رؤساء ونوّاب ووزراء، حاليّون وسابقون وقضاة، أمنيّون في لبنان وسوريا، تمكّن حسن دقّو من التقرّب منهم. جزء منهم كانوا لا يعرفون أنّ ابن بلدة طفيل بات متربّعاً على عرش تصنيع مخدّر الكبتاغون وتهريبه، تحديداً إلى السعودية. كان الجميع يتعامل مع دقّو بصفته رجل أعمال، يملك مصانع في الأردن وسوريا، وشركة إنشاءات. وقبل أن يوقفه فرع المعلومات قبل أيام، كان دقّو يسحب نفسه من بين أيدي القضاء اللبناني، «كالشعرة من العجين». اليوم، بات المتشبه فيه الأول بتهريب عشرات ملايين حبوب الكبتاغون من سوريا إلى السعودية… ولو عبر ماليزيا!
دِقّو هذا، الذي ذاع صيته كرجل أعمالٍ في السنوات الأخيرة، سوريّ الأصل استحصل على جنسية لبنانية بموجب حُكم قضائي. يملك الرجل أموالاً طائلة وفّرت له شبكة من العلاقات السياسية والأمنية والقضائية. وصلت إلى استضافة نائب على عشاء في منزله، أسفر عن قيام النائب بتقديم إخبارٍ ضدّ عدد من تجّار المخدرات قبل أن يتبيّن أنّ جميع هؤلاء منافسون لدِقّو.
بدأ دِقّو حياته العملية في الأردن، حيث افتتح معملاً لتصنيع المواد الأولية لمواد التنظيف. وبدأ يستورد المواد ليُهرّب حاجته من المواد الأولية للكبتاغون التي تُصنّع من الأمفيتامين والكوكايين السائل.
سبق أن أوقفه فرع المعلومات قبل أشهرٍ بجرم اختطاف شخصٍ وتسليمه لقوات الأمن السوري، وبالتحقيق ثبت أنّه من دبّر هذه العملية حيث دُوِّنت إفادات أربعة شهود ضده، إلا أنّ المفاجأة كانت إخلاء سبيله خلال أيام دون غيره. القاضي الذي وقّع إخلاء السبيل هو أسامة اللحام، أحد القضاة الذين ورد اسمهم في ملف الفساد القضائي، إلا أنّه لم يُحاسب بعد ولم تُكفّ يده. وقد سبق لدِقّو أن أوقف في ملفات مخدرات، إلا أنّه كان يخرج دائماً بمنع محاكمة. حادثةٌ أخرى تُظهر حجم الغطاء الذي يحظى به دِقّو. فقد اسُتدعي «رجل الأعمال» إلى فصيلة طليا، فحضر على رأس موكب مؤلف من 12 سيارة يستقلّها مرافقوه المسلّحون. يومها حضرت قوة من الجيش وأوقفت جميع عناصر الموكب وضبطت السلاح والسيارات، إلا أنّ اتصالاً جاء خلال نصف ساعة، تُرِك بنتيجته الجميع من دون اتخاذ أي إجراء. والحظوة التي يتمتّع بها في لبنان لا تقلّ عن تلك المتوفرة له في سوريا.
لدى دقو، المتزوّج بمحامية معروفة، موكبٌ كبير من السيارات يبلغ 12 سيارة مزوّدة بزجاج حاجب للرؤية وعدد كبير من المرافقين يتنقّلون معه مدجّجين بالأسلحة. اشترى سيارتين من الوزير السابق نُهاد المشنوق، إحداهما مصفّحة، وهذا ما أكّده المشنوق لـ«الأخبار»، معلّقاً بأنّه باعه السيارتين كأيّ مشتر ولم يكن يعلم شيئاً عن حقيقة عمله. كما تبيّن أن نفوذ دقو سمح له بتشييد خمسة هنغارات ضخمة في بلدة الطفيل الحدودية بموجب ترخيصٍ من وزير الداخلية محمد فهمي، في وقت يعاني فيه الآلاف للحصول على ترخيصٍ في البقاع. ولدى سؤال الوزير فهمي عنه، أجاب بأنّه سأل قوى الأمن عنه فأجابوه بأن لا شيء عليه. هذه الهنغارات تسببت بخلافٍ كبير مع أهالي الطفيل التي اشترى دِقو جزءاً كبيراً من أراضيها. تدخّل يومها الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، لعقد مصالحة بين دقّو وقسم من أهالي بلدته. وبنتيجة الوساطة، استعان دِقّو بصديقه نقيب الصحافة عوني الكعكي ليصطحبه في زيارة للرئيس سعد الحريري، علماً بأنّ علاقة وثيقة تربطه بكل من الكعكي وأحد الفنانين. وقد وُثِّقت هذه الزيارة بصورة تجمع دقو ورئيس الحكومة المكلف، نشرها دِقّو ومناصروه على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يحذفها بناءً على طلب من الحريري الذي لم يكن يعرفه قبل ذلك اللقاء، والذي تلقّى نصيحة من فرع المعلومات باعتبار أنّ الرجل مشبوهٌ. كذلك تمكن دِقّو من التقرّب من نواب في حزب الله، ومنهم النائب إبراهيم الموسوي الذي لم يكن يعرفه أيضاً. ويقدّم دقو نفسه بصفته أحد أبرز وجهاء بلدة الطفيل الحدودية، ويسعى إلى تأمين خدمات لأبناء البلدة لدى السلطات اللبنانية والسورية.
لم يكن دقّو الأقوى في عالم الكبتاغون، إلا أنّ توقيف مكتب مكافحة المخدرات إمبراطور الكبتاغون محمد رشق، قبل سنوات، جعله يتصدّر اللائحة، ولا سيّما أنّ الجزء الأكبر من الكبتاغون يُصنع في سوريا، وتحديداً في المناطق الحدودية، حيث ازدهرت صناعته إبان الحرب السورية وتراخي قبضة الدولة في تلك المناطق، وصولاً إلى خروج الدولة منها لفترة طويلة.
كلفة الحبة الواحدة ٨٥ سنتاً، تضاف إليها كلفة النقل ورشى التهريب ليصل ثمن الحبة إلى دولارين. في الخليج، تُباع الحبة بما يراوح بين 12 و15 دولاراً. وبالتالي، فإنّها تُحقق أرباحاً هائلة. إذ إنّ تهريب مليون حبة يُحقّق ربحاً يبلغ نحو عشرة ملايين دولار. غير أنّ الوجهة الأساسية التي يستهدفها التجار بقيت السعودية، حيث يصل فيها سعر الحبة الواحدة إلى ٢٠ دولاراً. وتنقل المصادر أنّ السعودية اتّخذت قراراً قبل أشهر بمنع دخول أيّ شُحنة مصدرها سوريا، لذلك عمد المهرّبون إلى الاحتيال. وعلمت «الأخبار» من مصادر أمنيّة أنّ شحنة الكبتاغون المخبّأة في حبوب الرمّان، المضبوطة في السعودية، الأسبوع الفائت، والتي اتّخذتها الرياض ذريعة لمنع استيراد الخضر والفواكه اللبنانية، وُضِّبت في سوريا ونُقِلت براً إلى لبنان لتُهرَّب عبر البحر إلى السعودية بعد تزوير شهادة بلد المنشأ.