هتاف دهام -لبنان24
عندما قررت الرياض منع دخول الخضروات والفواكه اللبنانية أو العبور من أراضيها على خلفية تزايد عمليات تهريب المخدرات من لبنان إلى المملكة عبر إخفاء المواد الممنوعة في شحنات مواد غذائية، كما جاء في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية، تبادر الى ذهن بعض القوى السياسية المحسوبة على 8 اذار أن السعودية تتجه إلى معركة كسر عظم مع لبنان، خاصة وأنها تستورد نحو 50 ألف طن من الإنتاج اللبناني وتأتي في المرتبة الثانية من قائمة وجهات الصادرات وبالتالي فإن القلق يكمن في أن يتمدد قرار الحظر الى دول الخليج مجتمعة خاصة بعد ان انضمت الامارات والبحرين الى السعودية في قرارها.
في لبنان، لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد وعن الامن. الملفات كلها متشابكة ومرتبطة بأزمات الإقليم ولعبة المحاور التي اقحم فيها البلد من قبل سياسييه ، وبات رهينة صراعات الدول الخارجية وحلفائها في الداخل. منذ سنوات انكفأت المملكة عن لبنان. وضعت نفسها خارج أي مبادرات عربية أو غربية لمعالجة ازماته المتصلة سواء باستحقاقات دستورية او بازمات مالية واقتصادية يمر بها البلد منذ ما بعد 17 تشرين 2019، ومرد ذلك، وفق السعوديين، الحملة المنظمة عليهم من حزب الله من دون أن يحرك لبنان الرسمي ساكنا، لا سيما عبر وزارة الخارجية، حيث بدا الامر وكأنه تسليم مطلق لارادة حزب الله، وسيطرته على البلد وتغاض عما تتعرض له المملكة من هجوم، في وقت كانت لا تزال تدعم لبنان وتستثمر فيه، علما أن السعودية عطفا على الكثير من الدول ربطت تقديم مساعداتها ودعمها لبنان في إطار مؤتمر سيدر بتنفيذ القوى السياسية المعنية الاصلاحات لمطلوبة وما تعهدوا به على مستوى مجلس وزراء.
أسئلة كثيرة مطروحة اليوم في ظل الغياب السعودي عن الملف الحكومي رغم المساعي الفرنسية، وتتصل بمآل العلاقة اللبنانية- السعودية، ومن يتحمل مسؤولية انكفاء الرياض عن لبنان؟ وهل من مصلحتها ترك الساحة اللبنانية مشرعة بالكامل امام محاور اخرى مناهضة لها؟
علق كثيرون في 8 آذار ، وعلى خط تيار المستقبل ايضا، آمالا على اللقاء الذي جمع مسؤولين إيرانيين وسعوديين في العراق، ظنا منهم أن هذا اللقاء من شأنه أن يسرع من حل الأزمة الحكومية العالقة ويسهل مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري في تأليف حكومته ،خاصة وانه يحظى بتأييد مطلق من حزب الله، بيد أن الواقع مناقض لذلك. ووفق مصادر متابعة ل “لبنان 24″، من الخطأ انتظار ما ستسفر عنه مفاوضات طهران- الرياض، لأن مسارها طويل، وأي حل للبنان سوف ينتظر حل الملف اليمني الذي لا يزال في دائرة التعقيد.
إذن، “مرتا مرتا تهتمين بأمور كثيرة إنما المطلوب واحد”، هذا ما يصح على السلطة في لبنان التي لا تكف عن الرهان على تطورات إقليمية وأخرى دولية، فيما المطلوب منها اجراء الإصلاحات في القطاعات المختلفة، ووقف التهريب ومحاسبة الفاسدين واعادة احياء علاقات لبنان مع الخليج عموما والسعودية خصوصا خاصة وان قرار المملكة قد يستتبع بخطوات اخرى تتصل باوضاع اللبنانيين الموجودين فيها، اذا لم تتحرك الدولة اللبنانية لمعالجة مكامن الخلل في العلاقات بما يخدم مصلحة البلدين وسيادتهما وضبط ما يجري من تهريب واتخاذ الإجراءات المناسبة.
حتى الساعة، الاستنسابية تحكم علاقة لبنان الرسمي مع السعودية، فمحاولة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الآونة الأخيرة الانفتاح على المملكة ودعوته السفير وليد بخاري لزيارة بعبدا، لم تحدث اي تطور في العلاقات اللبنانية – السعودية، ومرد ذلك بحسب مصادر مطلعة، أن هدف الرئيس عون ومعه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يكمن في محاولة تشكيل جبهة ضد وصول الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة، مستندا الى الجفاء الحاصل بين الحريري والمسؤولين السعوديين، في حين أن الخطوة العونية لم تقابل بأي خطوة سعودية، من منطلق ان الرياض تعي جيدا ان هذا العهد من المستحيل ان يكون صديقا او حليفا لها حاضرا او مستقبلا، لانه يبني علاقاته وفق حساباته واجنداته السياسية الأقرب إلى حزب الله حتى الساعة. وهذا يعني وفق المصادر نفسها، أن الرياض التي لا تتدخل في الشأن اللبناني لم تنكفئ وهي تتصرف وفق مصلحة لبنان وعدم إلحاق الخلل في توازناته، وهي تدعو القوى السياسية الى ايلاء مصلحة بلدهم وتاليف حكومة تلبي تطلعات الشعب، بدل اقحام بلدهم في محاور هو بغنى عنها في خضم ما يجري من حروب وازمات في المنطقة.
الترقب سيد الموقف اليوم لقرار لبنان الرسمي من مسألة تهريب المخدرات الى السعودية وذلك خلال الاجتماع الامني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، ليبنى على الشيء مقتضاه. فالمطلوب من المعنيين، وفق المصادر نفسها، الكف عن مراكمة الخلافات مع الرياض التي كانت السند للبنان في سنوات خلت والمسارعة الى كشف الحقيقة والتعاون معها لكشف الشبكات التي تقوم بعمليات كهذه، ليبقى الأكيد انه بمعزل عما سيتوصل اليه الاجتماع وما ستفضي اليه مقرراته، فإن هاجس المعنيين في الخارج يكمن في الفلتان الحاصل على حدود لبنان البرية والبحرية، الامر الذي يستدعي تأليف حكومة اختصاصيين تنفذ ما ورد في المبادرة الفرنسية لجهة البرنامج الإصلاحي.