مجدي صبحي
بعد أن بيّن ثلاثة من الباحثين من معهد روزفلت هم مايك كونسزال، وجيه. دبليو ماسون، ولورين ميلوديا.في دراسة لهم تحت عنوان “وهم التضخم“.
لماذا سوف تبدو أرقام الربيع عالية بشكل مصطنع؟” أن ما سيبدو كأرقام مرتفعة للتضخم خلال الشهور القليلة المقبلة ليس سوى مجرد وهم خادع، كما أوضحنا في مقال الأسبوع الماضي. ينطلق الباحثون بعد ذلك لمناقشة كيفية التعامل مع هذا التضخم.
ويؤكدون في البداية على أنه حتى الآن، كان الحديث يتركز على قياس التضخم. والقياس أمر مهم بالطبع خاصة عندما يتعلق الأمر بالتضخم، فهو مشكلة إحصائية صعبة. ولكنّ هناك إلى جانب ذلك أيضا سؤالا جوهريا: ماذا لو أن الأسعار ارتفعت فعليا خلال الشهرين المقبلين؟ ما الذي يخبرنا به ذلك عن حالة الاقتصاد، وما هو الحل المناسب لذلك؟
النظرة التقليدية للتضخم هي أن طاقة الاقتصاد الإنتاجية، أو الناتج المحتمل، يرتفع ببطء باستمرار، مع زيادة القوى العاملة وتحسن مستوى التكنولوجيا. أما تدفق الإنفاق في الاقتصاد أو ما نسميه بالطلب الكلي فيتغاير بشكل غير منتظم أكثر، لذا فأي عدم تطابق بينهما أي بين الناتج المحتمل والطلب الكلي ينعكس في شكل تضخم أقل أو أعلى، وهو ما يعكس بشكل معتاد التغير في الطلب. ويترتب على ذلك أنه لو كان معدل التضخم مرتفعا للغاية، فإن الحل هو تخفيض الطلب، وعادة يتم ذلك برفع أسعار الفائدة، أو عن طريق خفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب. وفي السياق الحالي، فإن ارتفاع التضخم سوف يستخدم بكل تأكيد كحجة لضرورة احتواء الطموح الذي يتجلى في خطة الوظائف الأمريكية.
ويرى باحثو معهد روزفلت أنه يجب علينا أن نكون حذرين عند تطبيق هذا الإطار التقليدي على النقاش حول التعافي الاقتصادي ومشروع قانون البنية التحتية لسببين.
أثرت الجائحة والإغلاقات التي ترتبت عليها على كل من الإنتاج والإنفاق. فخلال الربيع في العام الماضي كان الانخفاض في الإنفاق أكبر وأسرع- ولهذا السبب شهدنا انكماشا، عوضا عن التضخم الذي كان البعض يتخوف منه.
ولكن مع عودة الإنفاق بقوة بفضل خطة الإنقاذ الأمريكية، فربما كانت آثار الجائحة الآن على جانب العرض أكثر أهمية. فمع تعافي الدخول ورفع القيود، كان من المحتمل أن تكون هناك زيادة ضخمة في أنواع الإنفاق التي تم تقليصها خلال معظم العام الماضي، السفر وخدمات المطاعم، وحفلات التسلية المباشرة ذات الحضور الجماهيري، إلى آخر هذه الأنشطة. ومن المحتمل جدا، أن تجد طاقة هذه القطاعات، في المدى القصير، صعوبة في المحافظة على مستواها متطابقا مع الطلب، ولذا سوف ترتفع الأسعار. ولكن مثل هذه الأنواع من التعديلات القطاعية قصيرة المدى تعد مختلفة إلى حد كبير عن السخونة أو ارتفاع الأسعار الشامل في كل القطاعات، خاصة، أنه بدلا من بناء قوة دفع مع ما يفعله التضخم الشامل أحيانا، نجد أن مثل هذه التعديلات المرتبطة بزيادات السعر سوف تنتهي من تلقاء نفسها بمجرد إعادة فتح نشاط الأعمال بشكل تام والعمل بصورة عادية.
وبشكل عام أكثر، فإنه من غير الواضح لماذا ينبغي أن يتم التعامل مع عدم التطابق بين الطلب الكلي والعرض عن طريق خفض الطلب. لماذا لا يكون رد الفعل بدلا من ذلك هو زيادة العرض؟ تخيل مدينة تكون فيها زيادة تكاليف السكن مشكلة. هل يكون رد الفعل الأفضل هو أولا محاولة جعل المدينة أقل جاذبية للسكان الجدد، وبهذا يتم تخفيض الطلب، أو ثانيا النظر في الطرق التي يمكن بها زيادة عرض المساكن؟ ربما سيختار أغلب الناس الحل المتمثل في رد الفعل الثاني. ولكن سياسة الاقتصاد الكلي يتم تنظيمها كما لو أن الإجابة الصحيحة هي بشكل واضح الاختيار الأول.
وربما تكون زيادة الناتج المحتمل أسهل في القول عن العمل، بالطبع. ولكن إلى الحد الذي تكون فيه قيود العرض وزيادة الأسعار ناجمة عن اختناقات يمكن فيها لتدخل السلطات العامة التخفيف المعقول منها، فإن هذا ينبغي أن يتم أخذه كخيار بدلا من افتراض أن الحل الوحيد هو الإنفاق الأقل.
حينما ننظر إلى التضخم اليوم، فإننا لا نرى ارتفاعا منتظما ومتجانسا في كافة جنبات الاقتصاد. بدلا من هذا، نرى ارتفاعات كبيرة في مناطق معينة -الرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان- التي تعكس قضايا محددة في هذه القطاعات على الأقل بقدر ما يحدث من قيود على حركة الاقتصاد ككل. وخفض الإنفاق بصورة شاملة من غير المحتمل أن يفعل الكثير لإبطاء الزيادات في الأسعار في هذه المجالات، فالتحكم في أسعار أشياء مثل خدمات التعليم والصحة يتطلب إجراءات محددة من المحتمل أن تتطلب مزيدا من الإنفاق العام عوضا عن الإنفاق العام الأقل.
وحينما ننظر في الإنفاق المحدد المتصور في خطة الوظائف الأمريكية، فإنه يبدو وكأن الكثير منه قد تم توجيهه بدقة لزيادة طاقة الاقتصاد المحتملة وتخفيف قيود العرض. وهذا ما تعنيه بصورة أو بأخرى البنية التحتية. فالمواصلات، وخدمات شبكة الإنترنت ذات النطاق العريض، والمرافق العامة هي مدخلات لكافة أنواع الأنشطة الاقتصادية تقريبا، ولذا فالاستثمار في هذه المجالات سوف يرفع من الإنتاجية بشكل أو بآخر. فخفض فواتير الكهرباء، أو تسريع وقت التوصيل بتحريك عملية انتقال الفرد من السيارة إلى وسائل النقل، سوف يقللان في نهاية المطاف من التكاليف والأسعار في مختلف أرجاء الاقتصاد. ويعد الإنفاق على البحث والتطوير بمكاسب أعلى في الإنتاجية في الصناعات المستهدفة.
والأمر الأقل وضوحا ولكن ربما الأكثر أهمية هو دور الاستثمار في اقتصاد الرعاية. فبجعل الأمر أكثر يسرا للناس الذين يقومون بعمل غير مدفوع الأجر (في رعاية الأطفال والأشخاص الآخرين الذين يعتمدون عليهم) اختيار عمل مدفوع الأجر في حالة رغبتهم في ذلك، ونجد أن مثل هذه الإجراءات يمكنها أن تزيد من قوة العمل المحتملة بشكل ملموس.
واليوم، يقع عبء هذا العمل غير المدفوع بشكل أساسي على النساء، وهو ما يضعف من فرصهم في المشاركة في عمل مدفوع الأجر. وقبل الجائحة، كانت أرقام العمالة بين النساء في سنوات عملهم الأولى تسجل 10 نقاط أقل من الرجال في نفس العمر، وهي فجوة لم يتم تخفيضها بشكل ملحوظ خلال العشرين عاما الماضية. وهذا الاختلاف طويل الأمد، والذي فاقمت منه جائحة كوفيد- 19 ليس أمرا ثابتا بحكم الطبيعة. فالفجوة بين الجنسين في التوظيف هي أصغر بشكل ملحوظ فعليا في كل دولة غنية أخرى. فمع توفير تمويل لرعاية الأطفال والرعاية المنزلية، تتوفر كل المبررات للتفكير في أن خطة الوظائف الأمريكية سوف ترفع من معدلات مساهمة النساء في قوة العمل بشكل ملموس، وهو ما سوف يساعد على التخفيف من أي ضغوط تضخمية.
وسوف تكون مفارقة حزينة لو حالت الاهتمامات بالزيادة في الطلب في طاقة الاقتصاد الإنتاجية بالضبط دون أنواع الاستثمار العام الذي يُمكن من رفع هذه الطاقة.
الخلاصة:
حينما تظهر أرقام التضخم من المحتمل أن تبدو مرتفعة للغاية. وبقياسها على أساس سنوي فربما يزداد ارتفاع التضخم الأمريكي أكثر فأكثر خلال الشهور القليلة المقبلة. وهذه الأرقام البارزة سوف تستخدم للجدال ضد خطة الوظائف الأمريكية واستثمارات البنية التحتية المستقبلية، بل وحتى يمكن استخدامها للدعوة إلى التقشف.
ولكن مثل هذا النوع من ردود الفعل سوف يكون خاطئا لثلاثة أسباب. الأول هو أن التضخم المرتفع على أساس سنوي سوف يعكس انخفاض الأسعار منذ عام مضى، بغض النظر عما إذا كانت الأسعار ترتفع بسرعة اليوم أم لا. وثانيا، تحقيق هدف نظام الاحتياطي الفيدرالي في استقرار الأسعار يتطلب فترة من ارتفاع معدل التضخم فوق الاتجاه العام، فلو أن التضخم، مقاسا بصورة صحيحة، ارتفع بشكل معتدل خلال الشهور المقبلة، فهذا يجب اعتباره أمرا طيبا. وثالثا، حتى لو أن التضخم كان مشكلة حقيقية، فإن خفض الاستثمار في البنية التحتية لن يكون هو الحل. إذ ربما جعل ذلك المشكلة أكثر سوءًا.