لا يهمّ إن كانت شحنة الرمّان المفخّخ بالمخدّرات، المتّجهة إلى السعودية أو تلك المتّجهة إلى أثينا، لبنانيّةَ المنشأ أم لبنانيّةَ الممرّ. فمسؤولية السلطات اللبنانية في الحالتين واحدة، ولا سيّما أنّ علاقة لبنان، وبعض أكبر الجهات الحزبية والأمنية فيه، بهذا الملفّ علاقةٌ موثّقةٌ على أكثر من مستوى.
في ملفّ الأمونيوم وجد اللبنانيّون أنفسهم أمام قنبلة دخانيّة مماثلة، مع الكشف الصحافي الاستقصائي عن علاقةٍ لرجال أعمال سوريّين بموادّ الزلزال الذي ضرب بيروت. البعضُ تنفّس الصعداء يومئذٍ ظنّاً منه أنّ التهمة السورية كافية لحرف الأنظار عن مسؤولية المسؤولين اللبنانيّين في الجمارك والأمن والعسكر والقضاء والإدارة والسياسة.
وكما الأمونيوم، كذلك ملفّ المخدّرات الذي مُرِّر من تحت أنوف وعيون جهات كثيرة متّهمة بالفشل أو الإهمال أو التواطؤ أو كلّ ما سبق.
من سوء حظ لبنان أن تتزامن هذه الحادثة مع مشهد الخزي والعار الذي تابعناه وتابعه العالم باستغراب على شاشات التلفزة، لقاضية قرّرت انتحال صفة روبن هود والنزول إلى الشارع لأخذ ما تراه حقّاً بيدها، أو بيد محازبيها من العونيّين خلافاً لكل قواعد القانون.
الرابط بين شحنة المخدّرات المصادَرة والقاضية غادة عون هو صورة انهيار الدولة بكلّ أشكالها وصورها وتجلّياتها، انهيار الجمارك والأمن والاستخبارات والقضاء. زد على ذلك أنّ القاضية، بحسب ما سُرِّب عن الاجتماع الأمني، تحظى بغطاء كامل في مسلكها من رئيس البلاد، كما يحظى المهرّبون بحمايات وشراكات تبدأ ولا تنتهي.
لقد تحوّل لبنان من مشفى المنطقة ومصرفها وجامعتها إلى مركز مهرّبيها وقتلتها المأجورين، ومقرّ ميليشياتها، ونادي تدريب كوادرها ومقاتليها، بإدارة البلطجي الأبرز في الإقليم: حزب الله.
ينفجر الأمونيوم في بيروت بعد سلسلة أخبار عن شحنات أمونيوم مصادَرة لحزب الله في عدد من الدول الأجنبيّة، أبرزها ألمانيا. ويُعثر على شحنتيْ مخدّرات خلال 24 ساعة بعد أخبار كثيرة مماثلة عن شحنات لحزب الله حول العالم، كانت آخِرتُها أكبر شحنة مخدّرات في العالم ضبطتها السلطات الإيطالية صيف العام الفائت. ويمتلىء الأرشيف بتوقيفات ومحاكمات لقادة ميدانيّين لحزب الله متورّطين بالاتّجار بالمخدّرات أو تبييض عائداتها كقاسم شمس الذي ضمّته وزارة الخزانة الأميركية إلى قائمة المعاقبين، أو نادر محمد فرحات الذي رحّلته سلطات الباراغواي وسلّمته إلى السلطات الأميركية العام الفائت أيضاً.
وسبق أن ضبط الأمن المصري مطلع العام شحنةً قادمةً من لبنان، وُصِفت بالهائلة، من الحشيش والكبتاغون، في ميناء بورسعيد.
لا داعي للعودة أكثر إلى تقارير مفصّلة حول علاقة حزب الله بتجارة المخدّرات، وإدارته شبكات معقّدة بين أميركا اللاتينيّة وأفريقيا.
فالأمثلة أكثر من أن تُحصى، وما أكتفي به هنا مجرّد إشارات سريعة للدلالة على ملفّ بات يختصر لبنان ومعناه ودوره.
البعض قرّر عن اللبنانيّين ما هو دور لبنان الجديد بعد الانقضاض المنظّم على دوره الفائت. وقد أعلنه النائب محمد رعد حين قال إنّ حزبه يسعى إلى لبنان الجديد الذي ينسجم مع فكرة المقاومة. وها قد وصلنا إلى هذا اللبنان الذي يسمّيه النائب محمد رعد لبنان المنسجم مع المقاومة، ويسمّيه رئيس البلاد جهنّم، في دليل على حجم الانقسام السياسي الذي تعانيه الرئاسة وحزبها وجمهورها.
أليس طريفاً أن تتزامن هذه الأحداث مع تصريح سورياليّ لشيخ شابّ من كوادر الجيل الجديد لحزب الله وشقيق أحد أبرز كوادر وأعلام الحزب، اعتبر فيه أنّ التهريب مشروع لأنّه في خدمة المقاومة؟
لقد تُرك لنا القليل القليل لقوله أمام تصريحات من مثل ما تفوّه به النائب محمد رعد والشيخ الفتى، وما تكشّف أمام أعيننا من شحنات مخدّرات، وعرضات قضائية في جمهورية الخواء.
لكن ما ذنب الرمّان؟
في الأغنية التراثية العراقية، مقطوعة يحضر فيها الرمّان حضوراً سياسياً لمّاحاً.
تقول الأغنية في مطلعها:
جلجل عليّ الرمان
نومي فزع لي
هذا الحلو ما أريده
ودّوني لأهلي
وفي معاني الأغنية أنّ الرمّان هو المحتلّ العثماني الذي يرمز لون الرمّان إلى لون طرابيش باشواته، والنومي هو الحامض الأصفر كصفار البريطانيين الآتين لتحرير العراق من جور السلطنة. وأمّا الأغنية فترفض الاحتلال العثماني الذي خيّم وطغى وظلّل العراقيين، وترفض “فزعة” الإنكليز، أي اندفاعتهم للدفاع عن العراقيين. وتختم مطلعها بالقول ودّوني لأهلي!
مسكين الرمّان.. مرّة كان نظير الاحتلال، ومرّة صار نظير المخدّرات وتقاطعاتها في سياق تعقيدات الجريمة المنظّمة.
مسكين يا رمّان.
مسكين يا لبنان.