جولة محادثات سعودية – إيرانية جديدة قريباً | ابن سلمان لطهران: لن أُطبّع مع إسرائيل!
حسين إبراهيم ــ الاخبار
تستعجل السعودية عقد جولة إضافية من المحادثات مع المسؤولين الإيرانيين، في إطار التوجّه الجديد الذي أظهرته في الآونة الأخيرة، مدفوعة بجملة أسباب لعلّ أبرزها تبنّي إدارة جو بايدن خيار التخفّف من الأحمال الثقيلة عليها في هذه المنطقة. وبحسب ما حصلت عليه «الأخبار» من معلومات، فإن «العروض» السعودية المُقدّمة خلال محادثات بغداد تشي بتحوّل كبير، يصل إلى حدّ وقف قطار التطبيع مع إسرائيل. لكن مع ذلك، يظلّ الحذر سائداً خصوصاً في طهران، إذ إن تشابك الخلافات وتراكمها يجعلان من الصعوبة بمكان تطبيع العلاقات بهذه البساطة والسرعة
إذا كان السعوديون جادّين في ما أَبلغوا به الإيرانيين خلال المحادثات التي انعقدت في بغداد الشهر الماضي، فهذا يعني أن المنطقة ستكون على موعد مع أكبر انعطافة في السياسة السعودية منذ زمن. فالمعلومات تفيد بأن السعوديين أكدوا للإيرانيين أنهم لا يريدون تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما أفهموهم أن الأميركيين يريدون تحجيم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حتى لو سلّموا بأنه سيحكم المملكة لفترة طويلة مقبلة، على حدّ ما تَوقّع وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن. ومن هنا، لا يجد ابن سلمان بدّاً من الانفتاح على إيران، للتخلّص من المأزق الذي أوصل نفسه إليه، في ظلّ قناعته بأن طهران وحدها مَن تملك مفاتيح إخراجه منه، بما يتيح له تحقيق إنجاز ما لتسويقه لدى السعوديين، ونيل شرعية بديلة لشرعية الأسرة الحاكمة التي يبدو أنها لن تُمنح له.
وأبلغت مصادر مطّلعة على المحادثات السعودية الإيرانية في بغداد، «الأخبار»، أن الجانب السعودي أكد للإيرانيين أن المملكة لا تريد تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وترغب في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع طهران. وقالت المصادر إن السعوديين طلبوا بصورة أساسية وقف الصواريخ والمسيّرات التي يطلقها «أنصار الله» على أهداف سعودية، ردّاً على العدوان والحصار المفروضَين على بلادهم، وأبدوا استعدادهم في المقابل لقبول دور كبير للحركة في حكم اليمن. لكن ردّ الإيرانيين كان بأن المسألة برمّتها عند «أنصار الله»، وهم مَن يقرّر بشأنها. كما أشارت المصادر إلى أن الوفد السعودي قال إن ابن سلمان «ليس وهّابياً، ولا يكره الشيعة، كما يتمّ تصويره». وأضافت أن الإيرانيين فهموا أن الأميركيين يريدون تحجيم ابن سلمان. وحتى إذا قبلوا به، فإنهم سيفعلون ذلك وهم يمسكون العصا بيدهم، وسوف يستمرّون بالتلويح له بها. ولذا، فهو يرغب في حلّ المشاكل مع طهران بصورة ثنائية. وتوقّعت أن تُعقد الجولة المقبلة من المحادثات قريباً جدّاً، كون السعوديين بدوا مستعجلين للتوصّل إلى مثل هذا الحلّ.
• أصبحت المحادثات مع إيران الخيار الأقلّ كلفة والأكثر جدوى بالنسبة إلى ابن سلمان
عجلةٌ يظهر أن بين الأسباب الرئيسة الكامنة خلفها، عودة الولايات المتحدة إلى المفاوضات النووية مع إيران، في إطار ما يتّضح يوماً بعد يوم أنه إعادة إحياء للاستراتيجية الهادفة إلى تحويل التركيز الأميركي عن الشرق الأوسط، وتوفير جزء من الموارد المُوظَّفة فيه، لاستخدامها في أماكن أخرى. على أن تلك الاستراتيجية تقتضي، أوّلاً، تفكيك العوامل التي تفرض بقاء القوات الأميركية بحجمها الحالي في هذه المنطقة من العالم، وعلى رأس تلك العوامل حراسة أنظمة الخليج من عدو وهمي اسمه إيران. وفي هذا المجال، تعتقد إدارة بايدن أن الولايات المتحدة تأخّرت كثيراً في التوقّف عن الانجرار إلى صراعات تفتعلها الأنظمة الحليفة، التي أدمنت الحماية العسكرية الأميركية المدفوعة الثمن. وبالفعل، بدأت الإدارة الجديدة في تنفيذ الاستراتيجية المشار إليها، والتي قد تتسارع بعد تحقيق اختراق في مفاوضات فيينا. إذ إن الانسحاب من أفغانستان وتوقّف الحرب على تنظيمَي «داعش» و«القاعدة» يقلّلان الحاجة إلى القواعد الأميركية في الخليج، وذلك ما بدأ مطلع الشهر الماضي حين جرى الإعلان عن انتهاء مهمّة فرقة أميركية مكوّنة من خمسة آلاف رجل في «قاعدة علي السالم الجوّية» في الكويت، بعد سنوات من المشاركة في إدارة الحرب على «داعش».
لقد فكّر ابن سلمان بالخيار الإسرائيلي، سعياً إلى تبديل الأولويات الأميركية. ولذا عمد إلى تشجيع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان على تطبيع علاقاتها مع تل أبيب، لكن تبيّن له أن إسرائيل نفسها تبحث عن حماية في ظلّ الوضع الجديد، وتسعى بشكل محموم لدى الأميركيين، من دون نجاح، للتخلّي عن العودة إلى الاتفاق النووي. هكذا، أصبحت المحادثات مع إيران الخيار الأقلّ كلفة والأكثر جدوى بالنسبة إليه، بعد أن كانت قبل سنوات قليلة مستبعدة كلّياً من قِبَله، بل أضحت تلك المحادثات مساراً لتحقيق اختراق يُكسبه الشرعية التي ما برح يبحث عنها. ففي الداخل السعودي، تتآكل شرعية ولي العهد، بدل أن تتعزّز مع الوقت؛ ذلك أن وضع السعودية بات أسوأ ممّا كان عليه قبل تولّيه ولاية العهد، ولا سيما على المستوى الاقتصادي، وفق الأرقام التي سعى إلى تجميلها في مقابلته الأخيرة، التي بدا فيها، أيضاً، أنه أخفق في تسجيل أيّ تقدّم في مجال الحصول على مباركة الأسرة، ليَظهر بصورته الانقلابية، وكأنه ما زال في بداية الرحلة، مُهدّداً المعارضين بصورة غير مباشرة بالقتل.
• مأرب محور التركيز الأميركي: تلويح بقرار دولي لوقف تقدّم صنعاء
رشيد الحداد ــ الاخبار ــ صنعاء | لم تتجاوز التحرّكات الدبلوماسية الجديدة للمبعوثَين، الأميركي تيم ليندركينغ، والأممي مارتن غريفيث، نطاق ما تبقّى من محافظة مأرب خارج سيطرة «أنصار الله». إذ إن تلك التحرّكات التي شهدتها العاصمة العُمانية مسقط خلال اليومين الماضيين، عكَست مخاوف واشنطن ولندن، ومعهما الرياض وأبو ظبي، من تحرير مدينة مأرب. هكذا، عاد الجانب الأميركي، بعد مضيّ 100 يوم من إعلانه تعهّدات في شأن وقف الحرب على اليمن، ليس كوسيط سلام، وإنما لينوب عن قوى العدوان الإقليمية والمحلّية، في تجديد العروض الهادفة إلى وقف تقدُّم الجيش و»اللجان الشعبية» نحو مدينة مأرب، بل إن ليندركينع، الذي كان وصل إلى مسقط، قادماً من الرياض حيث التقى وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، لوّح باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار جديد يقضي بوقف العمليات في محيط المدينة.
وكرّرت العروض الأميركية الجديدة الحديث عن مطار صنعاء الذي كان «اتفاق استوكهولم» قد حسم مسألة فتحه قبل عامين، من دون أن يتمّ تنفيذ ذلك حتى اليوم. كما كرّرت الوعود نفسها بخصوص المتشقّات النفطية، فيما لم تتطرّق إلى ملفّ الأسرى والمعتقلين. وبحسب مصادر دبلوماسية في مسقط، فإن المبعوث الأميركي نقل أيضاً استعداد السعودية للتخلّي عن الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، وعن المرجعيات الثلاث التي جاء ذكرها في القرار الدولي 2216، في حال موافقة صنعاء على وقف عملياتها في مأرب، ووقف هجماتها الجوّية على الأراضي السعودية. لكن وفد صنعاء المفاوض رفض، بحسب معلومات «الأخبار»، كلّ العروض الجزئية، وأصرّ على عدم ربط الملفّ الإنساني بالملفَّين السياسي والعسكري، مطالِباً بوقف العدوان ورفع الحصار قبل الدخول في أيّ مفاوضات جديدة. كما طالب الوفد، وفق الباحث العُماني في الشؤون الدولية سالم بن حمد الجهوري، بضمانات دولية في حال الانخراط في العملية السياسية، وهو ما يشير إلى أن صنعاء تتشكّك في التحرّكات الأميركية ــــ السعودية الجديدة، وخصوصاً في ظلّ تركيزها على مأرب. وعلى عكس النبرة التصالحية التي أظهرها وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الأربعاء الماضي تجاه صنعاء، أفادت مصادر مطّلعة بأن الرياض رفضت مقترحات جديدة قدّمها وفد «أنصار الله»، تتعلّق بوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل: أوّلاً، وقف الهجمات الجوّية المتبادلة، ومن ثمّ تثبيت وقف إطلاق النار على الحدود اليمنية ــــ السعودية، ثانياً، وقبل الشروع في وقف المواجهات في جبهات الداخل، ثالثاً.
• رُفضت مقترحات جديدة قدّمها وفد «أنصار الله» تتعلّق بوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل
في هذا الوقت، وعلى رغم تسارع الجهود الأميركية الهادفة، وفق قراءة قيادة صنعاء، إلى منْح قوى العدوان فرصة لترتيب صفوفها لاستعادة ما فقدته على الأرض في مأرب، ومنْع الجيش و»اللجان الشعبية» من تحقيق انتصار كامل، تصاعدت المواجهات العسكرية في محيط المدينة خلال الساعات الماضية، وسط تقدم لقوات صنعاء في الجبهتَين الشمالية والشمالية الغربية. وبالتوازي مع ذلك، نفّذت القوة الصاروخية وسلاح الجوّ المسيّر، فجر الاثنين عملية جوّية مشتركة ضدّ الأراضي السعودية. ووفقاً للمتحدّث الرسمي باسم الجيش و»اللجان»، العميد يحيى سريع، فقد استهدفت العملية، التي استُخدمت فيها أربع طائرات مسيّرة من نوع «قاصف 2K» وصاروخان بالستيان من نوع «بدر»، مواقع عسكرية في مطار نجران الدولي، وقاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط.
وبالعودة إلى التحرّكات الأميركية، يعرب رئيس تحرير صحيفة «الوسط» في صنعاء، جمال عامر، في حديث إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأن «تلك التحرّكات يراد بها تحقيق ما لم يتحقّق بالحرب خلال السنوات الماضية»، معتبراً «أن ما تقوم به واشنطن والرياض ليس أكثر من فذلكة سياسية تخاطب الرأي العام»، مضيفاً إن «المبادرات المطروحة ليست مبنيّة على أسس واضحة وأرضية صلبة، إذ إن كلّ ما يُروّج له يسعى إلى سحب المتعاطفين مع اليمن والرافضين لمواصلة الحرب، سواء داخل مجلس النواب الأميركي أو خارجه، إلى مربّع الحياد على أقلّ تقدير، في حال الانتقال إلى مرحلة تصعيد جديد، وهذا متّسق مع ما يقدّمه المبعوث الأميركي من شهادات متحيّزة ضدّ صنعاء، وكذلك نقل السعودية من كونها قائدة الحرب ومسؤولة عن نتائجها إلى وسيط سلام، ولتحقيق هذه الغاية توارت المبادرة الأميركية لتحلّ محلّها المبادرة السعودية التي أُسندت بترحيب أممي ودولي».