كتب المحرر القضائي:
من الجائز لا بل الضروري والمؤكد القول أن البلد يشهد سوابق غير مألوفة يتابعها المواطنون live عبر شاشات التلفزة ووسائل التواصل الإجتماعي، وهي تنذر بالوصول الى درك من الانهيار، لا بل الإنحطاط المقرون بتحديات سياسية ومعيشية وقضائية لا تحصى، كان ينقصها “حتى تكتمل” مع اللبنانيين متعثري الحظ مشهدية القضاء الذي يجره بعض قضاته الى ظاهرة هجينة ترتكز الى مبدأ “الواقع يتفوق على القانون”.
هذه المشهدية تجلّت بوضوح مع “ركلات الجزاء” التي سددتها ولا تزال للقضاء المتمسك بموجب التحفظ ، مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون على مدعى أسبوعين أمام تصفيق وإستهجان متلازمين من جمهورين، واحد يتابع المباريات من وراء الشاشات في برمجة غير محددة، وجمهور ثانٍ يرافق القاضية المتمردة على كل شيء في “إغاراتها” على المؤسسات الخاصة المحصورة جغرافياً حتى الآن بين عوكر وبعبدا، كل هذا تحت مسمى محاربة الفساد وإستعادة الأموال المهدورة.
محاربة الفساد باتت كلمة مطاطية المعاني يستهجنها اللبناني المتلقي لشتى أنواع الضربات، لكن القضاء الذي يقف راهناً أمام تحدي الإنقسام والتمرد شهد ولا يزال “ومضات” لامعة لقضاة أخذوا على عاتقهم، وفق الصلاحيات المعطاة لهم، إعطاء كل ذي حق حقه غير آبهين بالضغوط السياسية التي تمارس عليهم. ولائحة أسماء هؤلاء القضاة الشجعان، كما يحلو للرأي العام اللبناني تطول، تبدأ بالقاضية أماني سلامة، إذ لا شك أن رئيسة نادي قضاة لبنان وقاضية التحقيق الأولى بالإنابة في البقاع قد سجلت سابقة في تاريخ الدعاوى الجزائية المرفوعة بوجه المصارف ورؤساء مجالس إدارتها عندما أصدرت قراراً الأسبوع الماضي قضى بوضع إشارة منع تصرف على عقارات جميع المصارف،وعقارات رؤساء مجالس إدارتها وحصصهم وأسهمهم في عدد من الشركات داخل الأراضي اللبنانية وخارجها بجرائم “إساءة الأمانة، الإحتيال، الإفلاس التقصيري والإحتيالي، ضروب الغش، تهريب الأموال إضراراً بالمودعين، النيل من مكانة الدولة المالية، تبييض الأموال، مزاولة أعمال الصيرفة من دون ترخيص والجرم اللافت”تشكيل جمعيات أشرار”.
قبل قرار سلامة الأخير، كانت القاضية كارلا شواح قد ألزمت أحد المصارف السداد بالدولار نقداً لمودع لديه ومنعه من إجبار الأخير على قبول أي وسيلة أخرى للسداد مثل الشيكات المصرفية.
بدوره القاضي فيصل مكي كان ألقى الحجز الإحتياطي على ممتلكات حاكم المصرف المركزي، وأموال مصرف آخر ورئيسه وأعضاء مجلس إدارته.
قاضي الأمور المستعجلة في المتن أنطوان طعمة “فعلها” أيضاً، ملقياً الحجز الإحتياطي على موجودات وعقارات مصرف في إطار حماية وصون أموال المودعين.
زميلته في الأمور المستعجلة في المتن القاضية رانية رحمة قامت بتغريم أحد المصارف لرفضه تنفيذ حكم قضائي صادر عنها، وكذلك فعلت القاضية مريانا عناني عندما ألقت الحجز الإحتياطي على أموال بعض المصارف التي لم تكن وحدها هدفاً في مرمى القضاء. فالجامعات الخاصة “أكلت نصيبها” أيضاً، وقد يذكر البعض أو أقله أهل الشأن القرارات معجلة التنفيذ التي أصدرتها القاضيات رولا عبدالله وسالي خوري ومايا عفيش منذ بضعة أسابيع على خلفية نزاعات قائمة بين طلاب وأحدى كبرى الجامعات في بيروت، وقضت هذه القرارات بمنع الجامعة من إتخاذ أي تدبير بحق الطلاب المستدعين ناتج عن عدم تسديدهم الأقساط، وذلك لناحية عدم الإنتقاص من حقهم في التعليم كتدبير موقت لمدة شهرين.
وفي الكباش الطالبي- الجامعي، يُسجل أيضاً للقاضية شواح قرار جريء ألزمت فيه أحد المصارف بتحويل 12 ألف دولار من حساب أحد أولياء الطلاب الى حساب إبنيه اللذين يدرسان في جامعة أوروبية ليتمكنا من إستكمال دراستهما، وقد فرضت غرامة إكراهية قدرها 20 مليون ليرة لبنانية عن كل يوم تخلف أو تأخير في التنفيذ.
من يقلّب صفحات القضاء، ستلفته حتماً عبارة le juge est la bouche de la loi أي القاضي هو فم القانون، وبناء عليه، لم يأتِ موجب التحفظ الملزِم للقضاة من عدمٍ بل من دساتير وقوانين تلقي على عاتق القاضي مسؤولية جسيمة وتحمّله مطرقة يجب أن يعرف تماماً متى وأين وكيف يجب أن يتردد صدى ضرباتها.