المواد المدعومة من لبنان إلى سوريا هو أحد أكثر أوجه مزاريب الفساد الذي يضرب هيبة الدولة ويبخر المال العام. ولأن ملف التهريب أصبح محط اهتمام دولي، وحتى إسرائيلي، كشف مركز “ألما للبحوث والتعليم” الإسرائيلي عن استخدام حزب الله شبكة من شركات الوقود اللبنانية لتهريب الوقود بشكل غير قانوني، من لبنان إلى نظام الأسد في سوريا، في خرقٍ صريح للعقوبات الدولية.
دور الأشقاء الثلاثة
المركز الإسرائيلي الذي يقع في منطقة الجليل شمال إسرائيل، ويبحث في التحديات الأمنية على الحدود الشمالية للدولة العبرية، سّلط الضوء في تقريره الجديد، على دور الأشقاء الثلاثة، أوسكار وأنطونيو وإدغار يمّين، في مساعدة حزب الله بعمليات التهريب.
الثلاثة يملكون شركة “ليكويغروب” القابضة، التي تضم شركتيّ “ليكويغاز” و”كورال أويل”، وينحدرون من زغرتا شمال لبنان. ويسرد التقرير في مقدمته ما يعتبر أنها حقائق دامغة كالآتي: “بناءً على النتائج التي تم جمعها خلال هذا البحث، يبدو أن الأشقاء يمّين، والشركات الخاضعة لسيطرتهم، ما هم إلّا جناح مدني يعمل نيابة عن مصالح حزب الله في سوق الطاقة اللبنانية”.
وحسب الرائد (احتياط) طال بيري، مدير قسم البحوث في مركز “ألما للبحوث والتعليم”، يرتبط الأشقاء الثلاثة برئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، حليف حزب الله الأبرز على الساحة المسيحية. وخلال فترة عمله في الحكومات المتعاقبة، اتُهم باسيل بالتصرف نيابة عن عائلة يمّين، والانخراط في علاقة “أخذ وعطاء” معهم.
وقود لبنان في سوريا!
متحدثاً عن عمليات التهريب، يقول بيري في التقرير: “يمارس أوسكار يمّين بصفته رئيس مجلس إدارة “ليكويغروب”، السيطرة على شركتيّ “ليكويغاز” و”كورال أويل”. وتقوم الشركتان المذكورتان باستيراد وتخزين ونقل النفط والوقود في جميع أنحاء لبنان. وحسب استنتاجاتنا، تحتكر الشركتان سوق الطاقة اللبنانية رغم امتلاكهما ثلث سوق الوقود، وهذا الاحتكار يخدم مصالح حزب الله”.
ووفق التقرير الإسرائيلي، يتحكم الأشقاء يمّين في “ليكويغاز” منذ عام 2005. وتُعتبر هذه الشركة المستورد الحصري لمنتجات الوقود من شركة طاقة كبرى موجودة في الخارج. وإحدى الطرق التي يعمل بها المخطط هي تهريب الوقود من لبنان، الذي يعاني من شّحٍ مزمن في الوقود، إلى نظام الأسد، في انتهاكٍ للعقوبات الدولية.
ويضيف بيري معقباً “لدينا شريط فيديو يظهر قوافل من شاحنات وقود “كورال” متجهة من لبنان إلى سوريا. تقييمنا يدّل أن أكثر من 3 ملايين ليتر من الوقود تذهب من لبنان إلى سوريا يومياً. وبذلك تستورد سوريا 90 في المئة من احتياجاتها من الوقود من لبنان. وبالخلاصة، معظم الوقود في لبنان يذهب إلى سوريا. ومعظم هذه العملية تتم تحت سيطرة حزب الله، ما يكسبه الكثير من المال”.
دعم القاعدة الشعبية
وحسب تقرير “ألما”، يفرض الاتحاد الأوروبي حظراً نفطياً على نظام الأسد كجزء من عقوبات واسعة النطاق، بينما عطل قانون “قيصر” الأميركي واردات الوقود الضرورية إلى سوريا. وفي غضون ذلك، تقوم إيران بتصدير نفطها بشكل غير قانوني إلى سوريا، كجزء من قناة تمويل حزب الله، ما يدفع إسرائيل للجوء إلى عملياتٍ أمنية لتعطيل هذا التهريب.
وهكذا، بينما يُشترى الوقود ظاهرياً للسوق اللبنانية، يمرر حزب الله جزءاً كبيراً منه إلى سوريا. أما الجزء المتبقي فيذهب إلى قاعدته الشعبية من الشيعة اللبنانيين الذين يتركزون إلى حدٍ كبير في جنوب لبنان، وكذلك في جنوب بيروت ووادي البقاع.
من هنا، يقول بيري “كانت هناك عملية كبيرة قام بها حزب الله في كانون الثاني المنصرم، في سهل البقاع، لتوزيع مادة المازوت كهدية للسكان الشيعة في المنطقة. نحن نتحدث عن كميات تُقدّر ب 3.7 مليون لتر من المازوت ذهبت إلى 21 ألف عائلة شيعية في سهل البقاع، بمعدل 200 لتر لكل أسرة. ونحن نقدر أن هذه الخطوة كانت بقيمة 2.5 مليون دولار من الوقود”.
أضاف: “قام حزب الله بتسويق هذا الحدث برمّته محتفياً به تحت عنوان حزب الله يعتني بالناس. وادعى أنه يرعى السكان خلال شتاء لبنان القاسي، ويساعدهم في تدفئة منازلهم”.
وكمثال آخر، تحدث بيري عن شركة “الأمانة” للمحروقات، التي تخضع لعقوبات أميركية منذ شباط 2020 بسبب علاقاتها مع حزب الله. وتدير هذه الشركة عشرات محطات الوقود خصوصاً في المناطق الشيعية في لبنان. ولفت بيري إلى ذلك بقوله: “في بحثنا، تمكنا من تحديد صور إحدى محطات الوقود هذه المرتبطة بـ”كورال”. ليس واضحاً ما إذا كانت شركة “الأمانة” قد اشترت محطة الوقود من “كورال”، أو ما إذا كانت “الأمانة” تديرها ولكنها ما زالت مملوكة من “كورال”. ومهما يكن من أمر، ففي كلتا الحالتين، من المحتمل جداً أن تكون هناك علاقة عمل بين الشركتيّن”.
التهريب إلى إسرائيل
هذا، وأشار مركز “ألما للبحوث والتعليم” في تقريرٍ منفصل في شهر نيسان 2021، إلى أن تهريب المخدرات من لبنان إلى إسرائيل يخدم حزب الله كمنصة لجمع معلومات استخبارية أولية عن منطقة العمليات وفحص مسار عمل قوات الجيش الإسرائيلي وردودها.
وجاء في التقرير أن نتائج جهود التهريب يحللها حزب الله ليبني عليها بالتخطيط للعمليات العسكرية المحتملة في المستقبل على شكل هجمات تكتيكية ضد إسرائيل في منطقة الحدود. يُضاف إلى ذلك نقل الحزب الأسلحة والمخدرات كبديل مالي للمتعاونين الحاليين والمتعاونين المحتملين في الأراضي الإسرائيلية