كريستال خوري -أساس ميديا
لبنان في قلب الانهيار. مهما حاول البعض التخفيف من بشاعة المشهد وسوداويّته، سيكون من الصعب إقناع الناس بأنّ الارتطام الاقتصادي – النقدي لن يكون مؤلماً، أو بالأحرى كارثياً. أسابيع قليلة ويحصل الانفجار الكبير بعد أن يُضطرّ مصرف لبنان إلى الامتناع عن التدخّل نهائياً في دعم المواد الاستهلاكية. البداية ستكون نهاية شهر أيار المقبل إذا توقّف الدعم نهائياً عن المواد الغذائية وبعض الأدوية، للانتقال في ما بعد إلى المشتقّات النفطية، ليكون القمح آخر المواد التي سيهجرها الدعم.
في هذه الأثناء، يفترض أن تكون الحكومة قد أنجزت مشروعها للبطاقة التمويلية. وتشير المعلومات إلى أنّ الحكومة ستنهي مطلع الأسبوع المقبل اقتراحها لإحالته إلى مجلس النواب تمهيداً لمناقشته وإقراره قبيل خطوة مصرف لبنان… خصوصاً أنّ المشاورات الجارية لتأليف الحكومة لا تزال تصطدم بحاجز الخلافات.
في آخر المستجدّات، يبدو أنّ الإدارة الفرنسية في صدد إعادة تشغيل محرّكاتها إزاء الملف اللبناني، وهي التي تدرك مخاطر الانفجار الكبير وتداعياته، وتحديداً على المستوى الأمني، وتخشى انفلات الوضع بشكل قد يطيح بالاستقرار الهشّ، فيطول، على سبيل المثال، القوّات الدولية العاملة في الجنوب أو يدفع آلاف النازحين السوريّين إلى خوض غمار البحر الأبيض المتوسط بحثاً عن الشاطىء الأوروبي.
وفي هذا الصدد، يؤكّد المعنيّون أنّ الفرنسيّين قرّروا التحرّك “عقابيّاً” بمفردهم، بمعزل عن الاتحاد الأوروبي، نظراً إلى الطابع المعقّد الذي تتّسم به الإجراءات عبر الاتحاد. ولذا كان إعلان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أنّ باريس بدأت اتّخاذ إجراءات تقيّد دخول أشخاص، يعرقلون العملية السياسية في لبنان، إلى الأراضي الفرنسية. وهو أوّل الغيث، بنظر المتابعين الذين يشيرون إلى أنّ باريس لن تعلن لائحة معاقَبين أو ممنوعين من دخول أراضيها، لا بل سيكتشف هؤلاء أنّهم ممنوعون من دخول الأراضي الفرنسية عند طلبهم فيزا أو وصولهم إلى أيّ مطار فرنسي.
في موازاة ذلك، يكشف المعنيّون أنّ السلطات القضائية الفرنسية بدأت التدقيق، بهدوء وبعيداً عن الضجيج، في حسابات بعض المسؤولين اللبنانيين على أثر تقديم بلاغات أمام القضاء الفرنسي، إلا أنّ هذه الإجراءات تتطلّب وقتاً وتدقيقاً والكثير من الأدلّة قبل اتّخاذ أيّ إجراء.
حكومياً، تكشف المعلومات عن مسعى جديد يقوده البطريرك الماروني بشارة الراعي بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، في محاولة منه لحلّ إشكالية الوزيرين المسيحيّيْن المتبقّييْن من سلّة الـ24 وزيراً الموزّعة إلى “ثلاث ثمانيات”، على اعتبار أنّ رئيس الجمهورية يصرّ على ألّا يكون هذان الوزيران من حصّة رئيس الحكومة، فيما الأخير يرفض أن تتخطّى حصّة الفريق العوني الوزراء الثمانية. ولذا لا يزال البحث جارياً عن جهة تُهدى هذين الوزيرين.
وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أنّ الراعي حمل إلى رئيس الجمهورية، في لقائهما الأخير، مبادرة حكومية جديدة تتجاوز حدود الخلاف الواقع بين بعبدا وبكركي، بعد الحملات التي شنّها “التيار الوطني الحرّ” على خلفية مواقف الراعي، وتحديداً إثر انتقاده العنيف لتصرُّف المدّعي العام لجبل لبنان القاضية غادة عون، واتّهام التيّار له بأنّه أقرب إلى وجهة نظر الرئيس سعد الحريري من وجهة نظر العهد. ووفق المعلومات، عرض البطريرك الماروني على رئيس الجمهورية سيناريو وسطياً قد يكون خطّ التقاء بين بعبدا وبيت الوسط، يقوم على أساس أن يتولّى رئيس الحكومة المكلّف تسمية مجموعة من الأسماء، فيقوم رئيس الجمهورية باختيار اثنين من بينهم ليكونا “وزيريْن ملكيْن” في حكومة الثلاث ثمانيات. وقد أبدى رئيس الجمهورية موافقته على هذا الاقتراح، ويُفترض أن يتولّى الراعي جسّ نبض رئيس الحكومة من هذا الاقتراح.
بناء عليه، يقول المتابعون إنّ هذه المحاولة تتّسم بالجدّية لتكون مخرجاً لائقاً للإشكال الحاصل حول الوزيرين المسيحيّيْن اللذين يفترض أن يكونا خارج الحصّة العونية وخارج الحصّة الحريرية، مشيرين إلى أنّ رئيس الحكومة المكلّف صار مقتنعاً، في الوقت نفسه، أنّ تعنّت رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل قد يدفعه إلى الاستغناء عن مشاركة هذا الفريق في الحكومة والاكتفاء بالميثاقية المسيحية التي يشكّلها رئيس الجمهورية، إلى جانب بعض النواب المسيحيّين الذين سمّوه، وبينهم “تيار المردة”، على سبيل المثال. ولكنّ السؤال المتبقّي: مَنْ يقنع رئيس الجمهورية بالتوقيع على مرسوم ولادة الحكومة إذا لم يكن راضياً عن التشكيلة؟