غزة | بينما يزداد قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي للشبّان الفلسطينيين في القدس المحتلّة، على رغم تراجعه عن الخطوات التوتيرية في المدينة، يتواصل «تنقيط الصواريخ» على مستوطنات «غلاف غزة» بصورة مدروسة، الأمر الذي دفع المستويات السياسية والعسكرية والأمنية في تل أبيب إلى التداعي للاجتماع مرّات عدّة خلال اليومين الماضيين، لتتّفق في النهاية على «عملية عسكرية جوّية واسعة ضدّ غزة» في حال استمرار إطلاق الصواريخ. وارتفعت وتيرة التهديدات الإسرائيلية ضدّ «حماس» خلال الساعات الأخيرة، جرّاء رفض الحركة التجاوب مع اتصالات الوسطاء الذين يطالبونها بالهدوء خشية جرّ الوضع إلى مواجهة كبيرة وشاملة، فضلاً عن تواصل الضغوط الميدانية التي كان آخرها إغلاق الاحتلال بحر القطاع بالكامل ومنع الصيّادين الفلسطينيين من دخوله.
على مدى يومين، لم تفضِ الاتصالات إلى وقف التصعيد جرّاء إصرار «حماس» على وقف الانتهاكات ضدّ المقدسيين، وتأكيدها أنه كلّما زادت اعتداءات الاحتلال ستتواصل عمليات المقاومة من غزة، وقد تتوسّع في حال وسّع الاحتلال عدوانه وعاد المستوطنون إلى الاستفزازات واقتحام المسجد الأقصى مجدّداً، كما هو مخطط لديهم في الثامن والعشرين من رمضان الجاري. في هذا السياق، كشفت مصادر «حمساوية» أن الحركة تلقّت اتصالات من المصريين والمبعوث الأممي إلى الشرق الأوسط، تور وينسلاند، لبحث الوضع في القدس وغزة. وطبقاً لهذه الاتصالات، نُقل عن الاحتلال أنه لا ينوي التصعيد في المدينة المحتلّة، وأنه سيمنع أيّ تحرّكات تستفزّ المسلمين، وهو ما ترى المقاومة أنه غير كافٍ جرّاء التعنّت الإسرائيلي تجاه عقد الانتخابات الفلسطينية هناك.
وعن تهديدات الاحتلال بحملة جوّية، نقلت «حماس» عبر الوسطاء رسالة فحواها أنها مستعدة للتصعيد، وأن «أيّ حماقة ستواجَه بقوة وبخاصة عمليات الاغتيال أو استهداف البنية التحتية المدنية»، مضيفة إن «مثل هذا الأمر سيجلب ردّاً كبيراً وغير متوقع». في المقابل، قال موقع «والّا» العبري إن تل أبيب «نقلت رسالة تحذير بأنها ستردّ بقوة في حال إطلاق الصواريخ مجدّداً… ورسالة أخرى إلى السلطة بشأن التوتر في القدس وملفّ الانتخابات، وذلك عبر وينسلاند الذي تَوجّه إلى القاهرة ثمّ إلى عمان» يوم أمس. وبالتزامن، تتعالى الأصوات الإسرائيلية بوصف الحكومة الحالية بالعجز أمام المقاومة الفلسطينية، إذ قال المنسّق السابق لعمليات الحكومة الإسرائيلية، الجنرال إيتان دانغوت، إن «حماس تجاوزت الخطوط الحمر»، مطالباً بأن يكون الردّ من الآن فصاعداً «مختلفاً تماماً. أمّا زعيم حزب «أمل جديد»، جدعون ساعر، فرأى أن «الردع ضدّ حماس آخذ في التآكل، ويمكن إعادة بنائه بالأفعال فقط… شهدنا بعد عملية الرصاص المصبوب 2008 عاماً من الهدوء، وكذلك بعد الجرف الصامد 2014. لذا فإن قبول إطلاق الصواريخ دون الردّ عليه فوراً بردّ قاسٍ للغاية، يقوّض الردع».

وفي إشارة إلى جدّية تهديدات الاحتلال لغزة، دعا رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، لأوّل مرّة منذ بداية الأحداث، زعيم المعارضة، يائير لابيد، إلى حضور جلسة إحاطة أمنية في «المجلس الأمني المصغّر» (الكابينت) أمس، لإطلاعه على الوضع وطبيعة ردّ الجيش وما هو مطروح على الطاولة للتعامل مع غزة، وفق مصادر عبرية. وبعد ساعات من الاجتماع، أعلن «الكابينت» إصدار أوامره بتنفيذ عملية جوية واسعة النطاق في حال استمرار إطلاق الصواريخ، مع تخويل نتنياهو، ووزير الجيش، بيني غانتس، تحديد وقت العملية التي اقترحها الجيش. كذلك، نقلت القناة الـ 20 العبرية عن مصادر في جيش الاحتلال أنه تمّ إصدار أوامر للواء «غولاني» في الجولان للاستعداد لاحتمال انتقاله خلال وقت قصير إلى حدود القطاع.
وعلى الحدود، عادت الفعاليات الشعبية بصورة جزئية بحضور مئات الشبّان الذين يشعلون الإطارات وينفّذون أعمال «الإرباك الليلي» للاحتلال، ما أدى إلى إصابة اثنين منهم مساء أول من أمس بعد إطلاق جنود العدو النار عليهم. ويأتي ذلك فيما تستعدّ وحدات المقاومة الشعبية للعودة إلى عملها قريباً جرّاء الخطوات «العقابية» ضدّ غزة، وفق مصدر تحدّث إلى «الأخبار». وأكد المصدر أن وحدات المقاومة أتمّت استعداداتها للعمل على طول الحدود بما يشمل البالونات المتفجّرة و«الإرباك الليلي» بهدف الضغط على الاحتلال، مشيراً إلى أن الفعاليات مرتبطة بتقدير الموقف الحالي في غزة والقدس. في الوقت نفسه، تعمل الأجهزة الأمنية والمقاومة، منذ يومين، وفق خطّة الطوارئ، تحسُّباً لتوجّه الاحتلال إلى توسيع تصعيده أو الذهاب إلى عملية اغتيال أو ضرب كبير للبنية التحتية.
في ملفّ الانتخابات، علمت «الأخبار»، من مصادر «فتحاوية»، أن رئيس السلطة، محمود عباس، اتخذ قراراً بإلغاء الانتخابات بذريعة رفض الاحتلال إجراءها في القدس، وأنه أبلغ الاتحاد الأوروبي والأردنيين والمصريين بهذه الخطوة التي سيجري إعلانها الخميس المقبل عقب اجتماع «اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير». لكن الأوروبيين نصحوه بإمهالهم حتى الخميس ليضغطوا على الاحتلال قبل أخذ موقف نهائي. في المقابل، ترفض «حماس» تأجيل الانتخابات، وتتّهم عباس بأن توجُّهه إلى إلغاء الانتخابات ليس بسبب القدس، بل جرّاء الوضع الداخلي في «فتح» التي تدخل الانتخابات بثلاث قوائم، وبسبب تحذيرات الاحتلال له من فوز «حماس» وعودة المقاومة إلى الضفة. كذلك، أعلنت «الجبهة الشعبية» رفضها تأجيل الانتخابات، داعية إلى «الاستمرار فيها وفرضها بنفس الطريقة والمنطق الذي فرضه الشباب في القدس».