور الفرنسي الذي مدّه بدعم بدايةً حين قاد إتصالات تحريره من الرياض حين اعتقاله، يفتقد أيضاً إلى الحضور اللبناني الذي يغطيه على الرغم من الإختلاف السياسي. فالرئيس نبيه بري، الذي ما برح حتى الأمس يُحاول تهدئة الحريري، كما يقول متابعون، يكاد يصل إلى قناعة مفادها أن الحريري لا يريد تأليف حكومة، لذا يبحث عن أسباب للخروج لا تكون داخلية، أي على صلة برئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، بل خارجية، كي يعطي التبرير لنفسه. وكذا “حزب الله”، الذي يفضّل الحريري على غيره، لأن البديل غامض، ولأن من هو متوفّر لن يعثر فيه على الضمانة التي يجدها في الحريري.
وفي الحديث عن البدلاء، عاد إسم نوّاف سلام للظهور مجدّداً. كما بات معروفاً، الفريقان الأميركي والسعودي يجدون ضالتهم في الرجل ولا يخفيان دعمهما له وتفضيلهما إياه على الحريري، وفي غمرة الحديث عن إعتذار الحريري، اُعيد داخلياً تنشيط الفريق الداعم لوصول سلام إلى السراي، عبر حشد الدعم له من قبلهم والعودة إلى مسارات تسويق الإسم عبر الإعلام، التي تصطدم برفض كامل وشامل من قبل فريق سياسي وازن يمثل أكثرية ميثاقية في المجلس النيابي، كما في الحياة السياسية، في ظل رفض الأكثرية المعترضة على وصول السفير اللبناني السابق في الأمم المتحدة، نتيجة اتخاذ جبران باسيل موقفاً متميّزاً عن حليفه الشيعي.
وبهذا الصدد، وكاحتمال متوفّر، من الطبيعي أن إشاعة الحريري للإعتذار تحتّم على الأكثرية النيابية بدء التفكير ببديل عنه. أضف إلى ذلك، أن تبدّل المشهد الإقليمي على الصورة التي نراها من انفراجات وتقارب بين الخصوم، يحتّم أن يحصل تبدّل على مستوى نظرة فريق الأكثرية إلى الحكومة، تكليفاً وتأليفاً، وما يعزّز ذلك احتمالات إعتذار الحريري، الذي يُفترض أن يُحرّر داعميه في فريق الأكثرية ويريحهم إلى حدود البحث عن البديل الذي لن يأخذ صفة “مرشّح الفريق”، بل أن البحث يُفترض أن ينحصر ضمن شخصيات على وزن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وليس هناك من حَرَجٍ في إعادة إنتاج التفاهمات بين الطرفين، بحيث يُعطى دياب مساحة أوسع كما كان يطلب سابقاً.
في غضون ذلك، ومع طرح احتمالات اعتذار الحريري، فُتحت الشهيّات على مصراعيها من قبل الشخصيات السنّية التي تجد في نفسها مشروعية لتأليف حكومة. من هنا، طُرح إسم رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، وما يعزّز حضوره، ملكيته الفكرية لطرح سابق نادى بتأليف حكومة تكنو ـ سياسية. لكن الأمور تبقى رهناً بموقفه، سيما وأنه ردّدَ في السابق أنه في حلٍ من تأليف حكومة في ظل عهد عون، وهو ما يعدّ تكراراً لنفس مسار الحريري لكونهما يتقاسمان ذات المواقف من العهد…