مع توالي قضية إقفال شركة “رويال فاينانشل” حسابات عملائها وتمنعها عن تسديد حقوقهم فصولاً، كما هي، وبنفس القيمة، برزت إلى الواجهة مشكلة أخرى لا تقل أهمية. حيث وصل الأمر بالشركة إلى الإخلال باتفاقيات توظيف الرساميل في تجارة العملات FOREX. فأحد برامج الشركة ينص على إعطاء المستثمر بمبلغ مالي معين، عائداً شهرياً يتراوح بين 0.5 و2 في المئة، مقابل حفظ الشركة هامش السلامة SAFETY MARGIN بنسبة 80 في المئة من المبلغ. أي أنه في حال وصلت الخسائر إلى 20 في المئة تُوقف الشركة تلقائياً التداول وتعيد 80 في المئة من أصل المبلغ الموظف إلى المستثمر. وما حصل أن أحد الزبائن تلقى اتصالاً من الوسيط المشغل للحساب Broker يبلغه فيه خسارته لجزء كبير من المبلغ الموظف. مع العلم أن الإتفاق الموقع بين الطرفين لا يسمح بخسارة أكثر من 20 في المئة من أصل المبلغ بالحد الأقصى. أكثر من ذلك فقد تبين أن الأرباح المرسلة طوال العام الماضي للمستثمر، ما هي في الحقيقة إلا دفعات من أصل المبلغ المخصص للإستثمار وليست أرباحاً. يعني باللبناني “من دهنو سقيلو”. هذه القضية تعتبر “مُخالفة لا لبس فيها، وقوانين هيئة الأسواق المالية واضحة لجهة البت فيها لمصلحة المستثمر، في حال تقديم الدعوى ضد الشركة المرخصة”، بحسب مصادر مطلعة.
من اللولار إلى الليرة
هذه الحادثة المروية على ذمة العميل، ترافقت مع ما سبق لنا نشره عن قيام نفس الشركة ببيع أسهم عملائها من دون موافقتهم وعرض تسديد قيمة تلك الاسهم التي قبضتها بالدولار النقدي، بواسطة شيك، مع تهديد باجراء عرض وايداع فعلي بالليرة اللبنانية وعلى السعر الرسمي، في حال رفض العميل قبض الشيك. وهذا ما حصل مع احد الزبائن الذي تضاءلت قيمة استثماره من 80 ألف دولار قبضته الشركة ثمناً لاسهمه المباعة من دون موافقته، الى 115 مليون ليرة لبنانية اي ما يعادل 10% من الثمن الحقيقي !!
إساءة الأمانة
الرأي القانوني يضع كل محاولة لإرجاع الأسهم بغير قيمتها الحقيقية المباعة فيها، في خانة “إساءة الأمانة”، لأن الأسهم تعتبر “أمانة” بحسب قانون الوساطة المالية. وعلى الشركة في حال قررت تسكير مراكز عملائها، إرجاع المبالغ بالدولار النقدي. كما أن استناد الشركة في كتاب “عرض وإيداع فعلي” الموجه إلى الزبائن على المادة 301 من قانون الموجبات والعقود، والمادة 192 من قانون النقد والتسليف، اللتين تجيزان للمدين تسديد دينه بالعملة اللبنانية في الأحوال غير العادية، وإن كان الدين محرراً بالعملة الأجنبية، فهو يصح على تسديد الودائع ولا ينطبق على الأسهم. فالأخيرة باعتبارها “قيماً منقولة” تعتبر أمانة، وليست حساباً دائناً كما هو حال الوديعة. وبالتالي لا يجوز الخلط بين الوديعة والقيم المنقولة.
تعميم المركزي يدين الشركات
ولنسلم جدلاً أن هذا الرأي القانوني غير صائب، والخبراء مخطئون، فهل رأي مصرف لبنان خاطئ أيضاً؟
فحاكم المركزي وأمام تزايد الشكاوى على شركات التداول لدى هيئة الأسواق المالية، وبصفته رئيساً لهذه “الهيئة”، أصدر في 1 نيسان 2021 إعلاماً حمل الرقم 71، متعلقاً بالعملاء الذين يملكون محافظ أدوات مالية خارج لبنان. الإعلام ينص في مادته الأولى على التالي: في حال قرر العميل تصفية مراكزه من الأدوات المالية الأجنبية الموجودة خارج لبنان، يقتضي على المؤسسة تحويل صافي الأموال الناتجة عن عمليات البيع للعميل، إما إلى حساب داخل لبنان خاص بالأموال الجديدة “Fresh Funds “، وإما إلى حساب خارج لبنان، وذلك بناء لطلب الأخير.
أمّا المادة الثانية من الإعلام نفسه فتقول: على المؤسسة الإلتزام، بناء لطلب العميل، بتحويل محفظته من الأدوات المالية الأجنبية الموجودة خارج لبنان إلى مؤسسة خارجية أخرى يختارها، على أن تكون هذه الأدوات المالية موضوعة كضمانة، مقابل حصوله على تسليفات أو مثقلة بأي أعباء أخرى تمنع التصرف بها.
والأهم من ذلك فان المادة الثالثة تشير إلى أنه ينطبق موجب تنفيذ طلب العميل بتصفية أو بتحويل المحفظة وفقاً لما هو مذكور أعلاه أيضاً، على الحالة التي تكون المؤسسة المرخصة قد استحصلت لصالحها على تسهيلات مقابل رهن الأدوات المالية العائدة للعميل، وذلك رغم وجود موافقة خطية من قبل العميل برهن هذه الأدوات لصالحها. ما يعني بشكل واضح أن على الشركة إرجاع الاموال بالدولار النقدي إلى زبائنها بكل الحالات، وكل تصرف خارج عن هذا الإطار يعتبر مخالفة قانوينة.
تعليق قانون هيئة الأسواق
هذه التجاوزات تخالف مبادئ هيئة الأسواق المالية في لبنان، التي تهدف إلى تشجيع وتطوير الأسواق المالية بالتنسيق مع مختلف القطاعات المعنية، وحماية الإدخار الموظف في الأدوات المالية. فلا الحماية يبدو أنها متوفرة، ولا ممارسات بعض الشركات تشجع على تطوير هذه الأسواق التي نحن بأمسّ الحاجة إليها للنهوض بلبنان بعد تراجع عمليات التمويل المصرفية. وعلى الرغم من كل هذه المخالفات الجوهرية لقوانين هيئة الأسواق المالية، ما زالت بعض الشركات تتصرف كأنه لا يوجد “حسيب أو رقيب”. وهي تستند بحسب مصادر قانونية إلى غض نظر مصرف لبنان سابقاً عن التجاوزات، وخلط بعض القضاء بالأمور المالية، وعدم وجود مرجعية واضحة يرتكزون عليها. إلا أن الإعلام رقم 71 سيشكل، بحسب أحد المعنيين بملف تنظيم الأسواق المالية، مرتكزاً حقيقياً يبنى عليه لفض الخلافات الناشئة بين المستثمرين والشركات التي تتعامل خارج لبنان. وهو بذلك يقطع الشك إرجاع الاموال في حال إغلاق الحسابات، بيقين القبض بالدولار النقدي.
المصادر تلفت إلى أن هذه التجاوزات وغيرها تعود إلى عدم تطبيق قانون هيئة الأسواق المالية رقم 161 تاريخ 17/08/2011 وتحديداً بما ورد في المادة 16 من البند الرابع لجهة تعيين لجنة العقوبات، وفي المادة 21 من الباب الثالث بانشاء محكمة خاصة بالأسواق المالية. فلم تؤلف لجنة العقوبات المكونة من قاض و4 أعضاء إقتصاديين وماليين وحقوقيين يعينون بمرسوم يصدر بناء على اقتراح وزيري المال والعدل، وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى في ما خص الرئيس. كما أنه لم تؤلف محكمة خاصة بالأسواق المالية التي من شأنها البت بالنزاعات المتكونة بين الأشـخاص الطبيعيين و/أو المعنويين والناتجة عـن “الأعمال الخاصة بالأدوات المالية”، أو عن أي من الأعمال المشار إليها فـي هذا القانون. وعلى الرغم من إرسال هيئة الأسواق المالية كتاباً إلى حكومة الرئيس حسان دياب لاعلامها بضرورة تعيين أعضاء اللجنة والمحكمة، إلا أن التعيين لم يتم، وقد علق راهناً بطبيعة الحال مع استقالة الحكومة.
أمام ما تقدم يظهر أن تسوية الخلافات الناتجة عن التعاملات بالأسواق المالية ما زالت لغاية اليوم معلقة او مربوطة بارادة الحاكم المنفردة، وقدرته على فرض عقوبات على الشركات تبدأ بفرض غرامة على الشركة المخالفة والزامها بتسوية الوضع مع العميل، وصولاً الى شطب ترخيصها في حال تمنعت عن انجاز التسوية. ولا وجود لسلطة رادعة اخرى تمتلك قرارات تنفيذية قادرة على وقف الممارسات الخاطئة للشركات المالية.