زياد عيتاني -أساس ميديا
“الدستوريّون قالوا كلمتهم، الكلمة الآن المنتظرة هي من النوّاب، وهذه مسؤوليتهم. ودورهم الاعتراضي ليس فقط بالاستقالة، بل باتّخاذ موقف من قضايا مفصليّة”. بهذه الكلمات وصف الخبير الدستوري الدكتور أنطوان مسرّة لـ”أساس” الخطوة التالية المطلوبة لِما بعد الدراسة القانونية، التي قدّمها بالشراكة مع عدد من خبراء الدستور والقانون يطالبون فيها بمحاكمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على خلفيّة تعدّد الخروقات الدستورية التي ارتكبها.
الدكتور أنطوان مسرّة عدّد لـ”أساس” الأسباب التي دفعتهم، هم الحقوقيّين، إلى إجراء مثل هذه الدراسة، فقال: “هي قراءة نصّيّة للدستور، وليست دراسة تقليديّة، وقد وضعت لثلاثة أسباب:
السبب الأوّل: الدستور اللبناني معلّق ومخترَق.
السبب الثاني: حدث في لبنان منذ سنوات تخريب كامل في عقول الناس، وتخريب في عقول القانونيّين، ولا أقول الحقوقيّين. هم لم يطّلعوا بعمق على كلّ جذور الدستور اللبناني، وجذور وثيقة الاتفاق الوطني (الطائف) سنة 1989، بل دخلوا في سجالات تنطلي على العديد من الناس، وقد يكون البعض يريد تعديل الطائف.
السبب الثالث: النوّاب هم الشرعية الأمّ، وهم المسؤولون عن التشريع والمراقبة.
في العودة إلى المادة الـ49 من الدستور اللبناني، نجد أنّها جوهرية في كلّ البنيان الدستوري، وأُضيفت في وثيقة الطائف، وفيها تكريس للممارسة اللبنانية، وتقول بداية هذه المادة: “رئيس الجمهورية ورئيس الدولة”، هل هذا بلاغة كلامية؟ هل يسأل أيّ رئيس جمهورية في العالم ما هي صلاحياتي؟ هل سمعنا مدير مدرسة يقول ما هي صلاحياتي مثلاً؟ أو برئيس شركة يسأل عن صلاحياته؟ رئيس الدولة هو رئيس الكلّ، وليس بمعنى علاقات نفوذ وتوازنات ولا رئيس حزب ولا رئيس عائلة. هو رئيس دولة.
وعن الخطوة التالية المطلوبة بعد نشر هذه الدراسة القانونية، قال مسرّة لـ”أساس”: “نحن، المراجع الدستورية الكبرى في لبنان، لسنا في علاقات نفوذ ولا سلطة، إنما مسؤولون عن الدولة اللبنانية. يجب على المجلس النيابي المسؤول عن المراقبة أن يتحرّك”.
وعند سؤاله: هل أصحاب الدراسة كانوا سيزورون رئيس مجلس النواب نبيه بري لتقديم الدراسة؟، كرّر: “لسنا في علاقات نفوذ أو سلطة، وكل تأويل أو سجال حول هذا الموضوع هو هروب من الموضوع. هذه الدراسة وضعت لأنّ الدولة اللبنانية في خطر. ومن يقوم بالخطوة الثانية هو الإعلام في البدايةً، ثمّ النوّاب”.
وقد أجاب الدكتور مسرّة بأسلوب رجل القانون الخبير عن سؤال “أساس”: هل مرّ على لبنان رئيس خرق الدستور كما يحصل في هذا العهد؟: “أنا دائماً أشجّع طلابي في الجامعات على أن يقرأوا مذكّرات رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومة ورؤساء المجلس النيابي ورجال السياسة التي فيها مواقف وعِظة. لبنان عرف رجالاً عظاماً على مستوى عالمي، كانوا حريصين على الدولة وعلى الميثاق اللبناني. البنيان الدستوري هو إنتاج عباقرة من منظور علماء الدستور في العالم، وهو اليوم في خطر كبير”.
وقد رفض الدكتور مسرّة الدخول في سجال مع أحد عند سؤاله عن قول المحيطين برئيس الجمهورية إنّ “ما يفعله رئيس الجمهورية يستند إلى مراجعات دستورية من قبل مستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي”: “لا أريد الدخول في سجال مع أحد، لكن أذكّر بوجود بعض الكتب التي صدرت منذ سنوات تحت عنوان “آراء في الدستور”. الدستور ليس موضوع آراء، بل إنّ الدستور هو الميزان. رئيس الجمهورية يحلف اليمين على الدستور، ومن يحلف اليمين لا يفسّره بل يطبّقه حرفياً”.
الجدير بالذكر أنّ مجموعة من أهل القانون والدستور والمجتمع المدني، من بينهم القاضي شكري صادر والشيخ ميشال خوري والمرجع الدستوريّ حسن الرفاعي والدكتور أنطوان مسرّة والمحامي سليم المعوشي والمحامي حسان الرفاعي، أعدّت دراسة قانونية تتناول تحديد خروقات رئيس الجمهورية للدستور وخروجه عن قسمه، وتوجّهت بنتيجتها إلى اللبنانيّين وإلى النوّاب، وحضّتهم على القيام بواجبهم، وِفق المادة الـ60 من الدستور، باتّهام رئيس الجمهورية بخرق الدستور وإحالته إلى المحاكمة التي سيتقرّر، بنتيجتها، إمّا كفّ يده وإمّا أيّ مصير آخر.
والمادة 60 من الدستور تنصّ: لا تبعة على رئيس الجمهوريّة حال قيامه بوظيفته إلّا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى.
أمّا التبعة في ما يختصّ بالجرائم العادية فهي خاضعة للقوانين العامّة. ولا يمكن اتّهامه بسبب هذه الجرائم أو لعلّتَيْ خرق الدستور والخيانة العظمى إلا من قبل مجلس النواب بموجب قرار يصدره بغالبية ثلثيْ مجموع أعضائه، ويحاكم أمام المجلس الأعلى المنصوص عليه في المادة الثمانين، ويعهد في وظيفة النيابة العامّة لدى المجلس الأعلى إلى قاض تعيّنه المحكمة العليا المؤلّفة من جميع غرفها.