أحمد الفيتوري -أندبندنت
رمضان كريم كما هو معروف، فيه مائدة الأكل عامرة، والتلفزيونات العربية تعج بالتسالي والمسابقات، لكن رمضان الفائت صادرته كورونا، فكان شهر الحجر والتباعد الجسدي، ثم جاء الشهر الكريم هذا العام، كمكمّل للفائت. في الفائت، كانت الأجواء عامرة بالصين، التي كانت المصدر الأول لكورونا، فوسائل مواجهتها من حجر وتباعد ومنع تجوّل.
ثم لم ترِد هذه الصين أن تغيب عن رمضاننا هذا العام أيضاً، فإذا بها تطلق ما يفجع في الفضاء، وباعتبار شر البليّة ما يضحك، فقد تحوّلت الفاجعة في السوشيال ميديا إلى مسخرة: صاروخ صيني، طاش وما طاش أو شرد وما شرد. وإن كنا نسينا أو تناسينا كورونا وعلاقتها بالصين، فإن الصين لم ترِد أن ننساها، لهذا أطلقت الصاروخ “لونغ مارش 5 بي”، ثم فقدت القدرة على التحكم فيه، فصار يتجه بشكل غير متوقع إلى الأرض، ويبلغ وزنه 21 طناً تقريباً، وطوله حوالى 30 متراً. وتشير البيانات إلى أن هذا الصاروخ، يدور في مدار حول الأرض، بارتفاعات تتراوح بين 160 إلى 260 كيلومتراً، وبسرعة متوسطة تزيد قليلاً على 28 ألف كيلومتر، مما يجعله يكمل دورة كاملة حول الأرض، في حوالى 90 دقيقة في مدار بيضاوي.
حول مهمة هذا الصاروخ أساساً، يوضح عالم الفضاء المصري الدكتور أسامة شلبية أن “الصين تواجه قيوداً على استخدامات محطة الفضاء الدولية، وتسعى إلى أن تكون لها محطتها الخاصة، ومن ثم ومن أجل تأمين وجود دائم لروادها في الفضاء، بدأت بالعمل على محطتها الفضائية الخاصة، وأطلقت الجزء الأساسي للمحطة على متن الصاروخ لونغ مارش 5 بي”. ويشير شلبية إلى المشكلة التي يثيرها الصاروخ الصيني الطائش، فيقول إن “النفايات الفضائية هي واحدة من المشكلات الأساسية، كيف يمكن التخلص منها؟ وجودها يسبب خطراً شديداً ومتنامياً، بالنسبة إلى استخدامات الفضاء السلمية، أو النشاط الفضائي للبشر خارج الأرض”.
إضافة إلى كورونا وقبل ثقب الأزون، نجد أن المشكلات تتراكم في هذا العالم، المحموم بالتفوق الفضائي، فالنفايات تُزاد إلى حرب النجوم، التي تبدو دافعاً إلى التفوق في الفضاء، من أجل السيطرة على الأرض عن بعد، بالتهديد السيبراني، بعد أن حققت الذرّة توازن الرعب حتى الآن. وبذلك يبان أن المهمة الفضائية الأولى، مهمة أرضية، قبل غزو الفضاء، وإمكان استيطان كوكب آخر.
هكذا تكون الصين، في الأخبار في الفترة الماضية القريبة، ومن جهة أخرى، وفي تعليق على الحرب التجارية بين الصين وأميركا، كان القائد الصيني صرّح مبشّراً العالم بعودة الحرب الباردة. وكما يظهر أن الصين، تدخل العصر السيبراني بقوة، وأن إرادتها أن تكون الدولة الكبرى، ولأجل هذا تضيف إلى الحياة الباهظة الثمن تكاليف أخرى، فهي في سباقها مع الإمبريالية الأميركية، لا تهتم البتة بالتكاليف، حتى إنها عُدّت في ما مضى، من قبل علماء المناخ، مساهمة قوية، في إصدار الانبعاثات الكربونية.
الصين المنغلقة تنفتح، وانفتاحها يذكّرنا بشعار زعيم الصين ماو تسي تونغ، أثناء الثورة الثقافية أوائل الستينيات: “دع مئة زهرة تتفتح”، فدفع الصينيون أرواح كثيرين منهم، لتطبيق هذا الشعار. وهكذا يبدو أن تفتّح الزهر غالي التكاليف في الصين اليوم. وإذا كانت بقدرة قادر قد أفلتت من كارثة كورونا، فإنه في الوقت ذاته، لم نشهد أي موقف قوي، لمواجهة الجائحة في العالم، بخاصة في آسيا ومنها الجارة الهند. وفي غير كورونا، يدور حديث ولغط في الغرب وأميركا، عن دور الصين الكبير في أفريقيا، لكن ذلك الدور، يتمظهر كتنافس إمبريالي على القارة، بين الإمبريالية القديمة والصين، التي تبذل كل جهد لتكون الوريث.
هكذا عقل الصين طائش من أثر روح جنون العظمة، ما تلبست الزعيم ماو حتى الثمالة، ولعله أورثها هذا الجنون، فإن كانت الصين، البلاد الأعظم ديموغرافياً (تعداد السكان)، وبلاد الاقتصاد الثاني، فعليه لا بد من أن تكون: القائد الأوحد للعالم. وقد رُددَ أن ماو تسي تونغ، صرّح ذات مرة أن بإمكانه جعل نصف سكان الصين جسراً لاجتياز المحيط الأطلسي بالبقية الباقية. وهكذا كما يبدو تعمل الصين على أن ترث الولايات المتحدة، ويؤشر الصاروخ الشارد إلى أنها ستركب كل وسيلة للوصول إلى غاية كهذه.