“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
واضح أن أبواب قاعة مجلس الوزراء لن تُفتح قريباً، لا لانعقاد حكومة تصريف الأعمال، ولا أمام حكومة الرئيس سعدالحريري المنتظرة، والتي باتت ك”عَشَم إبليس في الجنة”، في ظل التصعيد الكلامي المستمر على جبهتي “البرتقالي” و”الأزرق”، فيما بيت قصيد التعطيل، يتفرّج مصدّراً فرماناته الضبابية والرمادية.
ومع تعطّل الحلول، وتوقّف الوساطات، ووضع المبادرات على الرفّ، تزداد صورة الوضع الداخلي سوداوية، والمشهد قتامة، ومع غياب الحلول وانعدام التواصل، ومع انقطاع كل محاولات الحلّ الخارجي، وتعطّل كل المبادرات الداخلية، خرج رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ليُسقط كل الرهانات عن مبادرة جديدة، فبدل أن يكحّلها عماها في ساعة ونيف من الزمن، مطلقاً مدفعيته الثقيلة في اتجاه الداخل، مهادناً الخارج، مسايراً الأميركيين بنسفه خط ترسيم اليرزة، ملوّحاً للقضاء بلجنة تحقيق دولية في انفجار المرفأ، معتبراً استقالة المجلس النيابي والإنتخابات المبكرة باباً وحيداً لرحيل الرئيس المكلّف، مستهدفاً الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية”، الأمر الذي استدعى رداً من العيار نفسه من بيت الوسط ومعراب.
غير أن الإطلالة المختلفة لباسيل بالشكل، “سارقاً” نموذج السيد حسن، أرست في المضمون قواعد جديدة، في هجومه إلى الأمام بعيداً عن المهاترات وزواريب سياساتها الضيقة، وتصفية الحسابات الشعبوية، وبعيداً عن شدّ عصب الجمهور “البرتقالي” الذي غلّف كلامه، تستدعي التوقّف عند أبرز النقاط في كلام الساعة والنيّف الذي استغرقه المرشّح جبران، للإدلاء بمطالعته حول الملفات المستجدة، والتي رسم في كل نقطة من نقاطها، معادلة جديدة كفيلة في حال صحّت، أن تقلب المشهد السياسي بالكامل. وفي مقدمة هذه النقاط:
– غادة عون لا تردّ على أحد. بالتأكيد في الشكل قد لا يصدق الكثيرون الأمر رغم أن الوقائع تبيّن عكس ذلك، بحسب من شاركوا في التحرّكات الأخيرة في عوكر. فهل يمكن الإستنتاج هنا أن باسيل راجعها ولم تردّ؟ لا أحد يمكنه الجزم، إلاّ أنه من الواضح، وبعيداً عن الموقف المبدئي لرئيس ” الوطني الحر” من الموضوع، فهو يدرك جيداً أن الملف لن يصل إلى مكان على صعيد” التجريم القانوني”، بعدما أصبح ملف عوكر أكبر من حجمه الطبيعي.
وباسيل، الذي شدّد على دعم القضية لا القاضية، كان استبق بموقفه، الهجوم الكنسي ضد عون، والذي توحّدت خلفه المذاهب.
وهنا، تؤكد مصادر قضائية، أن “الداتا” لن تُظهر أسماء شخصيات، ذلك أنه ممنوع على شركة مكتّف أن تنقل أموالاً عائدة لأفراد، وفقاً لالتزاماتها الدولية والخاضعة لقواعد أميركية صارمة، كما أن الأموال العائدة للمصارف المحوّلة إلى الخارج شرعيّة المصدر، وتمّ تحويلها وفقاً للقوانين المرعية الإجراء. وبالتالي، فإن مراجعة جهات لبنانية لبعض الدول الأوروبية لحجز تلك الأموال تمهيداً لاستعادتها، قد جاءت نتيجتها سلبية، إذ طلب المعنيون في الخارج إثبات عدم شرعية تلك الأموال، وهو ما لم يحصل.
– قضاء، محاسبة، إسترداد، معادلة جديدة أضافها باسيل إلى الثلاثيات الدارجة هذه الأيام، إلاّ أنه قد يجد نفسه وحيداً في السير بها، في ظلّ انكفاء حليفه، الذي، بحسب القواعد العونية، ترك “التيار الوطني”، يخوض حروب الداخل وحيداً، رغم وقوف الأخير إلى جانب معادلاته المقاومة، وغير الممانعة. فحارة حريك، وبحجّة وحدة البيت الشيعي، سحبت يدها من يد الحليف المسيحي، في الوقت الذي يسود الإعتقاد لدى القواعد أن مناقشة وثيقة التفاهم وإرساء قواعد جديدة، لن تصل إلى نتيجة في ظلّ استراتيجية الحزب الحالية.
– سحب التكليف باستقالة المجلس النيابي وإجراء انتخابات، وهو الحل الدستوري المنطقي، في ظل الديمقراطيات حول العالم عندما تصل الأمور إلى حائط سياسي مسدود. لكن الأهمّ في تلك المعادلة، هو نقله المعركة إلى خروج الحريري ـ بري، بعدما كان حوّل بيت الوسط المعادلة من الحريري وباسيل سوى جوّا أو سوى برّا، إلى تنحّي عون مقابل اعتذار الحريري. ففي الوقت الذي هزّ فيه العصا للشيخ سعد، أقرّ له بأزلية التكليف، طالما أن حلّ المجلس غير ممكن، والإنتخابات المبكرة لن تحلّ شيئا. فباسيل يعرف جيداً أن ثمة انقساماً دولياً وعربياً، حول تولّي الرئيس الحريري رئاسة الحكومة. ومن الواضح أن “الرئيس باسيل” ، يردّ في مكان ما، “الكيل كيلين”، للمحرّض وراء تصريحات نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي. وتقول المعلومات أن “سندباد الجمهورية” أبلغ المعنيين عزمه الإستقالة من موقعه مطلع العام المقبل، إستعداداً لخوض المعركة النيابية، وربما إذا “حظه فَلَق الصخر”، رئاسة ساحة النجمة.
– المعركة هي معركة النصف زائد واحد مقابل الثلث زائد واحد. إقرار دقيق جداً بإحدى أبرز العقبات أمام التشكيل، مرتبط بمرحلة ما بعد انتهاء العهد، والأهم بالملفات الأساسية التي ستبحثها الحكومة، والتي ستحدّد مستقبل البلاد السياسي والإقتصادي. ومن حيث الشكل، ثبت أن مشكلة التشكيل داخلية، لأن “التيار الوطني”، لم يبلع خرق الحريري للأصول في الفاتيكان.
– تمايزه الواضح في مسألة ترسيم الحدود عن جميع الأفرقاء، مقدّماً مطالعة جديدة. فهو نسف النقطة التي عمل عليها أساساً رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكذلك الخط 29، الذي أرسته قيادة الجيش، مطيحاً كذلك بخط “هوف”، داعياً إلى حلّ وسط على قاعدة “لا يفنى الديب ولا يموت الغنم”. فهل سيرضى “حزب الله” ؟
– الهجوم المركّز على “القوات اللبنانية” وقائدها، بعدما كان قد حيّدها في المرّات السابقة. فهجوم الحكيم جاءه “شحمة عا فطيرة”، ليفتح له سجلات الماضي دفعةً واحدةً، حيث تكشف المعلومات على هذا الصعيد، أنه في حال لم يتوحّد المسيحيون حول ورقة تفاوض واحدة متى حان وقت الجلوس إلى طاولة التسوية، فإنهم سيدفعون ثمن خلافاتهم مزيداً من التقهقر والخسائر.
– من طيّر أموال اللبنانيين، يريد تطيير القضاء وتطيير التدقيق والتحقيق، ويحاول تطيير “الوطني الحر” من المعادلة، والذي طالب الرئيس الحريري، بأن “يستخدم بطاقة التكليف التي أعطيت له لتأليف الحكومة، لا كبطاقة للتعريف عنه في جولاته”.
بدا جلياً أن الوزير السابق مرتاح جداً في هجومه، رغم وصف “المستقبل” للإطلالة، بأنها مشابهة لإطلالة عون القاضية في غزوتها لعوكر، وعون الجنرال من بعبدا أواخر الثمانينات. فما سبب تلك الراحة؟ واضح أن الصهر تنفس الصعداء لفكّ العزلة الدولية التي فرضتها العقوبات الأميركية. فمن الدعوة الباريسية، مروراً بلقاءاته بالسفراء الأوروبيين، وصولاً إلى زيارته المنتظرة لموسكو، إستعاد النائب البتروني جزءً من “نفسه” ، سمح له بإعادة التموضع وشنّ هجماته “المدوزنة”.
من “الرمّانة” السعودية، إلى القلوب اللبنانية المليانة، واضح أن الأمور “مش ماشية”، بعدما سقطت كل الأصول، حتى في الخصومة.
فما يجري في الغرف المغلقة من كلام تظهره المؤتمرات الصحافية على ما ينقل الشاطر حسن. فصحيح “أن الصهر سندة الضهر”، ولكن الحمل صار أكبر من أن يحمله الأصهرة الثلاث فيما لو قدّر لهم أن يجتمعوا، وهو من رابع المستحيلات.