عيسى بو عيسى-الديار
توحي مختلف المؤشّرات أن لبنان على موعد في الأيام المقبلة، مع ما بات يعرف عنه بـالإرتطام الكبير، أيّ الإنفجار الإجتماعي المرتبط بتوقّف مصرف لبنان عن دعم السلع الأساسيّة، أبرزها المحروقات والدواء كون ذلك المتعلّق بالغذاء لا يصل أصلاً إلى المواطنين، الأمر الذي يدفع بالكثيرين بالسؤال عن الأسباب التي تحول دون قيام المعنيين على المستوى السياسي بالخطوات المطلوبة لتفادي ذلك؟.
وفي هذا الاطار، تشير أوساط سياسية مطلعة الى أنّ المعنيين بالملف الحكومي بشكل أساسي، أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ليسا بقادرين على الخروج من الدائرة المقفلة التي وضعا نفسهما فيها، فلا عون قادر على دفع الحريري إلى الإعتذار، ولا الثاني قادر على تحقيق حلمه بتمرير صيغة حكوميّة يكون فيها مُطلق اليدين ما يعني أنّ المخرج، مهما طالت الازمة سيكون بالإتّفاق بينهما بالدرجة الأولى، وهذا برأي هذه الاوساط أصبح من ضروب المستحيل في ظل «تكبير» الحجر بينهما الى الحد الذي لا يمكن لأي فريق رميه !!
وترى الاوساط نفسها انه إنطلاقاً من ذلك، هناك قناعة بأنّ المياه الراكدة تحتاج إلى حدث كبير يحرّكها، في العادة يكون أمنياً، لكن هذه المرة قد يكون إقتصادياً، يدفع مختلف الأفرقاء المحليين والخارجيين إلى البحث عن التسوية المنتظرة بغض النظر عن شكلها، خصوصاً أن الأجواء على مستوى المنطقة توحي بأنّ موعد الوصول إلى تسويات لم يعد بعيداً، في ظلّ المفاوضات والمشاورات القائمة على أكثر من صعيد، إلا أنّ المفارقة في الحالة اللبنانيّة تكمن بعدم القدرة على الإستمرار طويلاً في حالة الإنتظار خصوصا أن الجوع يدق ابواب فئة كبيرة من اللبنانيين.
وتعطي الاوساط تشبيها للواقع المحلي بالسباق بين التسوية والإرتطام، الذي يلعب فيه عامل الوقت دوراً أساسياً، وترى أن كل السيناريوهات مفتوحة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الجميع يبدو في وارد لعب كل أوراق قوته، الأمر الذي يُفسر الكمّ الهائل من الملفّات الخلافيّة التي تفتح من دون أن تظهر لها أيّ نتيجة واضحة، نظراً إلى أنّ الجميع يريد أن يحسّن شروطه في عمليّة التفاوض المنتظرة، أو إستعجال تنازل الفريق الآخر.
ومن هنا يمكن إعطاء تفسير للقرار السعودي المتعلّق بإستيراد الفواكه والخضار من لبنان، نظراً إلى أنّ مثل هكذا قرار لا يمكن أن يوضع فقط في مساره الامني، بل أيضا ضمن سياقه السياسي بعيداً عن التبريرات الأمنيّة التي قدّمتها الرياض، وتعتبر أنّه خطوة من سلسلة خطوات تصعيديّة هدفها زيادة الضغوط لإستعجال التسوية مع طهران، خصوصاً أنّ التسريبات التي رافقت المفاوضات بين الجانبين في العراق، تحدثت عن حضور الملفّين اليمني واللبناني على طاولة البحث بشكل جدي ومفصل.
وتلفت الأوساط السياسية إلى أن الإرتطام الكبير في حال حصوله قبل الوصول إلى أيّ تفاهمات، قد يكون هو الباب الذي يفتح المجال أمام البحث عن الحلول المنتظرة، لا سيما في ظلّ الحديث الدائم عن حرص بعدم السماح بالإنهيار الشامل على الساحة اللبنانية، بدليل ما ينقل عن رسائل خارجية تبلغتها العديد من الشخصيّات اللبنانيّة بضرورة تحضير نفسها لمرحلة ما بعد توقف الدعم، نظراً إلى أن المسارات التفاوضية الإقليميّة لا يمكن أن تظهر نتائجها خلال شهر واحد، أو يمكن أن تتعثر لتتعاظم الاحداث على الساحة اللبنانية، وهذا يدل بشكل قاطع الى أن ساسة لبنان لا يريدون الذهاب نحو الحلول إلاّ بثمن كبير يدفع ثمنه جميع الموطنين، بينما كلما كان الوصول إليها أسرع كانت الخسائر أقل.