كتب منير الربيع…
تتوزّع الاهتمامات اللبنانية على خطوط متعدّدة: من التفاوض في فيينا، إلى التفاوض في العراق. وبينهما تجدد مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وزيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان. وهناك التحضير لزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى باريس في 17 أيار الجاري، للمشاركة في مؤتمر إنهاء ديون السودان. وهي زيارة ينتظر لبنان أن يُبحث على هامشها في المبادرة الفرنسية وتشكيل الحكومة.
سياسة بن سلمان
والعناوين والتحركات تجسد اعتماد بن سلمان سياسة “صفر مشاكل”، واهتمامه بالمسائل السعودية الداخلية، وتهدئته الجبهات المختلفة.
وهذا ينسحب على الرؤية السعودية للمعضلة اللبنانية، ويبرر عدم الاهتمام السعودي سياسياً بلبنان، وعدم فرضها شروط أو الدخول في تسويات، بل تثبيت معادلة عدم التدخل، وترك اللبنانيين يعالجون أزماتهم وفق التزام لبنان بالقرارات الدولية، والنأي بنفسه عن الأزمات والمحاور الإقليمية، وإنجاز الإصلاحات، وعدم اعتماد سياسة تضر بدول الخليج.
النووي والحدود البحرية
وفي موازاة هذه السياسة السعودية حيال لبنان، لا بد من تسجيل تطور على خطّ العلاقات العربية والخليجية مع النظام السوري، فيما تقود موسكو عملية إحياء التفاوض غير المباشر بين النظام السوري وإسرائيل، تمهيداً لمرحلة ما بعد الانتخابات السورية.
ويرتبط لبنان بهذه السياقات والتطورات. ومنها سعي واشنطن لإنجاز الاتفاق النووي، وحاجتها لطمأنة إسرائيل لبنانياً وسورياً. والمدخل لذلك هو إنجاز ترسيم الحدود، الذي تؤكد واشنطن أنه ضروري ومستعجل، وتأخيره سلبي على لبنان. لذا تسعى أميركا إلى الانتهاء من مفاوضات الترسيم والاتفاق سريعاً، بالتوازي مع إنجاز الاتفاق النووي.
ولهذه الغاية، عقد رئيس الجمهورية لقاءات مع الوفد اللبناني المفاوض، وأكد دعمه له، ولضرورة تصحيح الحدود والحفاظ على الثروات. ولكن من غير المعروف عملياً كيف “تصحح الحدود”، وما إذا كان عون مصرّاً فعلاً على توسيعها والتفاوض انطلاقاً من الخطّ 29، أم أنه يتنازل لمطالب ديفيد هيل وإصرار واشنطن.
ولا بد من انتظار جلسة التفاوض لمعرفة كيف تسير الأمور. وهناك وجهتا نظر حول ذلك في لبنان: الموقف اللبناني قد يكون متساهلاً لإنجاز الاتفاق وتحقيق أكبر فائدة ممكنة. ووجهة النظر الأخرى تفيد أن الموقف اللبناني سيبقى متصلباً على خطّ 29، وبالتالي تطول المفاوضات، من دون الوصول إلى نتيجة.
حيرة لودريان
المسار الثالث اللصيق بالأزمة اللبنانية، هو زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان. وهناك معلومات تفيد أن جدول أعمال الزيارة لم يحسم بعد، وأن توجهات الإدارة الفرنسية متناقضة: البعض متحمس لفرض عقوبات، وبعض آخر يرفضها.
وهذا ما ينسحب على لقاءات لودريان في بيروت. البعض يقول إنه سيلتقي الشخصيات السياسية ورؤساء الأحزاب. وهناك وجهة نظر أخرى تفضّل حصر الزيارة بلقاء الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي. إضافة إلى تنظيم لقاءات في السفارة الفرنسية لبعض الشخصيات من المجتمع المدني. ويحمل لودريان رسالة واضحة: يتحمل اللبنانيون مسؤولية العرقلة، ولذلك ستلجأ فرنسا إلى خيار العقوبات.
وتشير معلومات إلى أن فشل ترسيم الحدود، وفشل المساعي الفرنسية لتشكيل الحكومة، قد يستدعي إصدار عقوبات أميركية-فرنسية مشتركة قد تنضم بريطانيا أيضاً.
لكن الأمر لا يبدو محسوم الوجهة. فهناك مصادر فرنسية تستبعد فرض عقوبات، لأنها تنعكس سلباً على المبادرة الفرنسية. وحتى لو تضج خيار العقوبات، هناك استبعاد فرنسي مطلق لفرض عقوبات على حزب الله.
وهذا لا بد من التوقف عنده ملياً، وربطه بمسار التفاوض الأوروبي-الأميركي مع إيران. فالأزمة اللبنانية ستكون حاضرة في المباحثات الفرنسية مع ولي العهد السعودي، في حال حصول الزيارة. وتفيد معطيات بأن السعودية لا تبدو متحمسة للتعاطي مع حكومة لبنانية تتشكل على الطريقة المعتمدة حالياً.
مأزق الحريري
وهذا ما تحاول بعض القوى اللبنانية، وخصوصاً رئيس الجمهورية، استغلاله لتعقيد الشروط على الرئيس المكلف سعد الحريري، ودفعه إلى الاعتذار.
وهذه سياسة العهد العوني الواضحة، وهدفها وضع الحريري أمام خيارات صعبة: الاعتذار الذي يسجل لعون انتصاراً معنوياً، ولكنه سيبقى انتصاراً موقتاً، إذ سرعان ما يظهر عجزه، ويتحمل وحده المسؤولية. أما إذا استمر الحريري على موقفه، فيجري تحميله مسؤولية الانهيار والتعطيل في حملة يشنها عليه العهد وفريقه. وفي حال قدم الحريري تنازلاً وألف حكومة بشروط رئيس الجمهورية، فإنه يفشل سياسياً. أما إذا تنازل عون للحريري (وهذا شبه مستحيل)، وتركه يشكل حكومة بشروطه، ولا تكون قادرة على تحقيق أي فرق، فإن الأزمة تنفجر وجه الحريري، ويتلقى ضربة قوية، داخلياً وخارجياً.