غسان ريفي-سفير الشمال
أعطت تغريدة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري والتي جاءت إثر إجتماع بعبدا لمعالجة تداعيات شحنة ″الرمان المخدر″ الى المملكة، وقال فيها: ″أمن المملكة في ظل قيادتنا الحكيمة خط أحمر، لا يُقبل المساس به″، إنطباعا بأن السعودية لم تقتنع بإجتماع بعبدا ولا بكلام رئيس الجمهورية ولا بمداخلة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ولا بمجمل البيان الصادر عن المجتمعين، وأنها بالتالي ماضية في قرارها بمنع إستقبال إرساليات الفواكة والخضار اللبنانية ومنع مرورها في أراضيها.
يمكن القول، إن إجتماع بعبدا الذي جاء متأخرا عن حادثة إحباط محاولة تهريب “الرمان المخدر” أربعة أيام، عزز الاعتقاد السائد بأن المجتمع الدولي والعربي بدأ يتعامل مع لبنان على أساس أنه دولة فاشلة لا ثقة بها ولا أمل يرتجى منها، وأن “وطن الأرز” يتجه نحو عزلة شبه كاملة بفعل تخلي أشقائه العرب عنه نتيجة السياسات الخاطئة للعهد القوي الذي يستقوي على محاولات الانقاذ لتحقيق مكاسب تياره السياسي الذي كان رئيسه جبران باسيل أمس يستقوي بصديقه وزير خارجية بلغاريا الذي لم يجد اللبنانيون أي مغزى من زيارته، سوى دعم باسيل في مواجهة العقوبات الأوروبية ومحاولة لفك الحصار والعزلة المفروضان عليه.
لم يرتق إجتماع بعبدا الى مستوى الحدث الخطير المتعلق بتهريب المخدرات، كما لم يستطع أن يحاكي القرار السعودي لاقناع قيادة المملكة بالتراجع عنه، خصوصا بعدما عجز عن تحديد المسؤوليات، وشهد تقاذفا للمسؤوليات وتبادلا للاتهامات، ما يؤكد أن الجميع يريدون إبعاد هذا الكأس عنهم واللجوء الى التعمية المعتادة.
بدا المعنيون بهذا الأمر بأنهم “متل الأطرش بالزفة” فلا وزير الاقتصاد راوول نعمة يمتلك معطيات عن شهادة المنشأ التي حصلت عليها البضاعة، ولا وزير الزراعة عباس مرتضى يعرف شيئا عن الآلية التي سلكتها “الارسالية” في وزارته وكيف تم السماح لها بالمغادرة، ولا أحد يمتلك المعلومات الوافية عن كيفية دخولها وخروجها.
الأخطر أن رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال لا يعلمان بأن المرفأ يفتقر الى “سكانر” لمراقبة كل البضائع بدقة، حيث سأل الرئيس عون عن الأسباب التي أدت الى عدم تركيب “السكانر” الذي صدر مرسوم بشرائها في شهر تموز من العام الفائت، وهو أمر كان يفترض بالحكومة والوزراء المعنيين متابعته.
واللافت أن الرئيس عون كان مهتما في كيفية حماية القاضية غادة عون وتأمين سلامة مناصري التيار الوطني الحر الذين يساندونها في إقتحاماتها لشركة مكتف وفي تمردها على قرارات السلطة القضائية، لكنه لم يدرك بأن الحدود البحرية أو البرية تحتاج الى تجهيزات لمكافحة المخدرات التي تغزو لبنان من أقصاه الى أقصاه وتهدد المنطقة بكاملها، كما كان يفترض به أن يدعم السلطة القضائية والأجهزة الأمنية في التصدي لهذه الآفة، وهي إستبقت إجتماع بعبدا وختمت أحد المصانع في تعنايل بالشمع الأحمر يعتقد أنه إستضاف البضاعة قبل ترحيلها.
كل ذلك يؤكد أن العهد القوي لديه خلل كبير في الأولويات حيث ينشغل في تأمين مصالح تياره السياسي ورئيسه وفي كيفية تصفية الحسابات السياسية، على حساب تشكيل الحكومة وإنقاذ اللبنانيين ومنع الانهيار وتأمين العيش الكريم واللائق لشعب لبنان العظيم، وحماية البلاد والعباد من الفوضى التي تشرع كل الموبقات وفي مقدمتها المخدرات.
لم تكن تغريدة السفير وليد البخاري مستغربة، فإجتماع بعبدا لم يقنع أحدا بأن ثمة إجراءات حاسمة وحازمة يمكن أن تتخذ وأن تطمئن الجانب السعودي، خصوصا أن من يعجز بعد أربعة أيام عن تحديد المسؤوليات الأولية لن يكون قادرا على المواجهة والمكافحة.
الاجتماع تمخض عنه بيان فيه الكثير من التمنيات والعواطف والتكليفات والجمل الانشائية والتهديد بإتخاذ أقصى العقوبات بالفاعلين والمخططين والمنفذين والمقصرين الذين لا يمتلك أي من المعنيين عنهم أية معلومة، في حين بدا العجز اللبناني الرسمي واضحا في إمكانية التواصل مع المملكة السعودية المقفلة أمام الرؤساء عون ودياب وسعد الحريري، ما دفع المجتمعين في قصر بعبدا الى تكليف وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي التواصل والتنسيق مع السلطات السعودية.