تسريبات ظريف.. نووية أم رئاسية؟

سميح صعب

 إنشغلت إيران في الأيام الأخيرة بالتسريب الصوتي لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي انتقد فيه القائد السابق لـ”فيلق القدس” في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني لأنه كان يقدِّم “الميدان” على “الديبلوماسية”. ومع أن المضمون لا يكشف سوى ما هو معروف عن العلاقة الحذرة بين الرجلين، فإن التوقيت كان العنصر الأبرز في هذا التسريب.

بينما كان ظريف يتلو سورة الفاتحة في المكان الذي اغتيل فيه قاسم سليماني بطائرة أميركية مسيرة بأمر من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قرب مطار بغداد في 3 كانون الثاني/ يناير 2020، كان موقع “إيران إنترناشيونال” المعارض الذي يتخذ لندن مقراً له وصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية ينشران مقاطع من مقابلة أجراها الإقتصادي الإيراني سعيد ليلاز مع ظريف في شباط/ فبراير الماضي، على أساس أن تُحفظ في الأرشيف الحكومي ولا تُنشر إلا بعد إنتهاء ولاية حكومة الرئيس حسن روحاني في 18 حزيران/ يونيو المقبل. في التسريب الصوتي الذي مدته 3 ساعات يتحدث ظريف عن سليماني ويقول عنه أنه “ضحّى بالديبلوماسية من أجل العمليات الميدانية للحرس الثوري”. ويضيف أن سليماني ذهب إلى موسكو عام 2015 من أجل إقناعها بعدم التوقيع على الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول 5+1. وذهب ظريف أبعد ليقول إن روسيا أيضاً كانت ضد الإتفاق لأنها كانت تخشى أن يقود الإنفتاح الإقتصادي إلى ذهاب إيران إلى حضن الولايات المتحدة. وطاولت شظايا التسريبات، وزير الخارجية الأميركي جون كيري شريك ظريف في المفاوضات النووية، حيث قال إن الأخير هو الذي أبلغه بشن إسرائيل 200 غارة على مواقع إيرانية في سوريا. طبعاً، كيري سارع إلى نفي ما يعتبر إفشاءً للأسرار الأميركية عن نشاط إسرائيل ضد إيران في سوريا. التسريبات أربكت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني في وقت يخوض نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مفاوضات صعبة في فيينا مع القوى الدولية الأخرى الموقعة على الإتفاق النووي، في محاولة لإحيائه بعدما ترنح تحت عبء حملة “الضغط الأقصى” الأميركي التي أطلقها دونالد ترامب عام 2018، والتحرر التدريجي لإيران من الإتفاق وصولاً إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة بعد تفجير نطنز في نيسان/ أبريل الماضي، أي أقل بـ30 في المئة فقط من عتبة “التفجير النووي”. ورأى روحاني في التسريب “مؤامرة” لإجهاض المفاوضات النووية في فيينا. ودافعت وزارة الخارجية عن “صداقة طويلة الأمد” بين ظريف وسليماني، وأكدت أن التسريب مجتزأ من أصل سبع ساعات هي مدة المقابلة الأصلية والتي كان الهدف منها “حفظها في الذاكرة التنظيمية للحكومة ولم يكن من المقرر نشرها”. أما ظريف نفسه فقال “دعونا لا نعمل من أجل التاريخ.. دعونا نخشى من الله والناس”. 

ماذا لو حصل إختراق في مفاوضات فيينا، وتم التوصل إلى اتفاق على رفع العقوبات الأميركية مقابل العودة إلى امتثال إيران ببنود الإتفاق؟ ألا يُنعش ذلك آمال الإصلاحيين بامكان وصول شخصية منهم أو على الأقل شخصية من خارج التيار المتشدد إلى الرئاسة؟

وانتهزت وسائل الإعلام التابعة للتيار المتشدد في إيران التسريب لشن حملة عنيفة على ظريف وعلى سجله وصولاً إلى التذكير بأنه نال شهادة الدكتوراه في الولايات المتحدة، في معرض التشكيك بسياساته منذ تسلمه وزارة الخارجية عام 2013، بينما يركز مسلسل تلفزيوني إيراني يمولّه المتشددون بعنوان “غاندو” على شخصية جاسوسية فيها الكثير من الإسقاطات على ظريف. لم يكن الهدف من التسريب فقط التصويب على مفاوضات فيينا التي يعارضها المتشددون وفق ما قال روحاني، وإنما أيضاً القضاء على أي إحتمال لظريف بالترشح للإنتخابات الرئاسية، علماً أن الأخير طالما نفى بشدة عزمه على الترشح للإنتخابات. ويشي المناخ السائد في إيران، وقياساً على انتخابات مجلس الشورى في العام الماضي، أن المتشددين هم في طريقهم إلى الرئاسة أيضاً هذا العام، مستفيدين من جو التعبئة الذي أحدثته العقوبات الأميركية ضد إيران. لكن ماذا لو حصل إختراق في مفاوضات فيينا، وتم التوصل إلى اتفاق على رفع العقوبات الأميركية مقابل العودة إلى امتثال إيران ببنود الإتفاق؟ ألا ينعش ذلك آمال الإصلاحيين بامكان وصول شخصية منهم أو على الأقل شخصية من خارج التيار المتشدد إلى الرئاسة؟ تشير التحليلات إلى أنه في حال التوصل إلى اتفاق في فيينا، فإن ظريف الديبلوماسي المحترف، قد يغامر بخوض الإنتخابات الرئاسية مراهناً على حاصل كبير من الإيرانيين المنهكين من العقوبات. وهنا يكون التسريب الذي يُظهر ظريف منتقداً لسياسات الحرس الثوري، بمثابة رسالة إلى الإصلاحيين لمساندته في معركته مع تيار التشدد، برغم أنها لعبة محفوفة بالمخاطر، وفق الصحافي من أصل إيراني جيسون رضائيان في صحيفة “الواشنطن بوست”، معتبراً أن الهدف هو “تعزيز صورة ظريف المتردية من خلال إبعاد نفسه عن النظام، مقدمة لترشح محتمل للإنتخابات الرئاسية، أو على الأقل، النأي بنفسه عن المحاسبة في الداخل والخارج”. ويتفق مع هذا الرأي الباحث في المجلس الأميركي-الإيراني سينا طوسي في مقال نشره في موقع مجلة “فورين بوليسي” وجاء فيه:”إذا عادت الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي ورفعت العقوبات عن إيران، فإن إرث روحاني الذي تعرض للتدمير قد تتم استعادته بنسبة مقبولة. وأولئك الذين يعتبرون شركاء لروحاني في الإتفاق، وبينهم ظريف، سيكون لديهم رأسمالاً سياسياً أكبر قد يصل إلى درجة الترشح للإنتخابات في حال إحياء الإتفاق”.

وبما أن المشهد الإنتخابي الإيراني لم يعد بعيداً، وفي الوقت الذي تلوح بوادر إنفراج من فيينا (باكورتها إعلان طهران أمس (السبت) التفاهم على رفع العقوبات عن عدة قطاعات إيرانية)، فإن كل الإحتمالات تبقى واردة. ويبدأ تسجيل المرشحين للإنتخابات في 11 أيار/ مايو الجاري، وبعد خمسة أيام يدقّق مجلس صيانة الدستور في الأسماء في عملية تستغرق حتى 26 أيار/ مايو، لتبدأ بعدها الحملات الإنتخابية. ومن الطبيعي أن تكون فيينا بنتائجها، سلباً أم إيجاباً، في صلب هذه الحملات، إستعداداً للإنتخابات المقررة بعد 47 يوماً من الآن.

Exit mobile version