حسن فحص -أندبندنت
يبدو أن الخطاب الذي ألقاه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية (2-5 2021) وتحدث فيه بشكل غير مباشر عن التسريب الصوتي لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، لم يشفِ غليل قوى التيار المحافظ، لجهة أنه لم يؤسس بشكل واضح ومباشر لمسار إخراج الوزير من الحياة السياسية، بالتالي التخلص من التحدي الذي يشكّله في المعركة الانتخابية لرئاسة الجمهورية، في حال استجاب لطلب القوى الإصلاحية بأن يكون مرشحاً لهذا السباق بوجه مرشح القوى االمحافظة.
التيار المحافظ الذي أسقط في يده بعد خطاب المرشد، تمسّك بالدفاع الذي تصدى له المرشد عن دور المؤسسة العسكرية وقائد قوة القدس ومساهمتهما في رسم السياسات الاستراتيجية للنظام في منطقة غرب آسيا، وما قاما به في مواجهة السياسات الأميركية وإبعاد الخطر الأمني عن الأراضي الايرانية.
وتحوّلت ثنائية “الدبلوماسية والميدان” إلى ذريعة للتصويب على الوزير واتهامه بالتفريط وحتى خيانة المصالح الإيرانية وتقديم تنازلات أمام أعداء إيران الأميركيين من أجل عقد اتفاق معهم حول البرنامج النووي بأي شكل من الأشكال لتوظيفه في الداخل واستقطاب الشارع على حساب المصالح القومية، واعتبار الانتقاد الذي وجّهه لدور سليماني في الإقليم وتأثيره في السياسة الخارجية ودور الوزارة التي يرأسها، خيانة لهذه المصالح.
قد يكون الإنجاز الوحيد الذي حققه ظريف من وراء تسريب شهادته السياسية، هو الحصول على براءة ذمة أو شهادة من المرشد الذي يمثّل أعلى سلطة في هرمية النظام والثورة والدولة، بأن وزارة الخارجية وجهازها الإداري والدبلوماسي هي إدارة تنفيذية لا علاقة لها برسم السياسات الاستراتيجية للنظام، وأن شراكتها في صياغة أي موقف أو رؤية هي شراكة محدودة في إطار المجلس الأعلى للأمن القومي، أي غير مقررة بمفردها، وإن ملزمة تنفيذ ما يتم اتخاذه من قرارات في هذا المجلس.
ومن الطبيعي أن هذا المجلس لا يمكن أن يخرج عن آراء المرشد الأعلى الذي تعود له وحده صلاحية تقرير السياسات العامة للنظام الداخلية والخارجية، السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية.
من هنا، يمكن القول إن خطاب المرشد أزاح عن عاتق ظريف كل المواقف السلبية التي يتبنّاها التيار المحافظ في موضوع المفاوضات النووية والاتفاق الذي تمخّضت عنه في فيينا عام 2015.
وبات يمتلك الحجة لمواجهة خصومه أو المعارضين للاتفاق النووي بأن المفاوضات التي قادها على مدى ثماني سنوات من رئاسة حسن روحاني، كانت سياسة النظام واستراتيجيته، وخاضعة لإشراف المرشد الأعلى مباشرة.
التيار المحافظ لا يبدو أنه في وارد الاستسلام في مواقفه المعادية لرأس الدبلوماسية والخطر الذي يشكّله على السياسات الداخلية وطموحات هذا التيار في استكمال سيطرته على مراكز القرار في مؤسسات الدولة واستثمار الإنجازات التي حققتها حكومة روحاني في الموضوع النووي وإلغاء العقوبات وإعادة إحياء الاتفاق النووي.
فهو مستمر في التصويب على الفريق المفاوض من بوابة اتهامه بتقديم تنازلات جديدة أمام المفاوض الأميركي، لا تنسجم مع المطالب الإيرانية والموقف المتشدد الذي يدعو إلى رفع كامل العقوبات والتحقق من تنفيذها قبل الموافقة على عودة واشنطن إلى السداسية الدولية والاتفاق النووي، بالتالي قبل عودة طهران عن الخطوات التي لجأت إليها بتقليص التزاماتها النووية.
التناقض في مواقف التيار المحافظ، قد يصعب عدم التوقف عندها، فمن جهة يعلن بوضوح معارضته للمفاوضات التي تجري في فيينا، في حين وبما يمثّله من سيطرة تامة على البرلمان، أقرّ قانوناً لإجبار الولايات المتحدة على رفع العقوبات مقابل العودة إلى شروط الاتفاق النووي، إضافة إلى رهانه على نتائج المفاوضات الجديدة وآثارها في إنعاش الاقتصاد وما يمكن أن يشكله من تحوّل، يريد الاستفادة منه لتعزيز مواقعه الشعبية المتراجعة.
وإذا ما كان التيار المحافظ يعتبر أن التسريب الصوتي لظريف قد أضعف وزلزل موقعه كممثل للدبلوماسية الإيرانية، إلا أنه كشف عن حقيقة وجود انقسام داخل النظام لا شك أنه سيترك أثره في موقع طهران على الصعيد الدولي، خصوصاً في المنطقة وساحات النفوذ الإيراني الإقليمي، لما جاء في كلامه من نقد للسلوكيات السياسية والأمنية التي قام بها رأس المشروع الإيراني الداخلي والإقليمي الجنرال سليماني بشكل غير مسبوق، فرض على المرشد التدخل للدفاع عنه بما هو دفاع عن سياساته ورؤيته التي عمل على ترجمتها سليماني بكل أمانة ودقة.
يمكن القول إن الخطاب الأول لمرشد الجمهورية الإيرانية بعد كلام ظريف، اقتصر على تأنيب وزير الخارجية على جرأته في توجيه النقد للسياسات الاستراتيجية للنظام في الإقليم من بوابة الحديث عن التباين بين الدبلوماسية والميدان، إضافة إلى إعادة تركيز الثوابت والجهة التي تمتلك الحق في رسم السياسات العامة للنظام وحصر دور الدبلوماسية في التنفيذ.
إلا أن الخطاب المرتقب للمرشد الإيراني صباح يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان في السابع من الشهر الحالي، يتوقع أن يعيد فيه التأكيد على الاستراتيجيات الإيرانية الإقليمية، إن على صعيد الموقف من فلسطين والعداء مع إسرائيل، أو على صعيد الملفات الإقليمية وكيفية التعامل مع المبادرة السعودية وانعكاساتها على الأزمة اليمنية، فضلاً عن التمسّك بالموقف المطالب بانسحاب القوات الأميركية من منطقة غرب آسيا، تحديداً من العراق وسوريا وما في ذلك من تمسّك بالسياسات الإيرانية المتّبعة في هذين البلدين. أي أن هذه المواقف قد تمزج بين اللين وعدم قطع الطريق على الحوار السياسي والانفتاح الذي تحتاج إليه إيران في هذه المرحلة، وبين التمسّك بالثوابت الإيرانية وما تعنيه للداخل وطمأنة الحلفاء في الإقليم.