السعودية وإيران.. من يضغط على أرقام الهاتف أولاً؟
توفيق شومان
السؤال الإقليمي الناتج عن واقع العلاقات السعودية ـ الإيرانية، يتوزع على فرعين وعلى الشكل التالي: هل اضطراب تلك العلاقات يخدم مصالح المنطقة؟ الإجابة: لا، هل التقارب بين الطرفين يُريح شعوب المنطقة؟ الإجابة: نعم. على إيقاع المعطيات الإيجابية التي بدأت دوائرها تتوسع منذ الكشف عن لقاء التاسع من نيسان/ ابريل الفائت، بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين في بغداد ـ ولم يكن الأول بين الجانبين ـ تبدو الرياض وطهران متجهتين نحو تطبيع متسارع للعلاقات الثنائية، وبصورة تدفع إلى التوقع بأن هاتفاً ما قد يرن في إحدى العاصمتين ليسأل حامل الهاتف نظيراً له في الطرف الآخر: كيف أحوالكم؟ عساكم بخير؟. هذا المشهد كان يمكن توقعه في أوائل العام 2020، حين حطّ الجنرال قاسم سليماني في مطار بغداد حاملاً رسالة إلى السعودية، وفق ما كشفه عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي السابق في الخامس من كانون الثاني/يناير 2020، وقال “للتاريخ أذكر ذلك”، لكن رعونة وحماقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أفضت إلى اغتيال سليماني ومبادرته السلمية، وهذا ما لاحظه اليكس فيشمان كبير المحللين العسكريين في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية (10 ـ 1ـ 2020) بقوله إن اغتيال سليماني “جاء بهدف إحباط التقارب السعودي ـ الإماراتي ـ الإيراني”. الآن، تبدلت الأحوال، وعدا عن لقاء التاسع من نيسان/ إبريل، أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في السابع والعشرين من الشهر عينه مواقف إيجابية غير مسبوقة تجاه إيران فقال “إن إيران دولة جارة ونريد علاقات طيبة معها، ونريد لإيران أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة لدفع المنطقة والعالم للنمو والإزدهار”. بطبيعة الحال لا يأتي تغيير الأحوال بومضة برق ولا بلمحة عين، ولكن مراقبة “دبلوماسية الرسائل الطائرة” المنطلقة مرة من طهران، ومرة من الرياض، وفي كل يوم تقريباً من بغداد، توحي بأن السبيل إلى “انكشاف الغطاء”، على ما يقول أهل التصوف والعرفان، لم تعد أبوابه مقفلة بين السعودية وإيران، بل إن ما يطفو على السطح من وقائع ومواقف ومعلومات، ليس سوى رأس الجبل الذي بات ظاهراً للجميع، وإلا ما كانت انعقدت لقاءات بغداد ولا يجري حديث عن لقاء جديد مرتقب، ولا أطلق ولي العهد السعودي موقفاً من دخان. ما الذي يدفع إلى هذا الإستنتاج؟ هذا سؤال متعدد الإجابات استناداً إلى تعدد الأمكنة وهي ثلاثة: بغداد وطهران والرياض، حيث “الإشارات والتنبيهات” الصادرة منها، تدل إلى أن العلاقات الإيرانية ـ السعودية دخلت مرحلة الإنتقال من التسخين إلى التبريد وصولا إلى طموح التطبيع، وهذه الإشارات يمكن إلتقاطها من خلال الأصداء الإيجابية لمواقف وآراء تنطلق من العواصم الثلاث على الشكل التالي: من بغداد أولاً: – في السابع والعشرين من نيسان/إبريل المنصرم، أكد وزير خارجية العراق فؤاد حسين في حوار تلفزيوني بثته قناة “العراقية” أن العراق “يدفع باتجاه تقريب وجهات النظر بين دول الخليج وإيران”. ما يطفو على السطح من وقائع ومواقف ومعلومات، ليس سوى رأس الجبل الذي بات ظاهراً للجميع، وإلا ما كانت انعقدت لقاءات بغداد ولا يجري حديث عن لقاء جديد مرتقب، ولا أطلق ولي العهد السعودي موقفاً من دخان – في الثامن والعشرين من الشهر ذاته، نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مصدر سياسي عراقي قوله “إن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، ناقش خلال لقائه مع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، موضوع وساطة العراق بين إيران والسعودية، مؤكداً أن العراق تحول للعب دور الوسيط بين البلدين”. – في اليوم نفسه، قال حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء العراقي لقناة “العراقية” إن جدران الصراع في المنطقة بدأت تتكسر، وإن مصطفى الكاظمي يرعى وساطة بين السعودية وإيران قد تُنهي صراعاً عمره 31 عاماً. – في الثلاثين من نيسان/إبريل أيضا، أوردت وكالة الأنباء العراقية (واع) تصريحاً للمتحدث بإسم وزارة الخارجية احمد الصحاف جاء فيه “أن السياسة الخارجية العراقية تنتهج رؤية تركيز التوازن والإستقرار وتعمل على دعم مسارات الحوار بين الأطراف على مستوى المنطقة”، وبحسب الوكالة نفسها، رأى النائب مثنى أمين “ان العراق يُعد جسراً للتقارب بين إيران والسعودية، وأن طهران والرياض على استعداد لإنهاء الخصومة”. من طهران ثانياً: – في الثلاثين من نيسان/إبريل 2021، أفاد موقع “روسيا اليوم” أن اسحق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني قال في حوار عبر تطبيق “كلوب هاوس” إن إيران “تريد التوصل إلى تفاهم مع السعودية بشكل عاجل، ولإيران دور كبير وهام في حل الملفات الإقليمية ولا بد من احترام هذا الدور”. – في التاريخ نفسه، نقلت وكالة “إرنا” الرسمية عن محمود واعظي، مدير مكتب الرئاسة الإيرانية، قوله “إن تطوير العلاقات بين ايران والسعودية يخدم مصالح المنطقة وبإمكانه أن يكون مؤثراً في التغلب على الكثير من التوترات والتحديات غير الضرورية”، وعلى ما يقول واعظي “لقد أعلنا دوما خلال الأعوام الماضية بأننا مستعدون للتعاطي مع الدولة الجارة السعودية وما زلنا ثابتين على هذا الموقف في سياق الإبتعاد عن التوتر وتقوية التعاون وتوسيع أجواء الحوار”. – تعليقا على مواقف ولي العهد السعودي، قال المتحدث باسم الخارجية الايرانية سعيد خطيب زادة (قناة “العالم” 29ـ4 ـ2021) “نرحب بتغيير اللهجة السعودية تجاه ايران وندعو الى بدء فصل جديد من العلاقات بين البلدين، إن إيران والسعودية بلدان مهمان في المنطقة والعالم الإسلامي وحل خلافاتهما سيصب في مصلحة الجميع”. إقرأ على موقع 180 كفى إنتظاراً للخارج، هل يريد قادة لبنان الإصلاح؟ وكان زادة، قد أعلن في الثاني والعشرين من الشهر الماضي (وكالة “فارس نيوز”) أن من “مصلحة ايران والسعودية وكذلك الإستقرار والسلام الإقليمي، التوصل الى طريق لحل وتسوية الخلافات بينهما”، وأشار إلى أن دولاً عدة “بالمنطقة وخارجها، منها العراق والكويت وباكستان والصين والمانيا تسعى لإطلاق حوار بين طهران والرياض”. ظريف: “المنطقة ذاهبة إلى تسويات وتهدئة، وجرت في الفترة الأخيرة لقاءات واتصالات ناجحة بين السعودية وإيران بالإضافة الى الجانب الإماراتي، وقد تم قطع شوط كبير حول ذلك” من الرياض ثالثاً: في إطار تحليل مواقف ولي العهد السعودي الداعية إلى انفراج العلاقات مع إيران، ذهبت وسائل الإعلام السعودية إلى الترحيب بما أسمته “المبادرة الحكيمة”، ولعل جولة على بعض التحليلات والآراء الواردة في الصحافة المطبوعة، توجز المناخ العام: – كتب جميل الذيابي في صحيفة “عكاظ” (28 ـ4 ـ2021) “كان الأمير محمد بن سلمان مقداما في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية السعودية، خصوصاً الإختلافات مع الحليف الأميركي، وطبيعة العلاقات المنشودة مع الجارة إيران”. – كتبت منى يوسف حمدان في صحيفة “المدينة” (30 ـ4ـ2021) الآتي: “ما أروع حكمة القائد الملهم عندما تحدث عن إيران، وأوجز وأصاب بكلمات منطقية وحكيمة: هي دولة جارة ونطمح أن يكون لنا معها علاقة جيدة، نظرة إيجابية بعيداً عن السواد والكراهية والحقد، لأننا عمار للأرض نريد السلام والتعايش والإستقرار للمنطقة”. – رأى نايف آل زاحم (30 ـ4 ـ2021) في صحيفة “الرياض” أن محمد بن سلمان قدم في ملف العلاقة مع إيران “رسائل إيجابية عديدة توضح بجلاء حرص المملكة من منطلق مسؤوليتها كدولة قائدة ورائدة في المنطقة على تحقيق كل مقومات الإستقرار والسلام لمحيطها “. – أدرجت صحيفة “الشرق الأوسط” مقالتين بتاريخ 1 ـ 5 ـ2021، الأولى لزهير الحارثي يقول فيها إن الرياض وطهران “هما اللاعبان البارزان في المنطقة، ولهما ثقلهما الإقليمي ما يعني أن ثمة ضرورة لتنقية شوائب العلاقة بينهما، الإرتهان إلى لغة العقل والحوار والتوافق والموضوعية في حل هذه الملفات أو تبريدها على الأقل، يقتضي تعاوناً استراتيجياً مشتركاً”، والثانية لإميل أمين وصف فيها ما قاله بن سلمان عن الطموح بأن يكون لإيران والسعودية مصالح متبادلة “بأن هذا التصريح يعكس أمراً مهماً، وهو المرونة في التفكير، من غير تكلُّس سياسي أو تشدد هوياتي غير نافع”. – في صحيفة “اليوم”، رأى صالح المسلم، في مواقف بن سلمان “رسالة قوية ومهمة لإيران، نريد الأمن والإستقرار للمنطقة لنعيش بسلام لكي نلتفت للإبداع والصناعة والإنتاج، بدلا من الحروب والنزاعات وخلق الفتن والفوضى”. – في صحيفة “الجزيرة” السعودية، لاحظت مها محمد الشريف (2 ـ 5 ـ2021) أن ولي العهد “أوضح بجلاء حرص المملكة على تحقيق السلام والإستقرار بالمنطقة عندما تحدث عن إيران والحوثي، وقال لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو”. هل يمكن أن يستيقظ العالم ذات صباح على أخبار تقول إن مسؤولاً إيرانياً زار الرياض أو مسؤولاً سعودياً زار طهران؟ بعد كل ما تقدم ذكره يطرح السؤال نفسه: إلى أين؟ إلى الإنفراج على ما يبدو ويظهر، وقد يكون من المهم التمعن في هذه الثلاثية من المواقف: ـ محمد بن سلمان: “لدينا إشكاليات مع ايران ونعمل مع شركائنا في المنطقة والعالم لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات”. ـ سعيد خطيب زاده: “من جانب إيران كانت هناك جهود على الدوام لخفض التوتر ويمكن القول انه برزت مؤشرات ايجابية من جانب السعودية في هذه السياق مؤخراً”. ـ محمد جواد ظريف: “المنطقة ذاهبة إلى تسويات وتهدئة، وجرت في الفترة الأخيرة لقاءات واتصالات ناجحة بين السعودية وإيران بالإضافة الى الجانب الإماراتي، وقد تم قطع شوط كبير حول ذلك”، بحسب ما نقل موقع “عراقي 24” عن “مصادر عليمة” وأعاد موقع “جاده إيران” نشره في الأول من أيار/ مايو الجاري، بعنوان “كواليس لقاء ظريف بالقيادات الشيعية في العراق”. هل يمكن أن يستيقظ العالم ذات صباح على أخبار تقول إن مسؤولاً إيرانياً زار الرياض أو مسؤولاً سعودياً زار طهران؟ ليس هذا المشهد من الضرورات، بل ربما ما زال من المحظورات، ولكن إذا تمت الإستعانة بما يقوله ماو تسي تونغ من أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، فمسيرة العلاقات الإيرانية ـ السعودية قطعت خطوات. بل أكثر من خطوات، هي قطعت شوطاً وربما أشواطاً. ذاك ما تتحدث به مناخات طهران، وذاك ما تقوله أجواء الرياض، وذاك ما تتكلم عنه طقوس بغداد التي تستعد لإستضافة “مائدة جديدة” من الحوار بين السعودية وإيران.