(هيثم الموسوي)
الأخبار- إيلي الفرزلي
مسودة قانون الكابيتال كونترول صارت جاهزة. صحيح أن القانون لن يلبي طموحات المودعين وسيقونن القيود على أموالهم، إلا أنه، في المقابل، سيفتح الباب، ولو متأخراً، على منع الاستنسابية من قِبل المصارف. كما سيفرض عليها تمويل استثناءات محددة، بسقف ٥٠ ألف دولار سنوياً على التحويلات، و20 مليون ليرة شهرياً على السحوبات. كذلك يسمح القانون بسحب ١٠ ملايين ليرة من الحسابات بالعملات الأجنبية على سعر يقارب سعر السوق. والأهم أنه يضع عقوبات مشددة على المصارف المخالفة قد تصل إلى حدّ شطبها من لائحة المصارف. هذه مجرد مسودة، لكن المصارف تستنفر طاقتها لمواجهتها. فهي لا تريد أن تموّل الاستثناءات على القانون (نحو ٣٥٠ مليون دولار) ولا توافق على سقف السحوبات، وترفض أيّ آلية لإلزامها بالتنفيذ. هي ببساطة تريد أن تتنّعم بما حققه أصحابها من أرباح طائلة كما لو أنها غير معنيّة بالأزمة، مقابل تحميل المودعين كل الخسارة. وفوق هذا كله لديها ملء الثقة أن حزب المصرف في المجلس النيابي لن يخذلها
خرجت المسودة النهائية من اقتراح قانون الكابيتال كونترول الذي أنجزته اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال، وتضمّ ممثلين عن كل الكتل النيابية. المسودة، التي اطلعت عليها «الأخبار» يُفترض أن تُناقَش في اللجنة الأسبوع المقبل. لكن إلى ذلك الحين، بدأت المصارف حملة مضادة للقضاء على ما يعتبره أعضاء اللجنة «أفضل الممكن» بالنظر إلى الواقع الحالي.
بعد الكتاب الذي وجّهته جمعية المصارف إلى رئيس اللجنة ابراهيم كنعان، وخلاصته أن المصارف تقترح أن يمول مصرف لبنان الاستثناءات التي يتضمنها القانون لأنها لا تملك الأموال، وبعد إصرار أغلبية أعضاء اللجنة إضافة إلى مصرف لبنان على أن تكون المصارف وحدها مسؤولة عن التمويل، انتقلت المصارف إلى تجييش «نوابها» لرفض الاقتراح ومضمونه، على أن يتجلّى ذلك بشكل واضح في لجنة المال ثم في اللجان المشتركة، وصولاً إلى الهيئة العامة.
لأن القانون تأخّر لأكثر من سنة، عمدت خلالها المصارف إلى تهريب نحو 9 مليارات دولار، حسب تقديرات طرحت في اللجنة، فإن وظيفته الحالية صارت محصورة بوقف التمييز بين المودعين. فبالرغم من أن المصارف تطبّق «كابيتال كونترول» بحكم الأمر الواقع إلا أن عدم وجود قانون يقيّد التحويلات، يُبقي الباب مفتوحاً على تحويلات استنسابية حتى لو بشكل محدود.
المصارف سبق أن أعلنت في رسالتها إلى كنعان أنها لا يمكنها تمويل التحويلات إلى الخارج لأن التزاماتها في الخارج أكبر من موجوداتها بفارق سلبي يصل إلى 1.7 مليار دولار.
تلك الحجة دحضتها مراسلة رسمية من لجنة الرقابة على المصارف عرضها كنعان في اللجنة، وتشير إلى أن التحويلات المنفّذة من قبل المصارف للطلاب اللبنانيين في الخارج في عامي 2019 و2020 وحتى 19 شباط 2021، بلغت 244 مليون دولار. وبالتالي، خلص أغلب أعضاء اللجنة إلى قناعة تفيد أن المصارف، خلافاً لما تدّعي، قادرة على تمويل الاستثناءات المطلوبة، خاصة أن كلفة هذه الاستثناءات لا تزيد عن 350 مليون دولار، ولا تصل حكماً إلى الرقم الذي تسوقه المصارف، والذي يصل إلى 900 مليون دولار.
كذب المصارف لا يقف عند هذا الحد. ممثّلوها في اجتماعات اللجنة كانوا أعلنوا، للدلالة على وضعها المتأزم، أنها لم تتمكن من تأمين أكثر من 200 مليون دولار من نسبة الثلاثة في المئة (3.42 مليار دولار) من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية كما في 31/7/2020 (حددتها لجنة الرقابة على المصارف بـ114 مليار دولار)، التي فرض مصرف لبنان، عبر التعميم رقم 154، على المصارف تكوينها في حساب خارجي حرّ من أي التزامات. علماًَ أن مصادر نيابية تؤكد أن المصارف أمّنت مبالغ تفوق بكثير مبلغ الـ200 مليون دولار، أضف إلى ذلك أن أحداً لا يمكنه فعلاً تقدير ما تكدسه المصارف من مليارات في الخارج.
باختصار، تمارس المصارف، حتى اليوم، ما يحلو لها. لجنة الرقابة لم تعلن بعد أسماء من التزم بالتعميم 154 ومن لم يلتزم. وإلى ذلك الحين، تعلن المصارف مراراً أنها لا تملك الأموال. تحتجز أموال المودعين ثم تتنعّم بالأرباح التي حققتها على مدار السنين وترفض حتى تمويل الاستثناءات التي يفرضها القانون. يقول قانوني متابع، كيف يعقل أن يفلس المودعون فيما المصارف تريد أن تستمر كما لو أن شيئاً لم يكن. باختصار، إذا لم تكن المصارف، المسؤولة أمام زبائنها، فلا يعقل أن يتحمل المودع وحده عواقب إساءة الأمانة من قِبل المصارف. عليها قبله أن تتحمل المسؤولية. أي شركة لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها يكون الإفلاس هو مصيرها الطبيعي، ليصار إلى توزيع أملاكها وموجوداتها، مهما كانت قيمتها، على زبائنها، فيعرفوا حينها نسبة ما خسروه فعلياً. هذا المصير هو تحديداً ما سعت المصارف، بالتعاون مع عملائها وشركائها وأصحابها السياسيين، إلى إبعاده عنها. ولذلك أفشلت خطة التعافي الحكومي التي حملت رؤوس أموالها جزءاً من الخسائر، وسعت إلى نقل هذه الخسائر إلى كاهل الدولة والمودعين.
إذا صدق النواب هذه المرة ولم يخونوا ناخبيهم مجدداً، فإن إقرار قانون الكابيتال كونترول قد يوضح حقيقة المصارف الحالية. من منها قادر على الاستمرار ومن منها تحوّل إلى زومبي، وجب تصفيته، بعدما تحول إلى عالة على الاقتصاد.
إضافة إلى رفض تمويل الاستثناءات (نفقات التعليم، القروض السكنية الشخصية، الالتزامات الضريبية المتوجّبة في الخارج، الاشتراكات ورسوم تطبيقات الإنترنت)، ورفض سقف الخمسين ألف دولار سنوياً الذي يمكن تحويله إلى الخارج في حال تأمّنت شروط التحويل المحددة في القانون (تريد للسقف أن ينخفض إلى 20 ألفاً بحسب رسالتها إلى كنعان، علماً أنها عادت ووافقت على سقف ٢٥ ألفاً)، تصرّ المصارف على خوض معركة رفض إعادة إحياء السحوبات من الحسابات بالعملات الأجنبية بالسعر الرائج حتى لو اقتصرت على مبالغ قليلة. فالمسودة، تنص في المادة الأولى على التالي:
١- لا تتم السحوبات النقدية من الحسابات المصرفية بجميع أنواعها إلا بالليرة، وفق الشروط التالي:
– يحدد سقف السحوبات للمودعين بمبلغ 20 مليون ليرة شهرياً من مجمل حساباته في المصرف.
– يمكن للمجلس المركزي لمصرف لبنان بعد التشاور مع وزير المالية تعديل هذا السقف كلما دعت الحاجة، مع الأخذ بعين الاعتبار مندرجات قانون النقد والتسليف لا سيما المادة ٦٩ منه (حماية النقد) وتعزيز قدرة المودعين على التصرف بودائعهم.
– من أجل تأمين السيولة بالليرة للمودعين بالعملة الأجنبية، على مصرف لبنان ومن أجل تحديد سعر التحويل لكل عملة أجنبية، اعتماد معادلة خاصة تأخذ في الاعتبار أسعار السوق الرائجة التي تكون حددتها المنصة للتبادل الحر الواجب إنشاؤها لهذا الغرض من قبل مصرف لبنان.
– السحوبات النقدية للرواتب تبقى خارج السقف المحدد.
– يجوز لأصحاب الودائع بالعملة الأجنبية، باستثناء التي تكوّنت من تحويلات بالليرة بعد ٢٠١٦ (تتم إعادة النظر بهذه النقطة)، أن يؤمن لها سحوبات نقدية شهرية لا تتعدى قيمتها ٥٠ في المئة من قيمة السحوبات بالليرة، أي ما يساوي ألف دولار، على سعر منصة التبادل الحرّ.
النقطة الثالثة التي تواجهها جمعية المصارف هي آلية العقوبات التي يمكن أن تفرض على المصارف المخالفة. المادة الرابعة من القانون، تشير إلى قيام مصرف لبنان بإنشاء وحدة مركزية التحاويل لتلقي طلبات التحويل إلى الخارج (من خارج الاستثناءات). وهذه الوحدة، بحسب المادة الخامسة من القانون، ستكون معنية بدرس الملفات المتعلقة بالتحويلات الخارجية، وإذا وافقت على طلبات التحويل فإن المصارف ملزمة بالتنفيذ وتحويل الأموال من حساباته في المصارف المراسلة. وفي حال التخلف، يتعرض المصرف المعني للملاحقة والعقوبات المنصوص عليها من المادة 208 من قانون النقد والتسليف، والتي تتدرج وصولاً إلى حد شطب المصرف من لائحة المصارف. حيث يفترض أن تبتّ الهيئة المصرفية العليا، خلال أسبوعين، في الإجراءات القانونية المتوجبة، حيث يجوز اعتبار المصرف المتخلف بحالة التوقّف عن الإيفاء والدفع.
مفاوضات مع صندوق النقد؟
نقلت مصادر نيابية مسؤولة عن صندوق النقد الدولي استغرابه عدم تواصل الحكومة معه منذ استقالتها، وعدم سعيها إلى استكمال المفاوضات. وفي ما يتعلق بترك هذه المهمة للحكومة الجديدة، نقلت المصادر أن ذلك قد يكون منطقياً في الشهر الأول، لكن بعد أشهر من الانزلاق المستمر في الأزمة، لم تعد حجّة تصريف الأعمال قابلة للصرف، وخاصة أن مجلس الوزراء سبق أن أقرّ خطة التعافي الحكومي قبل الاستقالة. وبالتالي، فإنّه لا ضرورة تفوق ضرورة السعي إلى الخروج من الأزمة، ومفتاحها المفاوضات مع صندوق النقد.