كتب المحرّر السياسيّ-البناء
بقيت القدس عنوان المشهد الإقليميّ مع تصاعد المواجهات بين الشباب المقدسيّ وقوات شرطة الاحتلال، التي صعّدت من وحشيتها في مواجهة المقدسيين، بينما بدأ النقاش السياسي بين قادة الكيان حول خطورة المضي في التصعيد، وما سيمنحه للفلسطينيين من تعاطف دوليّ وفرص لنقل التصعيد الى مستويات أعلى، وحضرت صواريخ غزة على طاولة النقاش في حكومة بنيامين نتنياهو مع ارتفاع أصوات المطلبين بعملية عسكرية على قطاع غزة، تقابلها تحذيرات من مخاطر مواجهة شاملة تختلف عن سابقاتها، في ظل اتساع الانتفاضة إلى بلدات ومدن الضفة الغربية، وظهور دعوات للتضامن مع القدس في مدن المناطق المحتلة العام 48، وتدفق أعداد من أبناء هذه المناطق نحو القدس، وتقديرات متداولة عن أيام أشدّ صعوبة مقبلة، أبرزها اليوم العالمي للقدس في السابع من أيار المقبل، وصلاة العيد في الثالث عشر منه، وما يستقطب هذان الاستحقاقان من مشاركة واسعة في القدس والضفة وغزة والأراضي المحتلة عام 48، في ظل تظاهرات مليونية تشهدها عواصم عالميّة عديدة.
لبنانياً شهد قصر بعبدا اجتماعاً حكومياً وأمنياً لمناقشة قضيّة إقفال السعودية حدودَها أمام الصادرات الزراعية اللبنانية، تحت ذريعة ضبط شحنة زراعية تضمنت حبوباً مخدرة، وخرج الاجتماع بتكليف القضاء والأجهزة الأمنية بالتحقيق في عمليات التهريب واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق كل من يتوصل التحقيق لكشف تورّطه، بعدما تم إلقاء القبض على أربعة متهمين، وتوجه الاجتماع نحو القيادة السعودية مناشداً التراجع عن القرار، وطلب التعاون في مكافحة التهريب، بينما كان لافتاً غياب أية إشارة في الوسطين الإعلامي والسياسي للجهة السعودية الشريكة في عملية التهريب، والتي يفترض بحكم كونها مَن سيتلقى المخدرات المهربة والموزّعة أن تكون مموّلة العملية، وطُرح التكتم على هوية المموّل السعودي لعمليات التهريب، والحملة السياسية التي رافقت القرار السعودي، وما تضمنته من تركيز على المقاومة، سواء بتحميلها مسؤولية تأزم العلاقة بالسعودية أو لجهة اتهامها بالوقوف وراء التهريب، أو لجهة تحميلها مسؤولية تسيّب الحدود مع سورية، سؤالاً حول ما إذا كان التهريب قد تم بصورة مخابراتيّة مدبّرة وضبط بالطريقة ذاتها كمدخل لهذه الحملة، طالما بقي الشريك السعودي في التهريب بعيداً عن الأضواء.
في الشأن السياسي الداخلي، شكلت زيارة وزير خارجية هنغاريا لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وتصريحاته الواضحة برفض أي عقوبات أوروبية على ما وصفه بالممثل الأبرز للمسيحيين في لبنان، إسقاطاً لشرط الإجماع الذي تحتاجه أية عقوبات أوروبية، بعدما تقدّمت فرنسا بطلب بحث أمر العقوبات في مؤسسات الاتحاد خلال الأيام المقبلة، وبدا كلام الوزير الهنغاري دعماً لموقف باسيل في ظل التعقيد الذي يعيشه المسار الحكوميّ، بينما بقي الانقسام السياسي مخيماً على المشهد الحكوميّ، ولم تنجح زيارة البطريرك بشارة الراعي إلى بعبدا ببلورة أي اختراق، فيما حذرت حركة أمل من مواصلة المماطلة والتسويف في مقاربة الاستحقاق الحكومي.
ولا يزال القرار السعودي بوقف تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية الى السعودية في واجهة المشهد الداخلي، حيث عقد اجتماع وزاري أمني برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء المختصين وقادة الأجهزة الأمنية المعنية بحث ملابسات القرار ومعالجة تداعياته.
وخلص المجتمعون الى جملة مقررات تلاها مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير أبرزها تأكيد «حرص لبنان على متانة العلاقات الاخوية مع السعودية وإدانة كل ما من شأنه المساس بأمنها الاجتماعي او بسلامة الشعب الشقيق، لا سيما تهريب المواد الممنوعة والمخدّرة، خصوصاً أن لبنان يرفض رفضاً قاطعاً ان تكون مرافقه، طريقاً أو معبراً لمثل هذه الجرائم المشينة». كما تمّ الطلب، «إلى المدعي العام التمييزي غسان عويدات استكمال ومتابعة ما يلزم من تحقيقات لكشف كل ما يتصل بعملية تهريب المواد المخدرة في شحنات الخضار والفاكهة التي دخلت الأراضي اللبنانية والجهات التي تقف وراء تصديرها إلى المملكة العربية السعودية». كذلك، اتخذ قرار بـإنزال، وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، أشد العقوبات بالفاعلين والمخطّطين والمنفّذين والمقصّرين، على أن يُصار إلى اطلاع المسؤولين السعوديين على النتائج في أسرع وقت ممكن، إضافة إلى الطلب الى القوى العسكرية والأمنية والجمارك والإدارات المعنية التشدد وعدم التهاون إطلاقاً في الإجراءات الآيلة لمنع التهريب على أنواعه من الحدود اللبنانية والى اي جهة كانت، لا سيما منها الشحنات المرسلة الى دول الخليج، والتأكد من خلوها من أية بضائع ممنوعة».
كما تم تكليف «وزير الداخلية محمد فهمي التواصل والتنسيق مع السلطات المعنية في المملكة العربية السعودية لمتابعة البحث في الإجراءات الكفيلة بكشف الفاعلين ومنع تكرار مثل هذه الممارسات المدانة»، إضافة إلى تكليف «وزني ووزير الاقتصاد راوول نعمة والصناعة عماد حب الله والزراعة عباس مرتضى، مراجعة الآليات والإجراءات التي تتبع في عملية التجارة الخارجية واقتراح التعديلات اللازمة على النصوص القانونية المعمول بها حالياً لضمانة حسن وسلامة الصادرات اللبنانية بالتنسيق مع اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة». وتمنى المجتمعون من «المملكة إعادة النظر في قرار منع دخول المنتجات الزراعية اللبنانية الى السعودية او عبور أراضيها، وشدّد المجتمعون على ان لبنان كان وسيبقى الشقيق الحريص على سلامة أشقائه العرب».
وشدّد رئيس الجمهورية في مستهل الاجتماع على أن «التهريب بأنواعه كافة، من مخدرات إلى محروقات وغيرها من المواد يضرّ بلبنان ويكلفه غالياً، وعملية التهريب الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية تؤكد ذلك». وأكد أن «لبنان حريص على عدم تعريض سلامة أي دولة، وبخاصة الدول العربية وأبنائها إلى أي خطر»، واستوضح المعنيين عن «أسباب التأخير في شراء آلات السكانر لوضعها على المعابر على الرغم من القرار المتخذ منذ تموز 2020 وصدور مرسوم بذلك». ودعا إلى «إتمام عملية الشراء في أسرع وقت»، وطلب من «الأجهزة الأمنية التشدد في مكافحة عمليات التهريب ومن يقف وراءها»، مؤكداً «حرص لبنان على المحافظة على أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة وحماية الأمن والاستقرار فيها».
من جهته، قال الرئيس دياب خلال الاجتماع «نحن مع المملكة في محاربة شبكات التهريب بفروعها اللبنانية والسعودية وخيوطها الممتدّة بالعديد من الدول، ومع ملاحقة المتورّطين». أضاف: «نحن على ثقة أن السعودية وكل دول الخليج يعرفون جيداً أن التوقف عن استيراد الزراعات اللبنانية لا يمنع تهريب المخدرات الذي يعتمد طرقاً مختلفة، وأن التعاون بيننا يساعد على ضبط هذه الشبكات».
وفي سياق ذلك، أفادت معلومات أن شعبة مكافحة المخدرات في الجمارك أوقفت شخصين من آل سليمان على صلة بشحنة الرمان إلى السعودية والتي احتوت على حبوب الكبتاغون وقد تمّ تكليف مكتب المخدرات في قوى الأمن بالقضية بإشراف مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. وتحدثت المعلومات عن أن نسبة قليلة من الرمان الذي كان في الشحنة تم حشوه في المخدرات وأن كل رمانة تضمّنت نحو 2000 حبّة باعتبار أن وزن الحبة من هذا النوع من الرمان المستورد يصل إلى نحو 700 غرام.
وافادت المعلومات أن «القاضي عويدات أمر بختم مستودع في تعنايل بالشمع الأحمر على أثر مداهمته أمس، من قبل دورية لشعبة المعلومات في مكتب زحلة، إذ تبين بأن حمولة شاحنة الرمان السورية قد أفرغت فيه ونقلت الى شاحنة لبنانية».
وكشف الوزير فهمي أن «مكتب مكافحة المخدرات يحقق مع 4 متورطين في شحنة الكبتاغون».
وأضاف أن «كل الشحنات التي ستخرج من لبنان ستخضع لتفتيش دقيق».
واشارت مصادر سياسية لـ«البناء» الى ان تهريب المخدرات آفة دولية واغلب الدول تعاني منها، وتجري معالجة هذا الخطر على الامن الاجتماعي بالطرق الدبلوماسية ومن خلال التعاون بين الأجهزة الأمنية وليس بقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية او بوقف علاقات الاستيراد والتصدير للمنتجات الزراعية بذريعة ضبط مخدرات في بعض المنتجات، علماً أن لبنان سبق وضبط عدة شحنات مخدرات مهرّبة الى السعودية فلماذا سارعت السعودية الى اللجوء لهذا الخيار من دون التنسيق مع السلطات اللبنانية؟ فضلاً عن أن المهربين هم مافيا وشبكة تقوم بالتهريب بين عدة دول، وبالتالي ليست الدولة اللبنانية هي المسؤولة عن التهريب ويكفي أن تطلب السعودية من لبنان ضبط حدوده وإلقاء القبض على شبكات التهريب؟ وخلصت المصادر الى ان «القرار سياسي بامتياز ومرتبط بالتطورات في المنطقة لا سيما على الجبهة اليمنية السعودية». واضافت الى أن «موقف السعودية بعد اجتماع بعبدا والمقرّرات التي اتخذها سيُظهر البعد السياسي للقرار من عدمه ».
وحضر القرار السعودي والملف الحكومي على طاولة النقاش بين رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي زاره في قصر بعبدا. فقد أكد الراعي، أن «لا يوجد مبرر أساسي لعدم تشكيل حكومة في ظل الواقع الراهن»، مشدداً على ضرورة «عدم التراشق بالمسؤوليات لأن ذلك لن يشكل حكومة بل يزيد من حدة المشكلات».
وقال إن موضوع التهريب الذي يشوّه وجه لبنان كان من المواضيع التي طرحت خلال اللقاء، لا سيما أن لبنان أصبح معبراً للمخدرات ولتهريب حبوب الكبتاغون الى الخليج عبر السعودية التي أقفلت الباب بوجهنا، ولا يمكن ان يشكل لبنان مركزاً للتهريب وتبقى حدوده الشرقية والشمالية مفتوحة دخولاً وخروجاً لذلك. فلا يمكن للبنان أن يكون معبراً، كما رأينا بالأمس إلى السعودية وبعدها الى اليونان. واشار الراعي الى أنه «تمّ البحث بموضوع «القضاء واستقلاليته، وضرورة عدم حصول أي فراغ في هذا السلك، وإجراء تشكيلات قضائية». وقال «شددنا على كرامة القضاء وكرامة القاضي ونزاهته وحريته، مع عدم انتماء هذا القاضي الى اي فئة من الفئات، وضرورة عدم التدخل بشؤون القضاة، فيستطيع عند ذلك القاضي العمل بحسب ضميره والعدالة».
في غضون ذلك، لم يبرز أي جديد على صعيد الملف الحكوميّ بعد التصعيد بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. ولفتت مصادر «البناء» الى أن «تأليف الحكومة بات معلقاً بالمفاوضات الاقليمية الدولية وبأكثر من استحقاق في المنطقة فصلاً عن ان العلاقة بين عون والحريري بلغت أسوأ حالاتها منذ التسوية الرئاسية». فيما علمت «البناء» أن «المفاوضات الحكومية مجمدة في ظل وجود الرئيس المكلّف في الإمارات». وتوقعت المصادر أن يستمر الفراغ الحكومي لأشهر عدة ولا مؤشرات تعاكس ذلك ما سيدفع البلد الى تفاقم للأزمات الحياتية والاقتصادية في ظل الخلاف بين الحكومة والمجلس النيابي حيال مسألة رفع الدعم المتوقع أن يحصل بعد شهر رمضان».
ورأى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل خلال استقباله وزير الخارجية الهنغاري أن «لبنان وأوروبا جيران، والتواصل بينهما اقتصادي واجتماعي وسياسي، ونحن منفتحون مع الغرب، واوروبا بالنسبة الينا هي بوابة الغرب وأي انقطاع في العلاقة هو أمر سيئ للجميع»، مبيناً ان «سياسات العقوبات ستكون مضرة جداً، وستؤدي الى إبعاد لبنان عن اوروبا والغرب وستأخذنا أكثر نحو الشرق، وهذه السياسات ستدفع بلبنان رغماً عنه الى إفقاد توازنه مع أوروبا».
وقال: لا أحد يمكنه أن ينتزع منا كياننا ووجودنا على اساس سياسي، ونطلب مساعدة اوروبا في موضوع ملاحقة الفاسدين والأموال، وفرض عقوبات على معطلي الإصلاح يساعد ليس فقط على تشكيل الحكومة بل على الإصلاح.
ورداً على سؤال، قال باسيل: استقبالي لوزير الخارجية الهنغاري هو من موقع شخصيّ وبين حزبين ولا أتوسّل الخارج لتحصيل امور سياسية داخلية بل أصر على أن العمل لتشكيل الحكومة يكون في الداخل عبر منهجية واضحة وبالاتفاق مع رئيس الجمهورية وبثقة مجلس النواب.
بدوره قال السفير الهنغاري: «ليس من مصلحة الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على أفراد منتخبين، ولن نقبل بفرض عقوبات على أكبر حزب سياسي مسيحي في لبنان، من الظلم العقوبات التي تركز على أحزاب كهذه».
من جهته رأى المكتب السياسي لحركة «أمل» في بيان إثر اجتماعه الدوري الى أننا «نرى طيفاً من السياسيين الذين يعملون على انحلال الدولة وتعطيل مؤسساتها وشل دوائرها في كيدية ونكد، يضع مصير الوطن والدولة في مهب الريح. وهذا التعطيل المتعمّد يضع لبنان في دائرة الاستهداف والمواقف الصعبة في علاقاته الإقليمية والدولية، وإن الانهيارات المتتالية التي يعيشها الوطن تنذر بأخطار انهيار الثقة بالمؤسسات». ودعا إلى «تحكيم الضمير الوطني، بل الضمير الفرديّ المحض عند المسؤولين عن ملف التعطيل الذي يكاد يعطل ويشلّ حياة اللبنانيين». وحذّرت الحركة «من التعايش مع فكرة التسويف والمماطلة بتشكيل حكومة تنهي مأساة اللبنانيين الذين حوّل العناد والتعنت وطنهم من بلد الريادة والإبداع إلى بلد التسوّل».