ملاك عقيل
بالتزامن مع مؤشّرات التقدّم على خطّ المفاوضات النووية في جنيف، والحراك السعودي – الإيراني في بغداد، والمحادثات الأميركية – الإسرائيلية في واشنطن، يصل اليوم إلى بيروت رئيس الوفد الأميركي، الوسيط في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، جون ديروشيه، ممهّداً لاستئناف المفاوضات غداً في الناقورة غداة الإعلان الرسمي الأميركي عن ذلك، وبعد أسبوعين من زيارة مساعد وزير الخارجية ديفيد هايل.
وفيما سيقوم الوسيط الأميركي بجولات على المسؤولين اللبنانيين، توضح مصادر مطّلعة على ملفّ الترسيم البحري أنّ زيارة ديفيد هايل الأخيرة للبنان، التي تمّت بناءً على طلب السفيرة الأميركية دوروثي شيا “”سرّعت في مسار استئناف التفاوض، بعدما كانت الأمور تتّجه صوب تعديل المرسوم 6433. فقد شعر الأميركيون أنّ الملف يفلت من بين أيديهم. وعمليّاً رضخت السلطة السياسية للطلب الأميركي بعدم توقيع المرسوم، وهو ما مهّد لاستئناف التفاوض، الذي تريده إسرائيل بأسرع وقت، مع قرب وصول الباخرة اليونانية “إنرجين” لبدء التنقيب في حقل كاريش المتنازع عليه مع لبنان”.
، توضح مصادر مطّلعة على ملفّ الترسيم البحري أنّ زيارة ديفيد هايل الأخيرة للبنان، التي تمّت بناءً على طلب السفيرة الأميركية دوروثي شيا “”سرّعت في مسار استئناف التفاوض، بعدما كانت الأمور تتّجه صوب تعديل المرسوم 6433
هذا التفسير تدحضه أوساط رئاسة الجمهورية بالتأكيد على أنّ “القرار بعدم توقيع تعديل المرسوم وفق صيغة الموافقات الاستثنائية، التي طبعت مرحلة تصريف الأعمال، متّخذٌ سلفاً قبل مجيء ديفيد هايل إلى لبنان. وهو قرار يتوافق مع الموجبات الدستورية والسيادية، ولا يغيّر مساره سوى اجتماع مجلس الوزراء وتوقيعه على المرسوم”.
وتضيف المصادر: “منذ لقاء رئيس الجمهورية الوسيط الأميركي ديروشيه في 2 كانون الأول الماضي، عقب توقّف مفاوضات الناقورة، وبعد سماعه تأكيداً من الأخير أنّ الإصرار على الخطّ 29 سيجمّد المفاوضات لفترة طويلة، كان موقف الرئيس عون واضحاً لجهة ضرورة استمرار المفاوضات مع أو من دون الخط 29، على أن تبحث هذه الأمور التقنية والاقتراحات على طاولة المفاوضات. وفي تلك الجلسة، تحديداً، طرح عون التحكيم الدولي في النزاع البحري القائم، لكنّ هذا الأمر يحتاج إلى موافقة الطرفين، ولذلك لم يؤدِّ إلى نتيجة آنذاك، وقد أعاد الرئيس طرحه قبل أيّام”.
وتجزم المصادر أنّ “توقيع عون على تعديل المرسوم 6433 لا يزال قائماً، لكن وفق الأصول الدستورية، أي عبر مجلس الوزراء، مع ضرورة توفير توافق وطني عليه”، مؤكّدةً أنّ عون “قد يذهب أبعد من الخط 29. فالخط ليس المشكلة، وهذه أمور تقنية من مُهِمّة الجيش، لكنّ المهمّ مراعاة الأصول”.
وحيال اقتراح باسيل توسيع الوفد المفاوض ليتّخذ طابعاً سياسيّاً – عسكرياً، تكشف المصادر أنّ “رئيس الجمهورية طالب بتوسيع الوفد قبل بدء التفاوض في تشرين الأوّل الماضي، لكنّ فريقاً داخليّاً اعترض على ذلك. ولا قرار حتّى الآن بالذهاب نحو هذا الخيار”.
ووفق المعلومات، يلتقي رئيس الجمهورية، اليوم، الوفد المفاوض برئاسة العميد بسام ياسين، والمؤلّف من العقيد البحري مازن بصبوص والخبير نجيب مسيحي ووسام شباط، “لأخذ التوجيهات” والتداول في استراتيجية التفاوض في ضوء التطوّرات الأخيرة.
وعلم “أساس” أنّ “أعضاء الوفد المفاوض عقدوا اجتماعاً يوم السبت على مدى خمس ساعات تقريباً أُعدّت خلاله كل السيناريوهات والاحتمالات، التي يمكن أن يطرحها الوفد الإسرائيلي، وأعادوا تثبيت استراتيجية التفاوض بالتمسّك بالخط 29 كخط تفاوضي لتحصيل حقّ لبنان بما يتجاوز الـ 860 كلم مربعاً. وفي النتيجة، سينطلق لبنان من النقطة نفسها التي توقفت عندها المفاوضات”.
أكثر من خمسة أشهر من توقّف التفاوض طغى خلالها الاشتباك اللبناني الداخلي حول الخطّ 29 على جوهر الصراع الحدودي البحري مع العدوّ الإسرائيلي.
وكانت النتيجة عودة الرعاية الأميركية لترسيم الحدود البحرية جنوباً من دون تدعيم موقف وفد التفاوض اللبناني بتعديل المرسوم 6433 ممهوراً بتوقيع الحكومة أو بصيغة الموافقة الاستثنائية بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة.
وتعديل المرسوم كان سيشكّل ورقة قوّة في التفاوض الصعب بين الجانبين، لأنّه يثبّت حقّ لبنان بمساحة إضافية تصل إلى 1430 كلم مربعاً تُضاف إلى المنطقة المتنازع عليها (860 كلم مربعاً)، ليصبح مجموع المساحة على طاولة التفاوض 2290 كلم مربعاً.
علم “أساس” أنّ “أعضاء الوفد المفاوض عقدوا اجتماعاً يوم السبت على مدى خمس ساعات تقريباً أُعدّت خلاله كل السيناريوهات والاحتمالات، التي يمكن أن يطرحها الوفد الإسرائيلي، وأعادوا تثبيت استراتيجية التفاوض بالتمسّك بالخط 29 كخط تفاوضي لتحصيل حقّ لبنان بما يتجاوز الـ 860 كلم مربعاً
لا بل أكثر من ذلك، فقد طَرَح الرجل الأقرب إلى رئيس الجمهورية جبران باسيل، عشيّة المفاوضات التي تحرّكت مياهها الراكدة بفعل الحسابات الأميركية الإسرائيلية أوّلاً، اقتراح توسيع الوفد اللبناني ليشمل التفاوض مع إسرائيل وسوريا وقبرص ونسف صيغته “العسكرية” الحالية.
وقد بدا لافتاً عدم صدور أيّ ردّة فعل أو مواقف بعد مؤتمر باسيل الأخير، الذي طرح فيه أكثر من نقطة إشكالية، كتوسيع الوفد المفاوض، والأخذ بالخطّ بين هوف والخطّ 29، وإهمال الخطّين 1 و23، والركون إلى خبراء دوليّين في الترسيم، وطرح اقتراح الآبار المشتركة مع إسرائيل، فيما يجزم العارفون أنّ “رسائل باسيل دخلت في إطار الأخذ و”العطى” مع الأميركيّين سبيلاً لرفع العقوبات عنه”.
وفي هذا السياق، تقول مصادر مطّلعة على ملف الترسيم إنّ “كلام باسيل لا قيمة له، وتأخّر كثيراً. إذ كان يمكن أن يكون ذا معنى قبل بدء التفاوض. مع العلم أنّ باسيل تجاوز حدوده في طرح الاقتراحات على قاعدة “أنا هنا”. فكلّ المعطيات باتت سابقة لمطالعته”، مشيرةً إلى أنّ “تعديل الوفد والتغيير في هويّته مشروع أزمة سياسية كبيرة، ومن يفتّش على “مشكل” داخلي إضافي فإنّه لا يريد المفاوضات”.
وتؤكّد المصادر أنّ “الملفّ اليوم حصراً بيد الجيش، وحين يخرج من يد المؤسسة العسكرية وينتقل إلى القوى السياسية غير المتّفقة في ما بينها، أصلاً، على أيّ شيء، فهذا الأمر كفيلٌ بإدخال ثروتنا النفطية في متاهات سياسية خطرة. فيما قد يكون هذا الملفّ الوسيلة الوحيدة للإنقاذ من الداخل، بغضّ النظر عن “الشحادة” من الخارج”.
وتضع المصادر المطالبةَ بخبراء دوليّين من جانب عون وباسيل في إطار “التشكيك في النتيجة التي توصّل إليها الجيش عبر الدراسة التقنية، والمتوافقة مع القانون الدولي وقانون البحار والدراسة البريطانية ورأي الخبير نجيب مسيحي”، مؤكّدةً أنّ “هذا المطلب أتى بعد تثبيت لبنان حقّه على طاولة التفاوض، فيما تعذّر على الإسرائيلي الردّ بالحجّة العلميّة والتقنيّة”.
وتضيف المصادر: “في تاريخ المنطقة والتحكيم الدولي، ومن أيام الانتدابين الفرنسي والبريطاني، لم يحكم الخبراء الدوليّون إلا لمصلحة إسرائيل. فماذا لو أتى هؤلاء وأعطوا رأياً مخالفاً للمصلحة اللبنانية، وأودعوه الأمم المتّحدة؟”.