شربل داغر-نداء الوطن
هذا اللفظ، “البلص”، يرِدُ للغاية في وثائق عثمانية او في كتب مؤرخين في الحقبة العثمانية. ويشير إلى تحكم سلطان أو أمير أو حاكم أو مقاطعجي بأملاك غيره من دون مسوغ شرعي.
هذا اللفظ سقطَ من الاستعمال، لكنني وجدتُ، في “المنجد”، ما يشير إلى معناه: “البلص هو أخذ المال من الرعية ظلماً او من دون وجه مشروع”.
لكن سقوطه من الكتابة لا يعني سقوطه من الاستعمال، ومن عادات الحكام والنافذين الجدد.
فما بات يُحدد الشرعية في هذه البلاد، في الأزمنة الحديثة، قد يستعيد سياسات “البلص” السابقة بتعابير واحتيالات مجددة.
هذا ما يتكفل به رجلُ قانون، او محامٍ، تحت نظر الحاكم والنافذ، ولمصلحته بالطبع.
يكفي أن ننظر إلى أكوام الأوراق التي لنا ان نوقع عليها عند إجراء معاملة مصرفية، أو عقد عمل، وغيرها لكي نتأكد- ولكن بعد فوات الأوان- من أن ما نشكو منه الآن، سبق أن وقّعنا عليه، او أقررنا به في سابق توقيعنا.
لا أكثر من الأوراق التي تُخفي في تفاصيلها، في لغتها القانونية المعقدة، ما يبيح حرية وتصرفاً لصاحب المؤسسة، وواجبات وقيوداً علينا، بوصفنا المستفيدين من العقد.
أما من صدقوا “نوايا” الرئيس او المدير أو المؤسسة، من دون العقود المكتوبة، فليس لهم غير أن يبحثوا عن تسجيلات صوته المتباعدة في الزمن، أو شهادات من سمعوا منه هذه “النوايا الطيبة”…
البلص متمادٍ، ومن يتحكمون ويبلصون لهم ياقات وربطات عنق وشهادات عليا، ويُتقنون المرور بين خيوط اللغة والقانون والحقوق.
ذلك أن المتحكم والنافذ يتدبر منذ التأسيس او بعده بما يسمح له إمساكه التام بالعقد منذ بداية العمل حتى نهاية الخدمة.
واذا كان المتحكم النافذ قد غدرته الوقائع المفاجئة، فإن صاحب المصرف يتكفل بالامر، ويهرب أمواله تحت جنح الظلام. هذا، إن لم يكن قد أخطره قبل وقت بحدوث الكارثة المالية وباحتجاز أموال المودِعين.
اما البلص الأشد فهو ان المتحكمِين والنافذِين (بين اهل السياسة والمال والمقاولات والاستيراد والتصدير) نهبوا ونهبوا، وراكموا الديون على الدولة، اي على المواطن الذي له- بما ادخره من جنى عمره- ان يُبقي امواله في المصارف المحلية (لا في جنيف او غيرها)، لكي يكفل ويسدد فواتير… سرقتهم الموصوفة.