أصبح خيار الاعتذار عن تشكيل الحكومة وارداً عند الرئيس سعد الحريري، لكنّه يترك البحث فيه إلى نهاية أيّار المقبل.
ويرتبط إعلان الموقف بإعلان رفع الدعم عن السلع والمواد الرئيسة، في ضوء عجز المصرف المركزي عن الاستمرار في سياسته التي تستنزف ما تبقّى من احتياط لديه، وتوقّع قيام حركات احتجاج ضخمة في كل المناطق بعد التدبير المالي الذي يفرض نفسه ولا مفرّ منه.
وتذكر مصادر واكبت جولات الحريري الخارجية أنّه في حال قرّر الاعتذار فسوف يكون على الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل و”حزب الله” أن يتدبّروا أمرهم، وليشكّلوا حكومة كما يريدون، بعدما أمعنوا في وضع الحواجز والشروط والعراقيل أمام الرئيس المكلّف، فأصبحت مهمّته مستحيلة.
وكان يصعب على الرئيس الحريري في الظروف الموضوعية القائمة الحصول على دعم مالي وسياسي خارجي للبنان، على الرغم من العلاقات العربية والدولية التي ورثها عن والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والاتصالات العميقة التي أجراها مع عواصم القرار والمسؤولين النافذين، الذين التقاهم في زياراته وجولاته على الدول المعنيّة بالشأن اللبناني منذ تكليفه برئاسة الحكومة في 22 تشرين الأول الماضي. وبطبيعة الحال، سيكون الاستحصال على الدعم أصعب على أيّ حكومة برئاسة شخصيّة أخرى يختارها تحالف عون – باسيل – “حزب الله”.
ويتوهّم رئيس الجمهورية وأعضاء فريقه إذا اعتقدوا أنّ تراجع مكانة الحريري في السعودية سوف يتيح للرئيس عون وصهره الوزير السابق باسيل الحلول مكانه في العلاقة بالمملكة ودول الخليج الأخرى. ويتوهّمون أيضاً إذا ظنّوا وجود استعداد عربي ودولي للتعامل مع الرئيس وصهره من أجل إنقاذ لبنان. فالواقع هو النقيض. وسيعني الاعتذار، إذا حصل فعلاً، أنّ العهد الحالي غير قادر على التعامل مع الاعتدال السُنّي، ولا مع العالم العربي، ولا مع المجتمع الدولي. فالصورة، التي ترسّخت في أذهان مسؤولي الدول، سواء تلك التي زارها الحريري أم تلك التي لم يزُرها، هي أنّ عون وباسيل حوّلا الدولة اللبنانية إلى مجرّد واجهة لـ”حزب الله”، وأظهرا جشعاً وأنانيّة لا حدّ لهما، وعبّرا عن عدم اكتراث مذهل بآلام اللبنانيين، وشكّلا غطاء لطبقة سياسية غير مؤهّلة للحكم أصلاً، فوصل لبنان إلى الوضع المحزن الذي يتخبّط فيه.
وينقل سياسيّون عن ديبلوماسي غربي انطباعه أنّ اللبنانيّين جميعاً يبدون له كأنّهم في حال انتظار شيء ما، لم يستطع الديبلوماسي أن يعرف ما هو، على ما قال أمام بعض من التقاهم، مضيفاً أنّ مَن يُفترض بهم تحمّل المسؤولية يُلهون الرأي العام بقضايا يسلّط عليها الإعلام الضوء مرحليّاً، ثم ينتقل إلى غيرها لتدخل النسيان هي الأخرى وتحلّ محلها انشغالات مختلفة، على غرار انشغال الرأي العامّ بقضية القاضية غادة عون، فيما تتضخّم المشكلات المالية والمعيشية الضاغطة يوماً بعد يوم، ولا مَن يهتم في الدولة بمعالجتها فعليّاً.
هكذا يكون الرئيس الحريري قد عاد إلى درس النصيحة التي أسداها إليه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالتخلّي عن محاولة تشكيل الحكومة وترك تحالف عون – “حزب الله” المصرّ على عزل لبنان عن العرب والعالم يقلّع شوكه بيديه، ما دام هذا التحالف متشبّثاً بطريقة تشكيل الحكومات السابقة التي أثبتت إخفاقها ولم يعد لها أمل في النجاح. وإلى ما قاله له النائب نهاد المشنوق خلال الاستشارات النيابية، حين حذّره من “فخّ” يتمّ إعداده له من خلال تكليفه تشكيل الحكومة.
يذكّر الدبلوماسي الغربي بما سمعه، قبل اندلاع الأزمة في 17 تشرين الأوّل 2019، من “كبار القوم” في بعبدا: “إنّ العالم يستحيل أن يسمح بانهيار لبنان لأنّ انهياره سيرتدّ سلباً عليه. وإنّ الثروة النفطية، التي يُنتظر استخراجها من قعر البحر، كفيلة بحلّ مشكلات لبنان، وبالتالي لا خوف عليه”.
وتوجد أوهام أخرى تميّز هذا العهد ومَنْ يسيِّرونه، منها الاعتقاد أنّ المسيحيّين في طريقهم إلى استعادة ثقلهم داخل الدولة بفضل سياسات عون – باسيل، في حين أنّ العالم شرقاً وغرباً يزداد اقتناعاً بنظرية المثالثة بدل المناصفة في ضوء تفضيل غالبية من المسيحيّين السير في خيارات سياسية تدميريّة غير عقلانيّة، ورفضهم التجاوب مع عروض المساعدة التي قُدّمت لإنقاذ لبنان.
عهد قوي، قلتم؟