الحريري “يشوّش” على دياب في قطر؟
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
“ليست رمّانة بل قلوب مليانة”، خلاصة التحليل الأولي لخطوة السعودية بمنع استيراد أو عبور الفواكه أو الخُضار اللبنانية أراضيها.
في الأساس، الذريعة معاقبة لبنان. عند هذه النقطة يُصبح من وجهة نظر “مملكة الخير” كل فعل مباح. إذاً لا حاجة للتعمّق في البحث عن التفسيرات طالما أن الغاية تبرّر الوسيلة! ومعاقبة لبنان أضحت فعلاً متدرّجاً. القضية الآن “شحنة رمّان” محشوّة حبوب “كبتاغون” تثير علامات الإستفهام حول مصدرها الحقيقي، وفي المواسم السابقة تتالت الذرائع، من رفض الموافقة على سياسات الحكومة إبان التسوية الرئاسية، فكان أن عُوقب رئيس مجلس الوزراء السابق سعد الحريري بإلقاء القبض عليه واحتجازه في غرفة داخل فندق، إلى ممارسة التضييق السياسي والإقتصادي على لبنان، أولاً من خلال رفض منح الرئيس المكلّف “تفويضاً” لتأليف حكومة جديدة، وثانياً من خلال الضغط على دول عربية لمنع مدّ لبنان بالمساعدة.
وكان لافتاً تزامن “قضية الرمّان” مع عدة أحداث: رضوخ رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي قبل أسابيع قليلة، لطلب السعودية تأجيل زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إلى بغداد، لتوقيع سلسلة اتفاقيات تدشيناً لزيارات زراعية ـ صحية ـ نفطية، وتحشيد دول الخليج نحو سلوك الإجراء العقابي السعودي “الزراعي” نفسه من دون أي تعديل، والإستهداف المفترض لناقلة نفط، عبرت من لبنان تجاه سوريا، وقد أضيف إلى ذلك كلّه، صدور طلب عاجل إلى السفير السعودي في بيروت بالمغادرة بذريعة “الإجازة”، وهي رسالة تأتي في نفس الصدد.
ومن حيث تدرّج كل هذه المسائل، يبدو واضحاً أن ثمة نيّة لتوسيع رقعة الحصار الإقتصادي على لبنان، بالإضافة إلى الحصار السياسي العميق، وهذا كله يمكن إدراجه في خانة وراثة الإجراءات العقابية التي أنتجتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو تجاه لبنان.
والكلام أعلاه لم يعد سراً. سبق للرئيس حسان دياب، أن ذكر سابقاً في جلسة خاصة، وبناءً على معلومات مباشرة امتلكها، أن السعودية تُمارس حصاراً إقتصادياً وسياسياً على لبنان، وتدفع بدول الخليج إلى سلوك المسار ذاته. واللافت، أن الإجراء العقابي السعودي الملفوف بقضية الكبتاغون الآن، تزامن وعودة دياب من قطر متسلّحاً بوعود للمساعدة، أقلّه في مسألة البطاقة التموينية التي سترث وقف الدعم، فهل أن “مملكة الخير” تخطّط لقطع الطريق على أي احتمال لمساعدة خليجية إلى لبنان، أي عملياً قطع الطريق على وراثة دورها من قبل منافس مخضرم؟
السؤال المطروح في ضوء توسيع دائرة العقوبات الخليجية وشمولها 4 دول، هل أن قطر ستلتحق بالركب؟ يبدو أن ثمة مساعٍ جارية، والملفت أن مصدرها لبناني – خليجي.
صحيح أن الإمارة تعطي لنفسها إستقلاليةً، وتعزل نفسها عن “فتنة الرمّان”، لعلمها أن جانباً من المسألة على صلة بقضايا سياسية أعمق تتصل بالداخل اللبناني. لكن، ومن حيث المبدأ، المساعي الجارية، لا يمكن فصلها عن دوافع رفع وتوسيع رقعة الحصار إنفاذاً لأوامر سياسية بخنق هذا البلد ومعاقبته على خياراته السياسية أولاً، وتصريف أحقاد سياسية يقف خلفها رجالات دولة لا يحبّذون إتاحة الفرصة لتحقيق أي إنجاز يُذكر، سواء لحسان دياب أو غيره.
ولعنة الوضع السياسي أصابت دياب! كيف لا تصيبه وهو الذي شاءت الأقدار أن يتقاسم ويّا الرئيس سعد الحريري مسألة الحكومة بجناحيها تصريفاً وتكليفاً في آن؟
والواقع يقول، ان الحريري صاحب مصلحة، سواء في محاصرة دياب أو الاستفادة من ممارسة حصار على طول البلاد وعرضها لتصريف أهداف سياسية بطبيعة الحال، ثم أنه لا يحبذ السماح لغيره تحقيق أي إنجاز يذكر على مستوى رئاسة الحكومة، وهو فعل تكرّر زمن ولاية الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 ولاحقًا تمام سلام، حين كان لا يمكن إمرار شيء بمعزل عن رضاه. وفي موضوع اختيار رؤساء الحكومات المكلّفين الأمر نفسه، وعلى الطريق، أُحرقت شخصيات من وزن سمير الخطيب وصولاً للسفير مصطفى أديب.
الآن، وفي زمن تشديد الحصار، لا تختلف القضية. يتبرّع الحريري في تقديم الخدمات، وبالتالي، ممنوع على أي أحد مهما علا شأنه في رئاسة الحكومة، أن يحقّق أي إنجاز، فكيف بحالة حسان دياب، الرجل الآتي من خارج شور بيت الوسط السياسي، ومن خارج نادي المرشحين لرئاسة الحكومات، ويتزاحم وإياه على مسائل متنوعة، من الحضور في نفس التوقيت والزمان، إلى رفض منحه تأشيرة العبور الآمن إلى السراي في ضوء رفضه تبنّي قضية رفع الدعم؟
وهذا ينسحب على المسألة القطرية. بعد تأخير زيارته إلى بغداد، تفرّغ دياب لدعوة الدوحة، فلبّاها. المعلومات التي نُشرت في بيروت، أشارت إلى توافر رغبة لدى الدوحة في مساعدة لبنان، لذلك كلّف أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني رئيس مجلس الوزراء، الإبقاء على الخطوط مفتوحة مع الرئيس دياب وبيروت، من أجل تأمين مساعدات يحتاجها لبنان، وعلى ما يبدو، فإن دياب يطمح إلى تأمين مصادر دعم للبطاقة التموينية.
لكن الرياح السوداء سبقته، بدءً بقرار الحصار الخليجي المعمّم سعودياً، ووصولاً إلى تدخلات مصدرها الداخل اللبناني، يمارسها الحريري في محاولة منه لتأخير أي محاولة لوصول مساعدة قطرية، وربط إمكانية تحقيقها بتأليف حكومة جديدة، أي عملياً إتاحة المجال لنفسه وحكومته العتيدة غير المنظورة بعد، كي تحصد نتائج جهود غيره، وبالتالي، ربط أي احتمالات مساعدة متوقّعة به، ووضعها في مجال مجهول تبعاً لعملية تأخير تأليف الحكومة!
والمحاولة التي يتبين أن الحريري يخوضها، بشهادة أكثر من مصدر، بصرف النظر عن طريقة تعامل الجانب القطري معها، تعدّ لافتة من حيث التوقيت. فبينما ينوء اللبنانيون تحت خط الفقر ويسبح الحريري في عوالم الغيب السياسي، يجد مساحة من وقته في محاولة الضغط من أجل تأخير أي إمكانية لتوفير دعم للبنان من خارج شوره، والتماهي مع السياسة السعودية التي ما برحت تلفظه، تحت ذريعة انتظار تشكيل حكومة، يجدر أن يُسأل هو ذات نفسه عن مسبّبات عدم تأليفها حتى الآن.
بصرف النظر عن كل ذلك، يدرك الرئيس حسان دياب، أن إقحام المسارات الدافعة صوب تأمين الدعم للبنانيين لن يكون سهلاً، في ظل وجود رغبات لدى أكثر من طرف سياسي لإفشاله، على نية عدم تركه يحقّق إنجازاً واحداً، وإحالة جميع المواضيع الدسمة إلى مواعيد تُحدّد لاحقاً.