حلفاء أميركا في المنطقة يتأقلمون مع هرولة بايدن

الكاتب: علي حمادة

كل المؤشرات تدل على أن المنطقة تشهد إعادة خلط للأوراق في ضوء التقدم الحاصل في مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني. وحسب المعلومات التي تقاطعت في الأيام القليلة الماضية، فإن المفاوضات في فيينا التي تجري عملياً بين إيران والولايات المتحدة بوساطة من مجموعة “دول 4+1” حققت تقدماً جوهرياً في الجولة الثالثة التي انتهت يوم السبت الماضي. وعادت الوفود الى بلادها للتشاور، ثم ستلتئم الجولة الرابعة يوم الجمعة المقبل، بعد أن يكون الأميركيون قد جاؤوا بتوضيحات أكثر حول العقوبات التي ينوون رفعها، ومدى شمولها كلاً من البرنامج النووي، والعناوين الأخرى من خارج النووي. ومن الواضح أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اتخذت قراراً استراتيجياً بالعودة الى البرنامج النووي الإيراني بصيغته الأولى من دون تعديل عليها، ولا سيما أن اللجان الثلاث التي شُكّلت في فيينا اقتصر عملها على رفع العقوبات الأميركية، وعودة إيران الى التزاماتها وفق الاتفاق النووي، ومسألة التسلسل في التنفيذ، في حين أن المواضيع الخلافية الأخرى الكبيرة، مثل التوصل الى اتفاق جديد أقوى، وأطول مدة، وطرح موضوع برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، وقضية التدخل الإيراني في دول المنطقة المزعزع للاستقرار، كلها عناوين تخطاها المفاوض الأميركي، وبذلك لاقى الموقف الإيراني، الرافض لبحث أي تعديل على الاتفاق، وأي موضوع آخر من خارج الاتفاق، والمصرّ على التقيد بالاتفاق النووي عام 2015، من دون أي تعديلات. هذا الأمر يريح الإيرانيين، ويعيد تعبئة الخزينة الإيرانية بالأموال التي سيفرج عنها مع رفع العقوبات، فضلاً عن الأموال التي ستتدفق بفعل فتح الأبواب التجارية والاقتصادية التي حُرمت منها. وحسب تصريح أدلى به مؤخراً الرئيس الإيراني حسن روحاني، فإن إيران خسرت أكثر من 150 مليار دولار أميركي، هذا من دون احتساب خسائر أخرى بمليارات الدولارات بسبب العزلة التي عانتها على مدى ثلاثة أعوام متتالية. ويبدو أن المفاوضين الإيرانيين، تحت إشراف المرشد الذي يحاول أن يلعب دور التوازن بين المحافظين والإصلاحيين، يسيرون محميين في المفاوضات التي يديرونها في الشهر الأخير قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 حزيران – يونيو المقبل، والتي يمكن أن تحدث تغييراً في الرئاسة لمصلحة المحافظين، ولا سيما أن حظوظ وزير الخارجية محمد جواد ظريف في أن يترشح تتراجع، بسبب ضعف الأمل في نيل موافقة المرشد على ترشيحه في الانتخابات الرئاسية.

  كل ما سبق يشير بوضوح الى أننا نسير بخطى حثيثة نحو إعادة إحياء الاتفاق النووي في غضون أسابيع قليلة. ولم تستطع إسرائيل، وهي الحليف الأول للولايات المتحدة، أن تقنع إدارة الرئيس جو بايدن بأن تتريث، أو أن تعمل على إدخال تعديلات لتحسين الاتفاق قبل رفع العقوبات عن إيران. وفي الوقت عينه، يرى حلفاء الولايات المتحدة العرب أن إدارة بايدن أخذت مساراً مقلقاً لها. ولذلك فهي تتعامل مع الواقع المستجد بعد وصول بايدن الى البيت الأبيض باعتباره انقلاباً على المسار الذي سبق، وأنه لا بد من التأقلم معه ريثما تمر العاصفة التي تذكّر بمرحلة الرئيس الأسبق باراك أوباما. ومن هنا يتعين النظر الى تطور الموقف السعودي منذ الأسابيع الأولى بعد انتخاب بايدن، حيث إن المملكة أقدمت في أعقاب إعلان واشنطن عن إجراء مراجعة لعلاقاتها مع الرياض، واتخذت قراراً يقضي بـ”إنهاء كل أشكال الدعم الأميركي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة”. وبعد ذلك، أطلقت السعودية عبر وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان مبادرة لوقف الحرب في اليمن، تقوم على وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد تحت إشراف الأمم المتحدة، وإعادة فتح مطار صنعاء، واستئناف المفاوضات السياسية بين حكومة عبد ربه منصور هادي والحوثيين. بالطبع لم تفض المبادرة الى نتيجة إيجابية عاجلة في ضوء التصعيد الكبير الذي قام به الحوثيون ضد أراضي السعودية نفسها، وفي داخل اليمن، وإطلاقهم حملة عسكرية كبيرة لمحاولة السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط.

  لم تتوقف السعودية عن التحرك لملاقاة التحول الأميركي، وتحاشي الاصطدام بإدارة الرئيس جو بايدن، وتجلى ذلك من خلال إطلاق جولة مباحثات سعودية – إيرانية في بغداد، شارك في الجولة الأولى في 9 نيسان – أبريل الماضي كل من رئيس الاستخبارات السعودية خالد بن حميدان، ونائب الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني سعيد عرافاني، وجرى بحث ملفي اليمن ولبنان وملفات أخرى. وتقول المعلومات إنه اتفق على جولة مباحثات مقبلة في مطلع شهر أيار- مايو الحالي.
ولا بد من التوقف عند المقابلة التلفزيونية التي أدلى بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى “قناة السعودية” التي قال فيها إن السعودية تطمح لأن تقيم علاقات مميزة مع إيران، وقال: “في الأخير إن إيران دولة جارة، وكل ما نطمح اليه أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران”. أضاف: “لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بل بالعكس نريد لإيران أن تنمو، وأن يكون لدينا مصالح فيها، ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية، لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار”. ولكنه أوضح: “إشكاليتنا هي في التصرفات التي تقوم بها إيران، سواء برنامجها النووي، أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة، أو برنامج صواريخها البالستية”. وبالنسبة الى اليمن، دعا ولي العهد السعودي الحوثيين الى الجلوس الى طاولة المفاوضات للوصول الى حلول تكفل حقوق الجميع، وتضمن مصالح دول المنطقة.

  كل هذا يفيدنا أن تحولات كبيرة يمكن أن تشهدها المنطقة مواكبة لهرولة إدارة الرئيس بايدن نحو طهران. لكن لا ضمانة في أن تكون التحولات دائمة، أو ألاّ تكون مناورات تكتيكية تمثل انحناءة مؤقتة ريثما تعبر العاصفة. فالملفات الخلافية مع إيران كبيرة، ومتشعبة، والبون شاسع بين مصالح إيران ومصالح معظم دول المنطقة. من هنا يتعين التريث قبل الحكم على هذه الحركة الكثيفة التي نشهدها راهناً، والأهم التريث بانتظار معرفة مدى استعداد الإيرانيين لملاقاة اليد الممدودة.

Exit mobile version