لا يزال التخبّط السياسي على حاله في لبنان، فعلى الرغم من الإيجابيّات التي يُشيّعها البعض في ما يتعلّق بموضوع تأليف الحكومة، إلّا أن واقع الحال لا يشي بحلول تُلامس حدّ الذهاب إلى عملية تأليف في المدى المنظور، خصوصاً في ظل “تمترس” البعض خلف مواقف وأفكار، تؤكد أن كل المساعي والمبادرات سواء الخارجية أو الداخلية، لم تكن سوى مضيعة للوقت، بدليل أن جميعها سقطت بعدما عجزت عن تخطّي حاجز الإستعلاء السياسي والحزبي والطائفي.
“حركة بلا بركة”، هكذا يُطلق البعض في لبنان على زيارات الوفود اللبنانية إلى موسكو والتي كان آخرها زيارة رئيس “التيّار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي أُشيع مُسبقاً بأنه لم يحمل معه ملف تأليف الحكومة، وأن البحث مع الروس سوف ينحصر بموضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وأيضاً في ملف اللاجئين السوريين في لبنان، إنطلاقاً من المُبادرة الروسية التي كانت طُرحت منذ أكثر من عامين، قبل أن تعود وتتوقّف بسبب المعوقات التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية، ومعها عدد من الدول الأوروبية. المؤكد، أن زيارات المسؤولين اللبنانيين إلى روسيا تأتي في مرحلة صعبة يعيشها لبنان منذ حوالي السنتين، لكنها في المقابل، لم تُفضي إلى نتائج ملموسة يُمكن أن تؤسّس لمرحلة جديدة من التعاطي السياسي بين المعنيين الرئيسيّين في عملية تأليف الحكومة، من هنا، تُشير مصادر سياسية بارزة، إلى أن الزيارات هذه، إنّما تندرج فقط ضمن إطار البحث الروسي عن موطئ قدم له في لبنان، أولاً كرسالة للأميركيين يقول فيها أننا شركاء أساسيين في أي عملية تأليف حكومية، وثانياً في إطار سعيه لتحقيق مصالحه الخاصة، ولعلّ أبرزها تلزيم شركات روسية في عمليات الإصلاح التي يُنتظر تطبيقها عبر “سيدر”. وبرأي المصادر نفسها، فإن “كل من زار موسكو في الفترة الأخيرة بدءً من الرئيس المكلّف سعد الحريري، مروراً بوفد “حزب الله”، وصولاً إلى باسيل، لم يحمل معه تصوّراً واضحاً لما ستكون عليه الحكومة، بل إن كل فريق راح يشرح هواجسه من الطرف الآخر وخشيته من موضوع “الثلث المُعطّل”. وبحسب المصادر، فإن “كل طرف حاول أن يستميل موقفها لصالحها من خلال وعود مستقبلية، وأبرز هذه الوعود جاءت عبر باسيل شرط اعتباره الخيار الروسي الأبرز والأقوى في معركة رئاسة الجمهورية المُقبلة، لدرجة أنه سبق أن بعث برسالة إلى الجانب الروسي عبر أحد المُستشارين”، يؤكد فيها أنه “يستطيع أن يُقدّم لروسيا ما يعجز الحريري عن تقديمه”. وترى المصادر، أنه “سواء بالنسبة إلى الحريري أو باسيل، فكلاهما خسرا في مكان ما، من رصيدهما السياسي ومن علاقتهما الخارجية خلال معاركهما على ضفاف التأليف، لذلك سيحاول كل طرف منهما التعويض عن هذه الخسائر، وهذا لن يكون بطبيعة الحال إلا بشدّ كل جهة بساط التأليف الحكومة نحو خياراتها، وإلا ستكون “لعنة” اللبنانيين حاضرة، في حال تم تأليف الحكومة ضمن خيارات لا غالب ولا مغلوب”. وتعتبر المصادر نفسها، أن “موسكو تكتفي حتّى الساعة، بلعب دور المُصغي، حتّى أنها لم تجروء على طرح أي مبادرة شخصية، خشيةً من “فيتو” أميركي. لذلك، يُمكن الجزم أن “الحجّ” إلى موسكو لن تظهر حسناته في ميزان أعمال السياسيين اللبنانيين، إّلا بعد خروج الدخان الأبيض من قاعة المفاوضات “النوويّة” بين أميركا وإيران”. |