خاص “لبنان 24″
يحلو لـ”التيار الوطني الحر” بشخص رئيسه الوزير السابق جبران باسيل، ومعظم القياديّين والمسؤولين فيه، التصويب على زيارات رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري الخارجيّة، بوصفها “شمّ هوا”، رغم أنّ الأخير يؤكّد أنّه يوظّف شبكة علاقاته الخارجية لخدمة القضية اللبنانية، إذا لم يكن الآن، فبعد تأليف الحكومة.
بالأمس، كان “دور” الوزير باسيل نفسه للسفر إلى الخارج، حيث حطّ في العاصمة الروسية موسكو والتقى عددًا من المسؤولين على رأسهم وزير الخارجية سيرغي لافروف، علمًا أنّ “حبر” انتقاداته لزيارة الحريري إلى موسكو، فضلاً عن “سخريته” من لقائه “الهاتفي” مع الرئيس فلاديمير بوتين، لم يجفّ بعد.
من هنا، اختار الكثير من خصوم باسيل اتّباع “منطقه” للتساؤل عمّا إذا كانت الزيارة تندرج في إطار “شمّ الهوا” الذي يتّهم الحريري به، خصوصًا أنّ أيّ نتائج لم تُرتجَ منها، لكنّ آخرين يضعون لها هدفًا أكبر وأعمق، يتمثّل في “كسر العزلة” التي يعاني منها باسيل، خصوصًا بعد “استثنائه” من زيارات الموفَدين العرب والدوليّين إلى لبنان في الفترة الأخيرة.
“هاجس” باسيل الأول
يقول العارفون إنّ ملفّ تشكيل الحكومة ليس “الهاجس الرقم واحد” بالنسبة إلى الوزير باسيل، بعيدًا عمّا يُحكى في الخطابات والمؤتمرات الصحافيّة، إذ إنّ تركيزه ينصبّ على “ترتيب” علاقاته مع الخارج، بعدما مُنِيت بضرباتٍ كُبرى، انتهت بشبه “قطيعة” دوليّة مُعلَنة، استندت بجانبٍ أساسيّ منها إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليه، والتي يُقال إنّ باسيل لم يتقبّلها أو يتعايش معها، ويسعى للضغط لرفعها بأيّ طريقة من الطرق.
من هنا، جاء مثلًا التركيز قبل أيام على استقبال باسيل وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو في مقرّ “التيار الوطني الحر” في ميرنا الشالوحي، فضلاً عن “البروباغندا” المُبالَغ بها إلى حدّ ما، التي رافقتها بإيعازٍ من الدائرة المحيطة بباسيل، والتي صنّفت الزيارة على أنّها بمثابة “فيتو” هنغاري على “القرار” الأوروبي بفرض عقوبات على الوزير السابق، بوصفه “المعطّل الأول” لتأليف الحكومة في لبنان.
وفي السياق نفسه، جاءت زيارة باسيل إلى موسكو لتخدم هدف “كسر العزلة” هذا، قبل النقاش بملفّ الحكومة أو غيره، علمًا أنّ العارفين يتوقفون عند “مضمون” التصريحات التي أدلى بها باسيل، التي شملت ملفّات غابت عن “أجندته” منذ فترة طويلة، لكنّها “تساير” جدول الأعمال الروسي، من الحديث عن ملفّ اللاجئين والنازحين، وصولاً إلى “الإشادة” بالرئيس السوري بشار الأسد، باعتبار أنّ “تثبيته” في منصبه سيكون “عاملاً مطمئنًا ومشجّعًا”، على حدّ وصفه.
ماذا عن الحكومة؟
لكن، ماذا عن الحكومة “العالِقة والرهينة”؟ هل حضرت ضمن “اهتمامات” باسيل في زيارته إلى موسكو؟ وهل ثمّة مبادرة جدية تقودها روسيا في هذا المضمار، خصوصًا في ظلّ ما يُحكى عن استعداداتها لاستقبال المزيد من الوفود، بعدما زارها أخيرًا رئيس الحكومة المكلّف، وقبله وفد من قيادة “حزب الله”؟
يقلّل العارفون من شأن ما يُثار عن “مبادرة” في هذا الإطار، ولو أنّ الفكرة وردت لدى القيادة الروسية، خصوصًا بعد زيارة الحريري، التي “تعمّدت” توصيفه بـ”رئيس حكومة لبنان”، رغم وجود رئيس حكومة تصريف أعمال، ومسعاها بالتالي لتكريس “توازن” بين مختلف الأطراف، لكنّها تبقى “مُستبعَدة” بالنظر إلى “التعقيدات” التي تحيط بالملفّ، والتي ترى أنّ جوهرها يبقى “داخليًا”، بما لا يمنحها قدرة واسعة على المناورة.
ولعلّ تصريحات باسيل في الملفّ الحكوميّ من قلب موسكو لم تبدُ “مشجّعة” بدورها لمثل هذه المبادرة، علمًا أنّها لم تحمل جديدًا، بقدر ما جدّدت “الهجوم” على الحريري، ولا سيّما مع قول باسيل إنّه “بانتظار” أن يأخذ رئيس الحكومة المكلّف قراره بالسير بتشكيل الحكومة، ما أوحى وكأنّ الكرة في ملعب الأخير، خلافًا لما يؤكّده الحريري، الذي يشكو من “شروط تعجيزية” يضعها باسيل نفسه.
لم تكن الحكومة “هاجس” باسيل خلف زيارته موسكو، إلا أنّ الزيارة ليست لـ”شمّ الهوا” بالطبع، ولو أنّه يستسيغ اتهام غيره بذلك. أراد باسيل أن “يثبّت” حضوره في الخارج، ويواجه “العزلة” المفروضة عليه. سعى لتوظيف الزيارة للقول إنّ “حيثيّته” لا تزال موجودة. قد تكون هذه الرسائل في مكانها، لكنّ الأهم، تسهيل تأليف الحكومة، قبل كلّ شيء، لأنّ من دونها، لا حيثية باقية لأحد، ولا من يحزنون!