حين أتاح جاستين ويب أمام توني بلير في برنامج “توداي” الذي تبثه “هيئة الإذاعة البريطانية” (بي بي سي) الفرصة كي ينتقد الرسالة النصية التي أرسلها (رجل الأعمال) جيمس دايسون إلى بوريس جونسون، رفض بلير، الذي لا يزال على الرغم من كل شيء عضواً في حزب العمال، أن ينتقد خلفه بقسوة. وخلافاً للغضب الذي أبداه (رئيس حزب العمال) السير كير ستارمر خلال مساءلة رئيس الوزراء حول الكشف “الصادم” [عن تلك الرسالة]، بدا بلير في حال بالغة الهدوء، “نحن في خضم جائحة، وعلى الرغم من كل شيء، نطلب في الواقع من جيمس دايسون أن يتقدم ويبدأ في صنع أجهزة التنفس. لا يضايقني هذا الأمر”.
وأضاف، “يجب أن تتوفر درجة معينة من التفهم. إذا كان المرء في خضم أزمة ضخمة كهذه، سيستخدم الناس كل الوسائل المتوفرة كي يضمنوا استجابتهم الفورية حيال الأزمة”.
بالطبع، لقد أبدى بلير مجدداً مؤهلاته باعتباره “رجلاً عالمياً”، فضخ قليلاً من الواقعية في النقاش العام، في تناقض مع الطهورية الرفيعة التي وسمت مرحلة (رئيس حزب العمال السابق جيريمي) كوربين، وفي تناقض أقل مع النظام الحالي. وكذلك اتخذ الخط نفسه في التعامل مع الاتهامات الموجهة إلى ديفيد كاميرون في شأن الضغوط التي مارسها على (وزيري المالية والصحة) ريتشي سوناك ومات هانكوك. إذ أضاف، “يتمثل الأمر الضروري في إجراء عملية اتخاذ القرار بطريقة موضوعية. وهذا ما يحصل إلى حد كبير في نظامنا، بحسب ما أعتقد. ويجب أن نكون حذرين من المبالغة في تحديد المشاكل في نظامنا. إن النظام البريطاني نظام نظيف جداً”.
هناك صدى باهت لادعاء شهير له في 1997 بأن الناس تصوروا أنه “رجل مستقيم إلى حد كبير”. ولا ينطق بكلمة “وسخ” أبداً، أو على الأقل منذ استخدمها في انتقاد الإدارة المحتضرة لـ(سلفه) جون مايجور. كان بلير ولا يزال يشعر بالسعادة حين يتحدث مع (القطب الإعلامي) روبرت مردوخ، وحكام مستبدين مراوغين، وكل نوع من قادة الأعمال. ولم تكن له أي مشكلة، على عكس ما قد يشتبه المرء، في الاستجابة المباشرة على موضوع أو طلب تتقدم به شخصية مثل دايسون.
أو [يستجيب مباشرة]، بالتأكيد، إلى بيرني إكلستون، الرئيس السابق لسباقات “الفورمولا 1” الذي تسببت علاقته مع حزب العمال الجديد في إحراج شديد في الأشهر الأولى من رئاسة بلير للوزراء في 1997. وسُمِيت العلاقة وقتئذ بأنها “وسخة”، ولم تنته قط الأسئلة المتعلقة بقضية إكلستون.
ومن الوثائق التي ظهرت منذ ذلك الحين، يبدو أن بلير تحرك بالفعل في غضون ساعات من اجتماع مع إكلستون، كي يطلب من وزيرة الرياضة آنذاك، تيسا جويل، التحقيق في منح الرياضة، وعلى وجه التحديد “الفورمولا 1″، تخفيفاً لتوجيه وشيك من الاتحاد الأوروبي بحظر رعاية التبغ في الرياضة. وفي وقت سابق، حوّل إكلستون دعمه المالي من حزب المحافظين ووهب مليون جنيه إسترليني (1.39 مليون دولار) لمساعدة حزب العمال الجديد في الفوز بانتخابات 1997. وكانت هناك منحة أخرى بقيمة مليون جنيه إسترليني قيد المناقشة، لكن “لجنة المعايير في الحياة العامة” اعترضت عليها في نهاية المطاف. ولم يكن لدى بلير هاتف محمول في ذلك الوقت، على الأرجح أيضاً. ومن المحتمل أنه من يتوجب عدم استخدام كل ما هو شخصي من خطوط الهاتف، ووسائل التواصل الاجتماعي، وحسابات البريد الإلكتروني، إلا في الأمور العائلية والشخصية (كما قد توافق [وزيرة الخارجية الأميركية السابقة] هيلاري كلينتون و[وزير شؤون مجلس الوزراء] مايكل غوف).
لذلك، ربما فضل بلير أن يتجنب اتهامه بالنفاق، باعتبار أنه رئيس وزراء اعتاد التصاحب في شكل ملحوظ مع مصالح قوية في قطاع الأعمال. وبالتالي، يفضل أن يتبنى بدلاً من ذلك، الموقف الذي يرى أن الوزراء، بل وحتى رؤساء الوزراء، يجب ألا يقفلوا الهاتف في وجه أشباه إكلستون أو دايسون. ومن المرجح أيضاً، بوصفه رئيس وزراء سابقاً، أن يقنن غضبه ويحتفظ بنوع من النفوذ. إذ نهضت “مؤسسة التغيير العالمي” التابعة لبلير بكثير من التفكير الابتكاري في شأن جائحة كوفيد، وتدفع خصوصاً باتجاه استراتيجية تلقيح جماعي سريعة تعتمد على لقاحات “الجرعة الواحدة”. ولا يرغب بلير في تبديد أي أثر ربما ما زال متمتعاً به بعد هجوم غير مبرر على جونسون، إضافة إلى كونه هجوماً مخادعاً. إذ إن بلير، رجل الدولة المحنك الآن، أذكى من ذلك؛ ولو أنه كان زعيماً للمعارضة، فلربما بدا أقل تفهماً.
© The Independent