“ليبانون ديبايت”- بولس عيسى
رأت أوساط سياسية، أن ملف الحكومة يقع اليوم في الدرجة الثانية على سلّم أولويات رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، الذي يضع أولويته في رفع العقوبات عنه باعتبار أن الحكومة العتيدة تخدم، إن نجحت في مهامها، ما تبقّى من ولاية العهد وليس مستقبله السياسي.
ولفتت الأوساط، إلى أن هذا الواقع ليس بمستغرب أبداً بالنسبة لها، باعتبار أن حسابات باسيل لم تكن في أي لحظة من اللحظات تتطابق مع حسابات إنجاح العهد أو إفشاله، باعتبار أنه، ومنذ اللحظة الأولى لانتخاب الرئيس ميشال عون، تصدّر سلّم أولوياته بشكل واضح، وبسعي ومباركة وبدفع من عون، مسألة خلافة الصهر لعمّه بغض النظر عن أي اعتبار آخر، فكيف بالحري بعدما شارفت هذه الولاية على نهايتها في ظل شعور باسيل بأن فرصة الخلافة بدأت تتبدّد نتيجة العقوبات عليه.
وأوضحت الأوساط، أنه إذا ما كان هناك من إمكانية لتأليف الحكومة بشروط فريق باسيل السياسي، فهو لن يتوانى عن الدفع باتجاه تأليفها، إلا أنه بطبيعة الحال لا يريد أبداً الحكومة إلا بشروطه هو، وذلك بهدف أن يكون ممسكاً بها بشكل وثيق لتكون أداةً طيّعة بين يديه حتى نهاية العهد، وما بعد انتهاء ولاية الرئيس، ولكن كل هذا لا يشكّل أولوية لديه، لأن تأليف حكومة مماثلة أمر صعب ومعقّد وشبه مستحيل في الظروف الحالية، الأمر الذي دفع بباسيل إلى صبّ كل أولويّته واهتمامه اليوم على مسألة رفع العقوبات عنه، ليعيد نفسه إلى مسرح الإنتخابات الرئاسية كي يكون في عداد المرشّحين والمنافسين الطبيعيين للوصول إلى هذا الموقع، باعتبار أن هذه العقوبات قطعت أمامه طريق السباق نحو بعبدا بشكل كامل ونهائي.
واعتبرت الأوساط، أن لعبة باسيل اليوم خماسيّة الأبعاد، أركانها:
ـ البعد الأول، قوامه الإبقاء على تحالفه مع “حزب الله” بما يضمن له من خلال هذا التحالف ألا يقوم الحزب بتزكية أي مرشح على حسابه، لا بل العكس تماماً فهو يطمح لأن يتحرّك في الوقت الذي يراه مناسباً من أن الدفع باتجاه تزكيته هو من قبل “حزب الله” كمرشّح لهذا المنصب، كما أن ما يهمّه من خلال هذا التحالف هو أن يمتلك “الفيتو” على غيره ومنع أي انتخابات رئاسية لا يرضى عن نتائجها، وبالتالي، ما يريده من “حزب الله”، وما سيحصل عليه، هو ألا تجري أي انتخابات رئاسية لا يوافق هو عليها.
ـ البعد الثاني، مرتبط ببشار الأسد، فالملفت أن باسيل، وفي أكثر من موقف له مؤخراً قام بتوجيه رسائل علنيّة إيجابية لبشار الأسد، خلافاً لما كانت عليه الأمور في مراحل سابقة، وقد تناوله في حديثه اليوم في موسكو، كما كان قد تناوله في إطلالته ما قبل الأخيرة، مرسلاً إشارات إيجابية غير عابئ بتداعيات موقف من هذا النوع على الصعيد الداخلي اللبناني أو خارجياً، وبالتالي، من الواضح أن باسيل يعتبر أن بشار الأسد تجاوز عتبة إزاحته، وأنه سيعود بشكل أقوى بعد الإنتخابات الرئاسية السورية، لذا، هو يريد أن يضمن أيضاً تأييداً سورياً له، بما يؤمّن له تأييد محور الممانعة بشكل كامل من دون الدخول في ذبذبات داخلية ما بين فرعيه.
ـ البعد الثالث مرتبط بروسيا، التي يعتبر باسيل أنها دخلت بقوّة إلى المسرح السياسي اللبناني وتعتزم التمدّد من سوريا إلى لبنان، وبالتالي، هو يريد ألا يكون الدور الروسي داعماً لخصمه الرئيس المكلّف سعد الحريري، وإنما جلّ ما يريده هو بالحدّ الأدنى تعطيل هذا الدعم، وبالحدّ الأوسط أن تقوم موسكو بالتوازن ليكون دعمها في لبنان متوازناً ما بينه والحريري، وبشكل أقصى تأمين الدعم الكامل الروسي له الأمر الذي هو مستبعد بشكل كبير وأقصى ما يمكن لباسيل تحصيله في هذا البعد هو فرض التوازن.
ـ البعد الرابع، مرتبط باليمين الأوروبي حيث جاءت الزيارة المفاجئة لوزير خارجية هنغاريا بيتر سيارتو، وهو صديق أساسي لتل أبيب، وتحديداً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتؤكد أن باسيل يعوّل على اليمين الأوروبي، من أجل منع أي عقوبات أوروبيّة محتملة عليه، باعتبار أنه يخشى أن تتمدّد العقوبات الأميركيّة إلى أوروبية على خلفيّة عرقلته تأليف الحكومة، لذا هو يريد تعطيل هكذا احتمال قبل حصوله لأن أي عقوبات تصدر عن الإتحاد الأوروبي تستوجب إجماع الدول الأوروبية.
ـ البعد الخامس مرتبط بالدور الأميركي، حيث كان لافتاً بأنه والرئيس عون تراجعا عن تعديل مرسوم الترسيم البحري بما يتلاءم مع التوجّهات الأميركية، في رسالة واضحة إلى واشنطن بأن باسيل على استعداد لتلبية ما تريده الولايات المتحدة في هذا الملف، وهو يدرك بأن الأولوية الأميركية في لبنان ليست للحكومة وإنما الترسيم، لذا أراد أن يعطيها ما تريده مقابل أن ينتزع منها ما يريده هو.
وأكدت الأوساط، أن باسيل يلعب من ضمن هذه الأبعاد الخمسة، إلا أن السؤال الأساسي في هذه المسألة هو، هل سينجح الصهر بصَهْرِ الأضداد، أم سيكون ضحيّة تقاطعات دولية أكبر منه؟