قاسم قصير -أساس ميديا
الأرجح أن يكون شهر أيّار شهراً مفصلياً يفصل ما قبله عما بعده، إذا صدقت وعود “رفع الدعم”، مع اقتراب فقدان آخر دولارات مصرف لبنان، ومحاولته تجنّب تجرّع كأس المسّ بالاحتياطي الإلزامي.
لهذا، تترقّب أوساط سياسية ودبلوماسية أمنية في بيروت التطوّرات اللبنانية بقلق شديد في ظلّ التخوّف من تدهور الأوضاع في شهر أيار وبعد انتهاء شهر مضان. وذلك بسبب الحديث المتكرّر عن احتمال رفع الدعم عن العديد من السلع الأساسية بعد عطلة عيد الفطر، ما سيؤدي الى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وتوقع حصول تطوّرات أمنية واجتماعية خطيرة، ولا سيما في ظل الفشل المستمر بتشكيل حكومة جديدة.
وعلى ضوء هذه المخاوف بدأت بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية دراسة الاحتمالات المتوقعة والتحضير لكل الخيارات على صعيد التعامل مع التحركات الشعبية واللجوء الى العنف من قبل المحتجين. في حين تحركت العديد من البعثات الدبلوماسية الأجنبية والعربية في بيروت من أجل اللقاء مع قيادة الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة الأمنية، سواء لبحث حاجات هذه الأجهزة وكيفية تلبيتها، أو للتحذير من المخاطر المتوقعة.
وفي بيان صادر عن السفارة البريطانية في بيروت قبل يومين أوضحت السفارة أنّ رئيس البعثة مارتن لنغدن التقى يوم الجمعة الماضي وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان لتوقيع مذكرة تفاهم تؤكد استمرار التعاون مع قوى الأمن الداخلي من خلال “مشروع دعم الشرطة البريطانية لقوى الأمن الداخلي”، البالغة قيمته 18.5 مليون جنيه إسترليني (2019-2022).
بعد التوقيع قال لنغدن: “يمر لبنان بأحد أصعب فصوله في التاريخ الحديث. إن تعدد الأزمات الحالية، وعدم وجود أي تقدم سياسي، يضعان ضغوطًا متزايدة على النظام العام والمكلّفين بالحفاظ عليه. نحن نتفهم أهمية وجود قوّة شرطة حديثة وشفّافة وخاضعة للمساءلة في لبنان، ونقدّر شراكتنا مع قوى الأمن الداخلي فيما نعمل معًا على أجندة التحول هذه”.
كما تلقّى الجيش اللبناني مساعدات مغربية الأسبوع الماضي لتأمين بعض الحاجات الأساسية. وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن وجود مشروع في الكونغرس الأميركي لتقديم 60 مليون دولار أميركي لدعم الجيش. كما أعلنت مؤسسة الوليد بن طلال عن تقديم لقاحات للسجناء لمنع انتشار فيروس كورونا في السجون.
وفي حين لم تتّضح نتائج زيارة رئيس الحكومة المستقيلة الدكتور حسان دياب إلى قطر، فقد جرى الحديث عن السعي للحصول على دعم بقيمة 500 مليون دولار لتمويل البطاقات التموينية التي سيجري البحث فيها قبل رفع الدعم.
لكن في المقابل فإنّ القرار السعودي بوقف السماح باستقبال الصادرات اللبنانية أو السماح بمرورها عبر الحدود السعودية، وذلك بعد اكتشاف شحنة مواد مخدّرة ضمن شحنة من ثمار الرمان، قد يكون له تداعيات سلبية على الوضع الإقتصادي والمالي في الفترة المقبلة.
وقد بدأت جهات دبلوماسية في بيروت في تداول سيناريوهات عديدة متوقّعة خلال أيّار:
الأوّل: تصاعد الصراعات الداخلية بين مختلف الأطراف، على غرار تداعيات اقتحام القاضية غادة عون مكاتب “شركة مكتّف للصيرفة”، ما سيؤدي إلى شلل القضاء وإسقاط شرعيته، وانتقال الإشتباك إلى كلّ المؤسسات العسكرية والأمنية. وقد راقبنا بعض هذا المشهد أمام شركة مكتّف، بين شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وبين جهاز أمن الدولة،مما يعني المزيد من الإنقسامات والتوترات.
الثاني: عودة التحركات الشعبية ألى مختلف المناطق اللبنانية احتجاجا على رفع الدعم وغلاء الأسعار وعدم توفر العديد من السلع. ما سيدفع البلاد إلى المزيد من المخاطر، في ظل صعوبة سيطرة القوى الأمنية والعسكرية على الأوضاع. وقد نشهد عودة قطع الطرقات وما سيؤدي إليه من إحتكاكات ونزاعات بين قوى سياسية وحزبية، في ظلّ تصاعد لهجة الخطاب السياسي بين هذه الأطراف.
الثالث: تعرّض المؤسسات العسكرية والأمنية لمخاطر عديدة بسبب الأوضاع الإقتصادية والمالية وعدم القدرة على القيام بمهامها. ما قد يضطرها إلى الانسحاب نحو الثكنات وتأمين وحدتها وحاجاتها بالحدّ الأدنى. أو خيار انتقال الانقسام إلى داخل هذه المؤسسات وعودة الألوية الطائفية والمذهبية (مع أنّ هذا الإحتمال ضعيف، بحسب المصادر الدبلوماسية)، أو خيار الانهيار وترك الثكنات والمواقع بسبب عدم قدرة الجنود والعناصر على الالتحاق بالثكنات نظراً للأوضاع المالية والإقتصادية الصعبة، ما سيعزّز خيار ترك الخدمة والتحاق العناصر بمناطقهم وقواها الحزبية.
الرابع: بروز ما يمكن تسميته بـ”الفيدرالية المجتمعية والإقتصادية والأمنية”، بحيث يعمد كل طرف سياسي وحزبي على ترتيب أوضاع مناطقه وتأمين الحاجات الأساسية من مواد غذائية ومحروقات وكهرباء، إضافة لضبط الأوضاع الأمنية المجتمعية بالتعاون مع البلديات والعناصر الحزبية، وقد بدأنا نشهد ذلك في بعض المناطق.
الخامس: حصول تطوّر سياسي أو عسكري غير تقليدي يدفع الجميع للعودة إلى الحوار وتشكيل حكومة جديدة وبدء الحصول على المساعدات الخارجية لإنقاذ الوضع، رغم أنّ كلّ المؤشرات الحالية لا تشير إلى ذلك.
وفي ظلّ هذه المخاوف والتوترات فإنّ معظم البعثات الدبلوماسية الأجنبية والعربية العاملة في بيروت تتابع التطورات الجارية وتبحث عن حلول ممكنة، لا سيما عبر التركيز على دعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، أو توفير ما يمكن من مساعادت إنسانية لمنع الإنهيار الشامل.
فهل يكون شهر أيّار شهر الإنهيار أو شهر الإنقاذ؟